الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زين وآلان: الفصل السادس 3

دلور ميقري

2018 / 10 / 4
الادب والفن


وكما هوَ شأنُ الأصائل الشتوية، غابت أشعة الشمس سريعاً وراء الأفق القاتم، المستوي فوق التلال البعيدة، أينَ البوادي الممتدة حتى شواطئ البحر المحيط. كان ما ينفكّ يدوّر في ذهنه جملتها الأخيرة، المفصحة عن ذكاء لامع، كامن في هذا الرأس الجميل، العنيد. كونها قرأت أفكاره بصورة صائبة، فإنه أذعن لرغبتها في التكلم بصراحة. ولكنه كان محرجاً، مرتبكاً، مما أطال صمته. على سبيل إلهاء الموقف، بادر لإشعال سيجاره.
" أرغبُ بتجربة السيجار، لو سمحتَ "، قاطعت أفكاره على غرّة بفم مبتسم. كان يهمّ بتناول العلبة المذهّبة، حينَ مدّت " غزلان " يدها ببساطة وسحبت السيجارَ المشتعل من فوق المنفضة. وكان على الموقف الواجم أن يتبددَ مع دخان السحبة الأولى، المتبوعة بسعالٍ صاخب. ليتدفق على الأثر الضحكُ المكبوتُ، مثل عبق وردةٍ هزّ النسيمُ خصرَها النحيل. فلما أرادت إعادة السيجار إلى موضعه، أمسك بيدها في رفق وقبلها.
" أرجوك، حبيبي سيامند..! "، ابتدأت تخاطبه وعيناها تبللهما الدموع، " لماذا تعاملني بطريقة فظة، وكأنني عدوّ يكيد لك؟ لقد قَبِلنا بعضنا البعض دونَ شروط مسبقة، وكانت علاقتنا متحررة من كل القيود. لو كنتَ تعتقد أنني عقبة أمام مشروع زواجك، أو أنني أحاول إفشاله.. "
" لا، لا يدور في ذهني شيءٌ من هذا القبيل "، أوقفَ كلامها عابساً من جديد. وأردفَ في زفرة كرب: " الزواج، لم يعُد هدفي.. ليسَ الآن، على الأقل ". اتسعت عيناها دهشةً، ولم تدعه بدَورها يكمل قوله: " وماذا سيحلّ بخطيبتك؟.. بالمسكينة زين؟ أبعدَ كل هذه السنين تتخلى عنها هكذا، ببساطة؟ "
" بالأمس القريب، كنتُ أنا المسكين في نظرك! "
" دَعني من الأمس، وقل لي الآنَ أنك لا تتكلم بشكل جاد؟ ولكن عليّ تنبيهك منذ البدء، أنك واهمٌ ما لو فكرتَ بأنني سأبتهجُ ما لو كنتَ جاداً "، قالتها وقد برقت عيناها بالكدر هذه المرة. ثابَ إلى أفكاره ثانيةً، بمعونة من نفث متتابع من سيجاره. ثم شاءَ أن يُعيد حركة الحنان، إلا أنها أبعدت يدها. قال لها أخيراً، مغتصباً ابتسامة: " أنت طيبة، غزلان، وأنا لا أشك بصدقك. وعليك أيضاً أن تُصَدقيني، لو قلت لك أنني إذا تمنيت الزواجَ من مغربية، فإنني سأختارك أنتِ "
" أنا؟ يا لها من فكرةٍ، غريبة بقدَر ما هيَ غبية! "، هتفت ضاحكة بصوتٍ عال. ولم تكن ضحكتها تعبّر عن البراءة، مثلما هذه المرة. على ذلك، تركها تتكلم دونَ مقاطعة: " يدَع بنتاً حسناء، خريجة جامعة، وفوق ذلك من أسرة عريقة.. من أجل مَن؟ من أجل امرأة متزوجة لا تطلب منه إلا أن يكونَ عشيقاً حَسْب.. امرأة، انتقلت وهيَ طفلة من يد أبٍ شحيح جشع إلى يد رجل لا يقل عنه شحاً وجشعاً. أكرر لك القول، أنني سأبقى أبعد ما أكون عن السعادة لو أتاني خبر انفصالك عن زين. غير أنني أنصحك بمراجعة طبيب تواً، فلعلك تعاني من حمّى سببت لك الهذيان "، وثنّت بيدها على جبينه، تتحسسه بطريقة طريفة. نحى يدها بشيء من الجفاف، وطفق يحدق فيها بنظرة ثابتة. كان غاضباً من نفسه، لأن لسانه أفلت تلك الجملة الأخيرة. فتذكّر فجأة، وبمزيد من الاستياء، مسألة الخطاب المرسل إلى السويد: " اللعنة! بدلاً من البحث عن حل لتلك الورطة، أراني أطلق كلاماً غبياً يُمكن أن يرميني في أخدود ورطة أخرى "، خاطبَ داخله. غيرَ أنّ مقابلتها بالتهكّم مجردَ " أمنية " عن الاقتران بها، جرحَ كرامته ولا غرو. فمال نحوها حتى أضحى رأساهما متقاربين، ليقول بنبرة ساخرة نوعاً: " إنك تبخسين حقَ نفسك، أو أنك تبغين سماعَ مديحٍ لمزاياك ومواهبك! "
" أخشى عليك مغبّة التشبّه بأخيك الراحل، لناحية اختياره امرأة متزوجة "، غمغمت بنبرة تُبطن الحذر. وخطرت لرأسه فكرة مكررة، عن كونه أمام امرأة تقرأ ما يجول في ذهن الآخرين. حينَ صارحها بذلك، كان جوابها خليقاً بجعله مبهوتاً أكثر: " ربما. وبحسَب من يعرفون امرأة أخيك، أنها كانت موهوبة أيضاً من هذه الناحية ". بدأ فضوله ينمو، وكأنما اجتماعه معها كان لهذه الغاية تحديداً. ولكنها وفرت عليه العناءَ، بالاستدراك قائلة: " كذلك تحدثوا عن شيمة ضافية، تتشارك أنت فيها مع الراحل: البحث والاستقصاء. لقد عذّبَ امرأته بسلسلة من التحقيقات عن ماضيها، في خلال وجودهما بمنزل الضاحية، حتى دفعها في النهاية إلى الفرار والاختفاء. والدتها، أعربت ذات مرة عن اعتقادها بأن الشريفة انتحرت برمي نفسها في احدى الآبار المهجورة "
" أيّ ماضٍ، تقصدين؟ "
" لقد حدثتك، قبلاً، عما يتعلق بلغز ولادتها؛ طبعاً وفق الأقاويل المتداولة. بل حتى علّة شقيقها الصغير، أحالها الخلق إلى حكاية قد تكون مختلقة "، أجابته محاولة تقمص لهجة محايدة غير مكترثة. تركها تتكلم، فيما أفكاره تمضي بعيداً مثل الطيور المحلقة في الغسق لآخر مرة قبل أن تحط على أعشاشها: " قبل سفرها، وعدتني تينا بالبحث بين أوراق فرهاد علّها تعثر على مخطوطات نثرية. وأنها سترسل إليّ بريدياً نسخة مصورة منها، لو تأكدت من أصدقاء يعرفون العربية أنها مذكرات، أو يوميات، ترصد إقامته المراكشية "، فكّر في شيء من الأمل.
بعد نحو الشهر، وصله فعلاً من السويد جواب رسالته. إلا أنّ " تينا " ضمّنت خطابها ديوانَ شعر صديقها الراحل، وكانت هيَ النسخة الوحيدة المتبقية من الطبعة اليتيمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما


.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا




.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما


.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في




.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة