الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آليات اكتساب اللغة

محمد الشهاوي
(Muhammad Alshahawy)

2018 / 10 / 5
التربية والتعليم والبحث العلمي


(مقال هامّ حول كيفية اكتساب اللغة، ومفاسد مراكز اللغات)

دعوني أبدأُ بسؤالٍ أزعُـمُ بشدةٍ أنه يدورُ كثيرًا في عقولِ شبابنا وبناتنا، وهو: لماذا لا نستطيعُ تعلّم الإنجليزية، أو حتى أيّ لغةٍ أخرى، مِن خلال كورسات الأكاديميات ومراكز اللغات بشكلٍ قاطع؟ ولماذا الأمرُ لا يدومُ طويلًا، هناك؟ تُرى، هل العيبُ في المُتدرّبين كلهم، أم أن العيبَ في المُحاضرين أنفسهم، أم يجب أن يُوجّـه اللومَ لسياساتِ مراكز اللغة ذاتها؟!
------------------
أنا، شخصيًا، لا أعتقد أن الخطأ واقعٌ على المُتدربين من شبابنا وبناتنا، لأن المُلاحَظ أن الكثرة الكثيرة فيهم، داخليًا، يَرجُون التعلّم فعلًا. كما أني لا أعتقد أن الخطأ يكمُن في المُحاضرين، أو لنقُل ليس في كل المُحاضرين، إذ هناك عددٌ من المُحاضرين يتفشّى فيهم الاجتهاد. إذن يُمكننا، برأيي، القول بأن الخطأ الرئيس يكمُن في "طريقة التعلم" نفسها- تلك التي يستخدمُها المُحاضرون ويتشبّثون بها، ويمشون على دربها، دونما مُسكةٍ من تمرّدٍ ضدها. هذه الطريقة، كما الشائع، تعتمدُ على إحصائيات مُعيّنة قديمة، وتقضي بأن اللغة يجب أن يتم تعليمها- لا اكتسابها- بالطريق المُباشرة؛ أيْ بإعطاء المُتدرّب كتابًا يحتوي، غالبًا، على وَحدات، كل وَحدةٍ بها موضوع، وألفاظ جديدة، وأُطروحة جرَامَريّة مُعينة، ثم يتم الشرحُ إلى أن يتبعَ، كل ذلك، أطنانٌ من الأسئلة، على ما تقدَّم، فيما بعد! تلك طريقةٌ عقيمةٌ تقومُ، أساسًا، على مبدأ أن تعلّم اللغات يكونُ بالعين- أيْ بالنظَر- في المقام الأول، فتبتدئُ بالكتاب، ثم تشرع في الأخذ منه، والمشي وراءهُ إلى نهاية الكورس، وأنت ما زلت لم تتعلَّم شيئًا سوى حزمةٍ من الكلمات التي سيطويها النسيانُ قريبًا، وخرجت، من الكورس، عالمًا ببعض القواعد الأجرومية التي لن تنفع، بل سيضر بروزها بعقلك وقت الحوار لأنها ستعوق مجرى الكلام، ونطقك كما هو لأن نطق المُحاضرين أنفسهم ليس على ما يُرام وذلك مُتفشٍ فيهم بكثرة للأسف، وما زاد عليك غيرُ تقدّمٍ نسبيٍ في الفهم، وهذا هذا. إن ذلك فيه كثيرٌ من الإجحاف بحق المُتدربين- العُملاء- ودوَّامات من الخلط المَنهجي، والخطأ المَحض. أولًا يجب أن يتم اكتساب اللغة الجديدة تمامًا كما تمّت عملية اكتساب اللغة الأولى، والتي لم تكن بالتعلّم المُباشر أساسًا، ولا بشرح القواعد، أو تصحيح الأخطاء مُباشرةً، أو بتلك الاختبارات التي لا تلـزَم! الواقع يقولُ أنه، ببساطة، كانت- وما زال- لدينا المقدرة على اكتساب لغتنا الأولى في طور الطفولة، وهذا تمَّ بالسّماع المُتكرر، وإلقاء، أو إملاء، التعبيرات علينا من الآخرين حتى تثبت في الذاكرة، وتجريب العقل عملية الاكتساب، (وهذا شديدُ الأهمية) وعدم الاكتراث من جانب الآباء، أو المُحيطين بنا، إذا ما وقعنا في أخطاء لغوية مُعينة، بل قد يثيرُ ذلك الضحكَ فيهم. هذا البيان البسيط جدًا يضمّ مسائل تكاد تكون شديدة التعقيد، مع أن بعضها قد يصل إلى حدّ السخافة. أولًا ينبغي أن يتم تلقين اللغة بالأذُن- بأن يُستمَع إليها مرارًا، وبالتدريج يتم اكتساب رصيدًا لا بأس به من التعبيرات الشائعة المسموعة، بالإضافة إلى ارتفاع مستوى الفهم، وكثرة عدد مرَّات السّماع، وبالطبع الأفضل والأولَى والأمثَل سماع مُتحدثٍ واحد لتكتسب لهجته هو، وليس الاستماع إلى كثيرٍ من المُتحدثين، في فترة التدريب، أعني قبل الوصول لمرحلة التمييز، لأن لكل مُتحدثٍ لهجة، كما في الفيلم مثلًا، وأنت تريد لهجةً واحدةً تستقرّ عليها لتبدو طبيعيًا، وعليهِ ستُفسدُ كثرةُ المُتحدثين عملية بنائك المُتعلَّقة باكتساب اللهجة Accent بدايةً؛ فيلزم بالضرورة اكتساب لهجة مُعينة أولًا، ثم بدأ الاستماع المُتكرَّر، بعدها، لأي مُتحدثٍ كان، دونما خوف. إن اكتساب اللغة لا ينبغي أبدًا أن يكون قائمًا على قواعد أجرومية سخيفة، يتعلّمها المُتدرّب، لا ليتكلم بشكلٍ صحيح، بل لينشغل بما هو صحيح، وما هو غير صحيح داخل رأسهِ أولًا، وهذا بموجب التفتيش في القواعد التي تعلَّمها ليُسقطها على الذي سيقوله، ثمَّ بعد ذلك يبدأ في الكلام_ ذلك الكلام الذي دومًا يبدو مُقطّعًا، ومُكتظًا بال Fillers، وعلى غير مستوى نمَط الحوار أصلًا! الثابت أنك تكتسبُ كلامًا صحيحًا، فتأتِ، فيما بعد، بكلامٍ صحيحٍ، ولو دون العلم بقاعدة واحدة. فتعليم الGrammar بشكلٍ مُباشر يُعتبر، برأيي، جريمةٌ لغويةٌ كُبرى؛ لأن تلك القواعد ما مِن شك في أنها ستقوم بجعلك تُفلتر ما تقول رغمًا عنك للمُزوالة بوجود فكرة الصواب والخطأ، هذا بالإضافة إلى أنك ترجمت المعنى المقصود من لغتك الأولى إلى الثانية قبل أن تتحدث أصلًا، وذلك سيجعلُ الحديث بطيئًا، وسيبدو الكلامُ وكأنه من الكلام الذي يجب أن يُكتَب لا أن يُنطَق، أو كالذي يُنال ولا يُقال! فالذي يُترجم من لغته الأم، حرفيًا، إلى اللغة التي يريد اكتسابها، ثمَّ يُحاول توصيل معناه، أو مغزاه، باللغة الثانية، سيأتينا بكلامٍ لا يلتئم! بالإضافة إلى أنه ما من شخصٍ من أهل اللغة الإنجليزية، مثلًا، تكلَّم لغته الأولى عن طريق تعلّم القواعد مُباشرةً، كما أنه ما من شخصٍ اكتسبَ لغته الأولى من خلال مستوى نجاحه في حل الإختبارات اللغوية! خاصةً وأن الإنجليزية ليس فيها فصحى. وأنا، حقيقةً، لستُ أفهم ما الغرض- الذي سيُثمِـر- من وراء وجود أسئلة واختبارات أصلًا في تعلّم اللغات؟ أليس يُمكن أن ينطوي ذلك، في أبسط الأحوال، على إحداث بعض الاضطرابات، والمُضايقات، النفسية للمُتدرب، فضلًا عن أن المُتدرّب يُريد اكتساب "اللغة" ذاتها، والأصلُ في اللغة الكلام، ولستُ أظنّ أن النجاح في الاختبارات اللغوية سيجعل منك مُتحدثًا جيدًا. أقولُها بداهةً، إن الذي يُريد أن يتكلَّم عليهِ أن يستمع، والذي يُريد أن يكتب عليهِ أن يقرأ؛ إنها بهذه البساطة وهذا التعقيد! فوسائل الإدخال Input، من استماعٍ وقراءةٍ، لها طريقةٌ مُعيّنةٌ كي يتم اكتسابها؛ وهذا ما نحنُ الآن، وربما سنكون، بصدده. الخللُ الواضحُ في طرُق التعلّم المُباشر هو اعتمادها- في الغالب- على موضوعات الكتاب، دون المُداومَة على التوليد الفكري في موضوعات إيجابية أخرى مَرِحة Pleasurable Input وكثيرًا ما نجد أن علينا المُداومة على موضوعاتٍ قميئةٍ جدًا كتلوث البيئة، كما تقرَّر كثيرًا، أو عوادم السيارات، أو حتى الاحتباس الحراري! إنَّ المُدخل اللغوي Input لو لم يكن مُمتعًا، بصورةٍ أو بأخرى، لن يتم اكتسابه، أو لن نضمَن دخوله رأس المُتدرب وصولًا إلى منطقة فهم الحديث في الدماغ من غير أيّ Blockage. فهذا ال Input الذي تريد اكتسابه، يجب أن يجمَع بين أربعة شروطٍ لا يجوز أن ينفك عنهم أبدًا؛ أولًا: ينبغي أن يكون ما تكتسبه مفهومًا، ولو بدرجة 70% على الأقل، وإلَّا سيكون المُدخَل بمثابة محض ضجيج Noise. واعلم أن الذي تفهمه، وتستمتع بفهمه، يتم اكتسابه فورًا، والعكسُ صحيح. ثانيًا يجب أن يكون الذي تريد اكتسابه حقيقيًا، بمعنى أنه يضمَن عباراتٍ طالعة من أفواه أهل اللغة أنفسهم، وليس ممَّا تمّت كتابته؛ فنحنُ لا نتكلم كالكتاب، إنما نتنوّع بالضرورة في سرد الأقوال لنندمج والطبيعة والأعراف. ثالثًا يجب أن يكون هذا ال Input مُهمًا للمُتدرّب، بشكلٍ أو بآخر. فمثلًا: لماذا أتحدث مع مُتدرّبٍ تخرَّج في كلية التجارة عن علم النفس التطوّري بالإنجليزية؟ أو عن المُنظمات الدولية بالفرنسية؟ يجب أن يلمس ال Input شيئًا كثيرًا ممَّا تريده من وراء اكتساب اللغة؛ وكلما كان ما تكتسبه مُهمًا لك، كلما كان اكتسابه سريعًا ومضمونًا. رابعًا يجب لهذا المُدخَل أن يحتوي على موضوعاتٍ وأساليبٍ مُمتعة، لا تستثيرُ الملَل والكلَل؛ لأن في هذا حدة انتباه من جانب المُتدرّبين، وذلك لتأثرهم بمُتعة الموضوع الدائر عليه النقاش، وبذلك يتم المطلوبُ اكتسابه. وعليهِ أرى أنهُ لا بُد أن تتم عملية الاكتساب على النحو الذي نَحوْنا إليه، وبعدها سيتم إخراج ال Output أوتوماتيكيًا، من غير جهد، ولا حاجة لاستعجال خروجه، لأن إجبار النفس على الكلام ليس دليل صحّة مُطلقًا. عليك أن تنتظر حتى تكتسب كميات كبيرة من المُدخلات اللغوية، ثم تكلَّم حين تشعر بأنك تريد تتكلَّم فقط. وأنا سأُبيّن، في مقالٍ آخر، كيفية اكتساب اللغة من منظور أكاديمي بحت، مع كيفية الحصول على مناهج تتوافق ونظرية الاكتساب، لا التعلّم، وسيكون ذلك الموضوع مُضافًا إلى باقي منشوراتي قريبًا على هذا الموقع الفضيل...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟


.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على




.. شهداء جراء قصف إسرائيلي استهدف منزل عائلة الجزار في مدينة غز


.. قوات الاحتلال تقتحم طولكرم ومخيم نور شمس بالضفة الغربية




.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية