الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صعوبة نشركل ما يمس الثقافة السائدة (3)

طلعت رضوان

2018 / 10 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



لم أكن أتوقع أنّ ما سأكتبه عن د. أنورعبدالملك لن يجد ترحيبــًـا من رؤساء تحريرالمجلات الثقافية، الذين عرضتُ عليهم المقال، فى هذه الفترة (وكنتُ قد تعديتُ سن الخمسين) تأكدتُ من أنّ (حالة الفطرة الطبيعية..وتصرفاتى الطفولية) مازالتْ مُـتحكمة ولصيقة بالماضى الطفولى. وبالرغم من حزنى على الوقت الضائع والمجهود المبذول، والحالة النفسية التى يمربها أى كاتب يشعرأنه (غيرمرغوب فيه، ربما لأسباب شخصية، وربما- كما فى حالتى- أنّ كتاباتى تسيرعكس إتجاه الثقافة السائدة..وبعد أنْ تعديتُ السبعين..وفكرتُ فى اقتراح الأصدقاء وإلحاحهم بأنْ أكتب سيرتى الذاتية، تذكرتُ مقالى عن د. أنورعبدالملك، فرأيتُ أنْ يكون أحد فصول كتابى عن مقالاتى المرفوضة من الثقافة السائدة..وقد بدأته كالتالى:
000
فى كتابه (نهضة مصر) الصادرعن هيئة الكتاب المصرية عام 83عرض د. أنورعبدالملك علاقة محمد عبده بجمال الدين الأفغانى فكتب عنه ((الحكيم الكامل. الحقيقة المُتجسّدة. الأستاذ المحترم المقدس)) (ص403) والتلميذ ردّد أفكارأستاذه فقال ((إنّ الدين وحده هوالقادرعلى توحيد الأمة..وتجسيد الوعى الوطنى..ودعم التضامن بين مختلف عناصرالمجتمع)) وكان تعقيب د. أنور(وهوفكريلتقى بالفكرالذى كان محورمرحلة (الجهاد) فى العروة الوثقى) (ص411) ولم يتوقف المؤلف لمناقشة هذا الفكرالذى يعتبرالدين (وحده) هوالقادرعلى توحيد الأمة. فلوأننا إزاء أمة يعتنق شعبها دينًا واحدًا لكان للعقل أنْ يقبل كلام محمد عبده ويتغاضى عن سكوت المؤلف. فهل هناك تفسيرلهذا الصمت غيرالتوافق والرضا خاصة أنه أضاف ((إنّ الطابع العام لموقف محمد عبده والأفغانى من المسألة الوطنية كان انتقاديًا صريحًا)) كيف؟ أجاب ((كانت الجنسية العصبية (= الانتماء الوطنى) فى رأيهما عامل تقسيم)) (ص419، 420) وهنا أيضًا لم يُعلق المؤلف بكلمة على هذا الادعاء المزيف لأبسط حقائق تكوّن الأمم والشعوب، وكأنّ د. أنورلم يتوقع هذا السؤال: متى وأين كان الانتماء للوطن عامل تقسيم؟ خاصة وأنه نقل عن الأفغانى ((يجب على المسلمين أنْ يرفضوا كل ولاء وطنى وكل انتماء وكل إخلاص للوطن الأصلى لينضوا تحت لواء الدين الإسلامى بوصفه المصدرالوحيد للقوة والوحدة..وهذا هوالسرفى إعراض المسلمين على اختلاف أقطارهم عن اعتبارالجنسيات ورفضهم أى نوع من العصبيات ماعدا عصبيتهم الإسلامية)) (ص421) فهل نقد الاستعمارالبريطانى يكون بالتحريض على رفض الولاء للوطن؟ أم أنّ العكس هوالصحيح؟ وهل يوجد أفضل من هذا التحريض كى يسعد به الغزاة والمستعمرون؟
وبعد الفقرة السابقة مباشرة كتب د. أنور((وتبدوالجامعة الإسلامية هنا كموقف دفاعى ضد مجاوزة الحد كما ورد فى المقال الافتتاحى فى 13مارس1884. إنّ الاتجاه نحوإعادة تأسيس امبراطورية إسلامية بزعامة تركيا ظاهرواضح..وكان الهدف الأساسى تخليص البلاد الإسلامية من سيطرة الاستعمارالأوروبى)) (421، 422) هنا أيضًا فإنّ د. أنورلم يُعلق بكلمة على هذا التفضيل بين الاستعماريْن الأوروبى والتركى، وهوالتعليق الذى سجله لويس عوض فى كتابه عن الأفغانى حيث رصد التيارالوطنى داخل الحركة العرابية الذى رفض الاستعماريْن الأوروبى والتركى وكان شعاره (مصرللمصريين) وهونفس تيارحزب الأمة برئاسة أحمد لطفى السيد. بل إنّ د. أنورلم يُفكرفى استخدام علم المنطق ليوضح التناقض بين الدعوة لرفض كل ولاء للوطن الأصلى وأنّ إنكارالوطن هوالذى سيُخلص البلاد من الاستعمارالأوروبى ويُخرج الإنجليزمن مصر..ولماذا تغافل عن أنّ شعبنا (مسلمين ومسيحيين) تكاتفوا ضد الإنجليز؟ وأنّ الوطن (وحده) هوالذى وحّدهم وليس الدين..وبمفهوم المخالفة: لوأنّ المصريين المسيحيين تبنوا أفكارالأفغانى فإنّ النتيجة هى الانضمام للمحتل البريطانى (المسيحى مثلهم) فلماذا لم يفعلوا ووقفوا ضده؟
وبعد أنْ عاد محمد عبده إلى مصرفإنّ آراءه عن الوطن تغيّرت فذكرد. أنور((نجد فى كتابات محمد عبده صدى للأفكارالسياسية الوطنية التى تحل تدريجيًا محل أفكارالجامعة الإسلامية)) ثم نقل عن محمد عبده ((وجملة القول أنّ فى الوطن من موجبات الحب والحرص والغيرة ثلاثة تشبه حدودًا: الأول أنه السكن الذى فيه الغذاء والوفاء والأهل والولد..والثانى أنه مكان الحقوق والواجبات التى هى مدارالحياة السياسية وهما حسيان ظاهران..والثالث أنه موضع النسبة التى يعلوبها الإنسان ويعزأويسفل)) فكان تعليق د. أنورالثاقب ((أبتْ الحوادث إلاّ أنْ تثبت لنا وجودًا وطنيًا ورأيًا عموميًا..ونستطيع أنْ نُحدّد أنه كلما ابتعد محمد عبده عن الأفغانى كلما عثرعلى مصريته كاملة)) وهذه الجملة أوهذه الصياغة هى نحت مبدع لأنها تعكس عقلا مفكرًا وضميرًا حيًا. قرأ وفهم واستنتج ولاتبقى إلاّ الصياغة المولود الجميل للرؤية والفهم. فالأفغانى (الأستاذ المقدس) ضد مفهوم الوطن، بل إنّ الوطن لديه عامل تقسيم وهى ذات الأفكارالتى تأثربها التلميذ (محمد عبده) ولكن بعد عودة التلميذ إلى مصر، وبعد تخلصه- نسبيًا– من سيطرة أستاذه المقدس فإنه يعترف صراحة أنّ ((الحوادث أبتْ إلاّ أنْ تــُـثبت لنا وجودًا وطنيًا ورأيًا عموميًا)) (423)
ولكن د. أنوربعد حديثه عن التحول الايجابى لشخصية محمد عبده، هدم صياغته البديعة وذلك بترديد أفكارالأصوليين فذكر((وأولى نتائج فكرمحمد عبده هى حظرأوإعاقة ممارسة أى فلسفة وأى فكريريد أنْ يستقل عن إطارالدين)) ولوأنه اكتفى بتلخيص فكرمحمد عبده دون تعليق لهان الأمر، ولكنه أضاف ((ومحمد عبده بتحديثه للدين التقليدى هوالذى ردّ له فاعليته وجعل منه ما أراد أنْ يكون: أى الرابطة الوحيدة التى توحّد الأمة بعروة وثقى لاتنفصم. الفلسفة الوحيدة المقبولة لأنها فلسفة وطنية ومتفقة مع الأصول والمصادر)) (429) وهكذا يؤكد د. أنورأنه يقف مع الأصوليين الذين يرون رأيه عن دورالدين (الرابطة الوحيدة التى توحّد الأمة) خاصة وقد ذكرأنّ محمد عبده ((لايهدف إلى إقامة دولة ذات سيادة مستقلة ديمقراطية وحديثة..وإنما يسعى إلى بعث جماعة وطنية عن طريق الدين. لاعن طريق النقد التاريخى العلمى وإنما بالرجوع إلى أصول الإسلام ومصادره)) (430) وهنا أيضًا فإنّ د. أنورلايُعلق بكلمة على (بعث جماعة وطنية عن طريق الدين) وهورأى ضد العقل والمنطق والتاريخ لأنّ شعبنا فيه المسلم والمسيحى (سنى وشيعى) وفيه البهائى واليهودى..وأنّ الذى وحّد شعبنا وكل الشعوب المُتحضرة- عبركل مراحل التاريخ– هوالوطن، لا الديانات المُتعدّدة والمذاهب المُتنوعة.
ووصل إعجاب د. أنوربالأصولية الإسلامية لدرجة وصفه لفكرمحمد عبده بأنه ((رفض التاريخية والنقد العلمى والعودة للماضى..وأنّ محمد عبده يبدأ بهذه النقطة الأخيرة. فمنهج التجديد كما رأينا يعتمد على الرجوع للمصادر.. رجوع يبغى الأصالة والادراك السليم..وعلى ذلك فإنّ التطورالتاريخى القادم يُعتبرانعكاسًا للأمام، لتركيبات العهود الماضية وعقليتها وبالتالى لمجد هذه العهود)) (431) وهكذا يتضح تطابق د. أنورمع الأصولية الإسلامية (الرجوع سوف يكون إلى أصول الإسلام ومصادره) وأنّ هذا الرجوع (يبغى الأصالة والادراك السليم) وبمفهوم المخالفة فإنّ أية مرجعية أخرى (بما فيها الولاء للوطن) لابد وأنْ يُنتفى عنها الأصالة والادراك السليم، وهوذات موقف كل الأصوليين (فى كل دين) الرافضين لأية مرجعية بشرية تنظم شئون حياتهم. وفى الفقرة التالية كان د. أنورأكثروضوحًا فذكر((وبذلك يختط محمد عبده مفهومًا ثيوقراطيًا للمجتمع المصرى ولمستقبل مصر)) ولوأنه توقف عند هذا الحد لكان من اليسيرفهم أنّ هذا موقف إدانة لمن يُريد أنْ يختط لمصرمفهوم الحكم الإلهى، ولكن د. أنورلم يتوقف وكتب بعد آخر كلمة ((أولوية الدين. الأيديولوجيا الوطنية. النزعة العلمية. البراجماتية. رفض كل جدلية. الرجوع للماضى، يُخفف فيه ويُلطفه الادراك السليم: تلك هى الفلسفة التى انتهتْ من خلال مدرسة المناروالإخوان المسلمين، بالانتصارعلى أيدى هيئة الضباط الأحراربقيادة عبدالناصر)) (431) وفى هامش هذه الفقرة ينصح القارىء بالرجوع إلى كتابه (المجتمع المصرى والجيش)
إنّ د. أنورصريح وصادق مع نفسه عندما ذكرأنّ الأصولية الإسلامية تم تدشينها على أيدى (الضباط الأحرار) وأنّ البداية كانت من خلال مدرسة المنارثم الإخوان المسلمين وأنّ ضباط يوليواستلموا الراية..ووصف ما حدث فى يوليو52ب (الثورة الوطنية) رغم عشرات الأسباب التى تُرجح العكس..وأنّ هذه الأسباب تؤكد للباحث الحرأنّ ما حدث لم يكن (ثورة) وإنما انقلاب عمد إلى تغييرهويتنا المصرية وتفتيت وحدتنا الوطنية وقطع الطريق على مسيرة الليبرالية كما اعترف عبدالناصربذلك لإبراهيم طلعت (هيئة الكتاب المصرية- عام 2003ص245) فهل (نهضة مصر) ذلك التعبيرالبراق الذى كان عنوان رسالته للدكتوراه من جامعة السوربون عام 69 ، يصنعها الأصوليون المسلمون الذين يرفضون بل ويُعادون مفهوم الوطن وأى انتماء للوطن الأصلى ولايعترفون إلاّبولاء واحد هوالولاء للدين، مع إيمانهم المُطلق بأن (الإسلام وطن) أم أنّ نهضة مصريصنعها كل المصريين بغض النظرعن دياناتهم ومذاهبهم ومعتقداهم؟
ألم يقرأ د. أنورعن توجهات الأصوليين الإسلاميين حول مفهوم (الوطن) وعن عدائهم لمعنى الانتماء الوطنى منذ الأفغانى وعبدالعزيزجاويش الذى قال ((لودخلتك يا مصرلجعلتُ من شعور المسيحيين حبالاومن جلودهم نعالا)) (نقلا عن لويس عوض- أوراق العمر- ص36) وحسن البنا وسيد قطب إلخ؟ وإذا قفزنا من عام 69إلى عام 95فهل تغيّرموقف د. أنور؟ هل الأحداث التى وقعت فى مصرمثل اغتيال د. محمد حسين الذهبى عام 77وأنورالسادات عام 81وفرج فوده عام92 ناهيك عن أحداث العنف الدموى الذى مارسه الإسلاميون ضد المسيحيين فى الزاوية الحمراء وعين شمس وأسيوط إلخ علمته شيئًا؟ فى عام 95كتب د. أنورمقالاحول (انتظام كافة اتجاهات النهضة فى جبهة وطنية متحدة) فمن هم أصحاب إتجاهات النهضة؟ (الجبهة المنشودة لها مستويان: المستوى الأول سياسى والثانى مجتمعى ثقافى وهوالذى سوف يجمع مختلف مدارس الفكروالعمل على تنوع انتماءاتهم الحزبية والنقابية..ويتسع هذا المجال إلى الرأسمالية والوطنية الليبرالية وإلى ممثلى التوجهين الرئيسييْن: إتجاه التحديث الليبرالى وإتجاه الأصولية الإسلامية) (صحيفة العربى الناصرية 13/2/95) هذا هورأى الدكتورالمُعتمد من باريس: الجمع بين مُتناقضيْن: التحديث الليبرالى مع الإصولية فى جبهة واحدة..وكأنّ سيادته لايعرف مفردات كل إتجاه. فالتحديث الليبرالى يعنى الديمقراطية السياسية بكل مفرداتها من فصل بين السلطات، وتداول السلطة، واعتماد التشريعات الوضعية..وأنّ الإنسان من حقه أنْ يختارمايشاء من أديان ومن حقه أنْ يكون (لادينى) والليبرالية تعنى حرية البحث العلمى بلا أدنى تحفظات مثلما يحدث مع الأصوليين..وفى المقابل فإنّ مفردات الأصولية الإسلامية عكس التحديث الليبرالى بل هى تتناقض وتتصادم معه. فأصحاب الأصولية الإسلامية لايعترفون بالديمقراطية لأنّ منشأها بلاد الغرب الكافر..وهكذا نجد أنّ د. أنورلايكتفى بالوقوف مع الأصوليين كما فعل فى كتابه (نهضة مصر) ولكنه فى عام 95يُساهم فى تضليل شعبنا بالترويج لإمكانية التحالف بين نقيضيْن لايلتقيان.. وفى مقابل هذا التضليل يكون الأصوليون أكثرصراحة لأنهم يُعبّرون عن رؤاهم وعن خططهم للمستقبل بصدق عندما يخطبون ويكتبون ((المُشرّع هوالله)) تعبيرًا عن رفضهم القاطع لأى تشريع وضعى..وأود أنْ أذكرالقارىء بتعبيرد. أنور((نستطيع أنْ نُحدّد أنه كلما ابتعد محمد عبده عن الأفغانى كلما عثرعلى مصريته كاملة)) وكان تعليقى على هذه الصياغة أنها نحت مُبدع لأنها تعكس عقلا مفكرًا وضميرًا حيًا، ولكن يبدوأنه كتبها فى غفلة من روح الإبداع الحرالتى توجّه عقل المبدع نحوقبلة الحقيقة وحدها، إذْ كتب الكثيرالذى يناقض عبارته ويهدم نحته الجميل. فهل لى أنْ أستعيرعبارته مع بعض التعديل: نستطيع أنْ نُحدّد أنه كلما ابتعدنا عن فكرالأصوليين، كلما عثرنا على مصريتنا كاملة.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح