الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معاناة دفع رباعي- قصة قصيرة

داود السلمان

2018 / 10 / 6
الادب والفن


ضاقت به سبل العيش، وتقطعت جميع طرق الوصول الى عيش حياة ملئها السعادة والتمتع فيها كحياة فسيفسائية.
هكذا كتب عليه القدر أن يعيش هذه المعاناة ولا يمكنه الافلات منها، وبحسب المثل الدارج "المكتوب على الجبين لازم تراه العين" فهو مؤمن بفلسفة هذا المثل اشد الايمان، وعليه كلما حاول أن يعمل في حقل كل المهن فلم يفلح. عمل نجاراً وعمل حداداً، وعمل بالتجارة وعمل في البناء، وعمل في أحدى دوائر الدولة باجر يومي، وعمل كطباخ ماهر في احد المطاعم، وجرب الكثير من غير هذه الاعمال، الا أن ظروفه المعاشية تتعقد يوماً بعد آخر بسبب زيادة مصروفات البيت من شراء الاحتياجات المنزلية وسواها، فضلا عن مرض زوجته واولاده الاربعة بمرض عضال، وثمن الدواء الذي بات باهضاً جداً، علاوة على معاينة الطيب التي هي الاخرى ازدادت بسبب جشع الاطباء وضمير بعضهم الذي مات ودفن في مقابر نائية.
كل هذا الارث الثقيل شكل انعطافة سلبية خطيرة على كاهله، فصار في بحبوحة من العيش تحفزه دوماً على التفكير بالانتحار. لكنه رجل مؤمن، وفي ثقافته الدينية أن الانتحار شيء محرّم قد حرمته جميع الاديان السماوية.. فيستخفر ربه ويتجه الى زيارة اضرحة اولياء الله الصالحين، وهناك يتضرع الى الله بالصلاة والدعاء على أن يبعد وساوس الشيطان عن مخيلته، وأن يفتح له ابواب رزق تدر عليه وعلى اسرته، وأن يشفي الله اسرته من الامراض ويعافيهم.
ويعود الى منزله وهو يشعر بالاطمئنان النفسي، بعد أن استطاع أن يعمل ما عليه من واجب ديني، والباق على الله.
لكن الله اعطاء شيء جداً ثمين، وهو لا يشعر بذلك الشيء، او ربما يعلم به لكنه غير ملتفت اليه، وذلك الشيء هو "الصبر"، والصبر هو من اكبر النعم التي يمنحها الله الى بعض عباده. اليس الله قد اعطاه لعبد من عباده حتى ضرب المثل في صبر ذلك العبد، وهو نبي الله ايوب؟، اليس الله امتحنه امتحاناً عسيراً واراد بذلك الامتحان أن يختبر محبته لله وطاعته له، هل يضجر ويدب به اليأس والقنوط؟، أم يصبر ويحمد الله على ما نزل به من بلاء؟، فصبر صبراً عظيماً، لم يصبره أحد سواه، حتى باتت الشعراء والعشاق تتغنى وتتسلى بصبره وتأخذ منه العبرة والاعتبار؟.
وراح يقنع نفسه، أنه يجب أن يتسلق جبال المحن بحبال الصبر حتى يعبر الى الضفة الاخرى، والاخرى هي السعادة التي يحلم بها، له ولأسرته البسيطة، فهو لا يطلب شيئاً من الله سوى شفاء زوجته واولاده، حتى يوفر ثمن الدواء وثمن معاينة الطبيب، ويدخر ذلك الثمن لعوادي الزمن ومحن الدهر، وتقلبات البين.
"لا راحة في الدنيا" هو موقن بهذا، فهي فلسفة واقعية، لأن الحياة هي عبارة عن معاناة وآلام ومحن وخطوب. لكن الذي ليس هو مؤمن به، أن غيره من الناس من الذين يمتون له بصلة قرابة، وحتى من الذين كانوا اصدقاء طفولته وزملائه في الدراسة المتوسطة، يعيشون حياة افضل منه؟.
فيقول بحسرة والم:
- لماذا يا ربي كتبت علي هذا الشقاء.
ويختنق بالعبرة، فيكفكف دموعه التي نزلت ساخنة على خديه من دون أن يشعر بها.
وفي هذه الايام كانت الاخبار تعج بالاضطرابات، وعلى مستوى البلاد برمتها، أن التظاهرات التي خرجت للمطالبة بمحاسبة الفاسدين واقامة اصلاح سياسي وخدمي قد ازدادت في شكل لم يكن له مثيلا من ذي قبل.
وفي احدى النشرات الاخبارية اذيع خبراً متلفزاً، مفاده أن المتظاهرين اقتحموا مبنى مقر المحافظة وما كان من حماية البناية الا أن اطلقوا عليهم الرصاص الحي، فسقط عدد منهم، كان من بيهم صاحب المعاناة التي لا تنتهي.. حتى انتهت اخيراً برصاصة عشوائية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81