الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشهقة أمام الألوان

منوّر نصري

2018 / 10 / 7
الادب والفن


لطالما حدّثتكِ عن الشهقة أمام الألوان. الشهقة والانبهار والسفر في تفاصيل المساحات الملونة والخطوط الخافتة أو الواقفة كالأشجار، جذورها ضاربة في الأرض، وفروعها في السماء. الخطوط والألوان والمساحات والشهقة أمامها.... والانبهار.... وتلك الغفلة المريحة عن الدنيا.... ونسيان الصخب اليوميّ المقرف.... والعبور إلى دنيا اللوحة الآسرة.... والتجوّل في مساحاتها بمتعة... واستنشاق روائحها العطرة.... والتملّي في تفاصيلها بشهوة..... والتمتع بأجوائها بنفس مفعمة بالبهجة.
تستغربين صمتي الطويل أحيانا وأنت تحدثينني فلا أجد مبرّرا ألوذ به لأقنعك بأنني أهتمّ بكلامك وأحبّ أن تكلميني بل وأقلق كثيرا عندما لا يرنّ الهاتف لأرى الاسم الذي أسنَدْتُهُ لكِ على شاشة الهاتف. ينبغي أن يَحْدُثَ ذلك مرارا في اليوم الواحد لكي أحافظ على بعض توازني. وقد فعلتِ حسنا لأنكِ شاركتِ منذ سنوات، حين تقابلنا، في اتفاقية الودادية مع اتصالات تليكوم، ليصبح بإمكانكِ مكالمتي هاتفيا باستمرار مقابل مبلغ شهريّ قارّ. ومنذ ذلك الحين وأنتِ تكلمينني مرّات كلّ يوم وفي كل مرّة تستغرق المكالمة ساعات. لكن كثيرا ما أبقى صامتا وأنتِ تتكلمين أو تقرئين لي مقالة أعجبَتْكِ، تقاسَمْتِها على صفحتِكِ على فايسبوك. أبقى صامتا جلّ الوقت ولا أردّ إلاّ ببعض الجمل القليلة التي تثير غضبكِ أحيانا. فأنا في أحيان كثيرة، لا أجاملكِ. لآ اُبدي اهتماما بما تقولين رغم أنني أنا من يبادر بالطلب على الهاتف. وعندما يصلكِ الطلب تغلقينه وتطلبينني في إطار استعمال خدمة اتصالات تليكوم. أستمعُ إليكِ ونفسي مثقلة بمشاغل شتّى تقلّل من اهتمامي بحديثكِ رغم حاجتي إليه.
أقولها بصراحة، أنا لآ أستطيع أن أبقى بدون حديثك. لا أستطيع أن أقضي يوما كاملا دون أن أستمع إليك عدّة مرات في اليوم. كثيرا ما تصوّرتُ أنه بإمكاني أن أغضّ الطرف عن مكالماتك، لكن في كلّ مرّة أجدني عاجزا، بعد مدّة وجيزة لا تتجاوز بعض الأيام. وخلال تلك الأيام التي ينقطع فيها صوتكِ عني، أشعر بفراغ يبتلعني. تضيق بي الدنيا وتفقد الأشياء معناها ولا أرغب في القيام بشيء. كلّ شيء بدونك خاوٍ من المعنى ولا لون ولا طعم له... عندما يختفي صوتك عني، تزداد دنياي ظلمة ووحشة وترحل الألوان التي طالما أحببتُها لتحلّ محلّها الوحشة والفراغ المقيت. أجدُني أتقلب في ضياعي وضياع أوقاتي وضياع كل ما كان يؤثّث دُنْيَايَ. لا أفهم ماذا يعتريني عندما يغيب صوتك عني. تصبح الساعات ثقيلة. وأنبذ الكتب التي كانت تِؤثّث جزءا من وقتي وأستصغر اهتماماتي الجميلة والمحاولات على الألوان في الواقعيّ والرقميّ ويظل وجهكِ يطوف بمخيلتي وأراه بمقاييس وألوان شتى وأراك تجيئين وتذهبين وتجيئين وتغادرين، وأراك مبتسمة تارة، وتارة واجمة أو حزينة، وقد أراك في أوضاع أخرى أحبّها ولا يعرفها سوانا.... أظلّ أنتظر أن يرنّ هاتفي وأرى الاسم الذي أسندْتُهُ إليكِ على شاشة الهاتف. لكن يطول انتظاري، ويطول عذابي. وأنتظر بأكثر لهفة. وأنتظر، وتزيد لهفتي. ويكبر يأسي ويعشّش الحزن في نفسي. ويزداد إحساسي بالشقاء. وتبكي الألوان العالقة بنفسي وتظلّ تنتظر أن يعود صوتكِ ليعود إليها إشراقها...
وتعودين. ويعود الفرح. وتشرق الألوان من جديد. لكن ثَمَّةَ شيءٌ ينقصني وينغص عليّ الساعات الجميلة التي أقضيها معك على الهاتف. أنا مَهُوسٌ بذلك الشيء يا من أحببتً. مَهُوسٌ إلى حدّ كبير، قد لا تتصوّرينه. أنا أُومِنُ بالشهقة أمام الأشياء الجميلة، وأمام العمل التشكيليّ الجميل. أنا مبعثر المشاعر. أُومِنُ بأنني متعلّق بك. وأومن أيضا بأنّني مَهُوسٌ بالألوان وبالفنّ الجميل. لكن ما يشقيني هو أنني رغم عودتي الأخيرة إلى الرسم بالألوان الحقيقية والرقمية، ورغم عودتي إلى اهتمامي القديم جدّا بالتصوير الفوتوغرافي وشغفي بمعالجة الصور على الحاسوب بواسطة برمجية فوتوشوب، أشعر أنني مبعثر المشاعر. لا أدري هل يعود ذلك إلى تقلّص اهتمامي، دون أن أشعر، بالفنون، أم إلى إحساسي العميق بأنّ مَنْ حولي لا يشاركونني الاهتمام بالألوان، ولا يشهقون إعجابا أمام الأعمال الفنّية الساحرة.
حتّى وأنتِ تتّصلين بي، أشعر أنّ حزني كبير وعميق وأن شقائي مركّب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن