الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زين وآلان: الفصل السابع 2

دلور ميقري

2018 / 10 / 8
الادب والفن


" إن أفضلَ رداءٍ تكتسي به الحقيقة، هوَ المهزلة "، قال له مدير مكتبه يوماً وكان قد كفّ عن الضحك. وكان ذلك قد جرى على أثر انجلاء لغز شخصيّة المَدعو، " هشام "، بفضل مصادفة حضور الرجل العراقيّ للسهرة تلك، المحتفلة برأس السنة الجديدة. إذ ما أن ولجَ " رفيق " المنظرة، ووقعت عيناه على الضيفين الآخرين، إلا ولاحَ من تحيته لهما أنه على معرفة بهما كليهما. عندئذٍ أضطرَ المضيفُ إلى سلك الحيلة المألوفة، للانفراد بالعراقيّ: " لو سمحتَ، صديقي، نحتاج في المطبخ لخبرتك في تحضير الدولمة "، قال له بنبرة مازحة. وقد بادله الرجل الابتسام، طالما تذكّرَ نقاشاً جرى مرةً في فيللا الأسرة المُحسنة حولَ المطبخ المشرقيّ واختلافه عن المغربيّ. هنالك، في المكان المحتل فيه مدبّرُ المنزل الصدارة، بصفته طباخاً أيضاً، تطرقَ " سيامند " مع الضيف إلى الموضوع المطلوب وبطريقة ملتوية بالطبع. فعرفَ منه أنّ " هشام " هوَ صورة عن صديقه، الدَعيّ المتطفل، ومثله سواء بسواء في ملازمته البارات والمطاعم الراقية لتصيّد الحمام غير القادر على التحليق في أجواء المدينة الحمراء. وكان على المضيف أن يشعر على الأثر بالغضب، كونه خُدع مرتين بشخصية الرجل: أولاً حينَ صدّقَ أنه " الرفيق الحزبيّ البارز "، وثانياً لما عادَ وشكّ فيه بشبهة كونه رجلٍ على صلة بجهاز أمنيّ ما. ثمة، في المنظرة، حقّ له أن يتخفف من شعور الغضب. بل واستبدله بنوع من الشفقة، بينما كان يتأمل حركات الرجل الطفيليّ على مائدة الطعام والشراب، الموحية بأنه بَطِنٌ وجائعٌ مزمن.
مع ذلك، كان " سيامند " يحسّ بقبضة الأجهزة الأمنية، تطبقُ على عنقه رويداً وبشكل ناعم. وكانت خشيته أن يُعاد مرة أخرى إلى دمشق؛ ثمة، أين القبضة الأمنية المنفلتة العقال والمصير المجهول لكل من يقع بين براثنها. رفاق التنظيم، أفاقوا على حين غفلة من جو الكرتفال، المصاحب لوجود الزعيم في روما.. أفاقوا مترنحين من هول الصدمة، بعد بث صور تلفزيونية عن اعتقاله في نيروبي من قبل الكوماندوس التركيّ. ولم يسمع آنذاك جواباً مقنعاً، لتساؤله عبرَ الهاتف: " كيفَ يخاطر التنظيمُ بإرساله إلى العاصمة الكينية، التي أضحت مرتعاً لأجهزة الاستخبارات المختلفة على أثر تفجير السفارة الأمريكية هناك؟ ولِمَ لم يفكّر الرفاق بالمغرب، كبلدٍ سياحيّ يُمكن ألا يلفت النظرَ عند توجه القائد إليه وهوَ في طريقه المأمول إلى جنوب أفريقيا؟ ". إذاك لم يسمع من الطرف الآخر للخط سوى همهمة غير مفهومة، أعقبتها تعليمات عامة عن ضرورة حشد الرأي العام في كل مكان في سبيل إطلاق سراح الزعيم الخ!
ولكنه الجنرال، مَن سيتعهّد فتحَ عينيه إلى الخطر المحدق ومن ثم ضرورة التفكير في سرعة بمغادرة المغرب إلى موسكو بحجّة متابعة موضوع استيراد شحنة من حديد البناء. في المنظرة نفسها، جلسَ ذات ليلة يستمع لسعادته على وقع صليل الأقداح المذهّبة، المترعة بكوكتيل الفودكا؛ شرابهما المفضّل. كانا وحدهما في تلك الليلة من الخريف المتأخّر، بينما مدبّر المنزل في الحديقة منشغلٌ بنفخ جمرات موقد الشواء، المصنوع هيكله من قطع القرميد ذات اللون الرماديّ الشاحب. تطرق الجنرال في البدء لموضوعٍ، رآه على طرافته جديراً بالذكر كونه أيضاً يخصّ المضيفَ بشكل من الأشكال: " هناك في المطار الدوليّ، أوقفوا شحنَ لوحاتٍ فنية إلى أمريكا، كانت تعود لملكية سيّدة سورية. أنتَ تعرفها، تلك السيّدة؛ سوسن خانم؟ هيه؟ حسناً! والشحنة، بحَسَب ما علمته شخصياً من أصدقاء في أمن المطار، تحتوي على لوحة لامرأة مغربية بوضعية عارية تماماً. ولقد ذكرت السيّدة هنالك للضابط، أنّ مَن رسمَ اللوحة هو زوجُ المرأة العارية ذاته، وفي التالي، يُنتفى أيّ شبهة لا أخلاقية وراء الموضوع ". ثم أوقف الضيفُ حديثه المتدفق كي يرشف من الشراب، قبل أن يتساءل غامزاً بعينه: " وأظنك أدركتَ أيضاً، مَن تكون امرأة اللوحة وزوجها؟ ". بقيَ المضيفُ صامتاً، ولو أن عينيه لم تغفلا ابتسامة السخرية على فم الرجل. ولقد تابع هذا سردَ الحكاية إلى خاتمتها، السعيدة: " على أيّ حال، أمكن مداراة الموضوع بنفحة من المال، وهكذا تابعت السيّدة طريقها إلى الصالة المخصصة للمسافرين ". ولم تكن الحكاية سوى مدخلاً لموضوع آخر، مثلما حدَسَ " سيامند " صائباً. فما لبثَ الجنرال أن رفع نظره عن قدحه ليتمعن في المضيف، قبل أن يبادر للقول بنبرة متكلفة عدم الاكتراث: " أرأيتَ يا صديقي، مبلغَ تأثير الفلوس في النفوس؟ "
" كأني بك تضمرُ معلومة ما، وتبغي مصارحتي بها؟ "، ردّ عليه المضيف مستفهماً بدَوره. كون سعادته، مثلما أدرك الآخر، في موقف قوّة على ما يلوح، فإنه لم يمسك عندئذٍ ضحكته المتهكّمة: " لديك فراسة حسنة، وعلى ذلك أدخلُ في الموضوع رأساً! لن أخفيكَ، أنني أبلغتُ من مصدر أمنيّ، مختلف عن الأول بالطبع، عن نشاطات غير مشروعة قمتَ أنت بها مؤخراً على أراضي المملكة مع علمك بمخالفتها للقانون. وسنفترضُ الآنَ، بمعونة من بعض المال، أنك كنتَ تجهل مخالفة القانون بُحكم اعتقادك أن ما فعلته كان من صميم التعبير عن الرأي! ". وإذ أحس " سيامند " بشيء من الراحة والطمأنينة على أثر سماعه الجملة الأخيرة، فإنه راحَ يفكّر بالموضوع الأول: " آه، كيف تنساق مقاديرنا جنباً لجنب أنا وأخي الراحل. فإنني سأكون قريباً في موسكو، وفي وقتٍ تستقر فيه لوحة امرأته في منزل مواطنتنا السورية الجديد، ثمة في أمريكا ".
كان إذاً يستعيدُ تلك الأحداث، التي حصلت في خلال هذا العام ذي الرقمين المتماثلين، الشبيهين بوضعية جنين توأم في رحم الأم.. يستعيدها، فيما خطوه يمضي متمهلاً، ودونما هدف، على دروب المدينة الحمراء. أشعل سيجاره، قبل أن يلقي نظرة على المكان، ليتأكّد من ثمّ أنه باتَ على مقربة من باب القصبة. هنا في هذا الحيّ العريق، في رياضٍ لا يملكه سوى سراة القوم من سلالات عالية المقام، ولدت حبيبته " زين " منذ ما يزيد عن الثلاثين عاماً. إن داخله ينطق مفردة الحب بارتعاش، متماهٍ بمشاعر تبكيت الذات وتأنيب الضمير.
" سأمضي إلى لاوند، مؤملاً أن أجده في المنزل، ولعله يستقبلني بالترحاب كما في كل مرة! "، كذلك خاطبَ داخله. وكان في حالةٍ أقرب للهذيان، بسبب ما تداعت في رأسه من أفكار مشوشة ومكدّرة على السواء. ربما لقاء شريكه السابق، بالوسع التخفيف من مشاعره المحبطة، وفوق ذلك، ينفحُ في روحه بعضاً من رائحة الحبيبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما