الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخدمة العسكرية بين التقديس وتأنيب الضمير - جدلية الاستنكاف الضميري objection conscientious

خالد الخالدي

2018 / 10 / 9
دراسات وابحاث قانونية


في عالمنا المتطور اليوم وفي ظل السرع الهائلة لتقدم حقوق الانسان على الصعيد الدولي وان كانت هناك فوارق على الصعيد المحلي للدول لايمكن تجاهلها او انكارها والتي بدورها وضعت لنا سلما واضحا من القبول والتطبيق لها على صعيد الانظمة والمجتمعات و التي جعلت من بعض الانظمة تقدم وتسخر كل مجهوداتها لدفع عجلتي التشريع والتنفيذ لهذه الحقوق التي ترتكز على تطلعات مجتمعاتها وتؤام الشرعة الدولية بشكل اساس بينما نجد على النقيض ان هناك تقاعسا واضحا واخفاقا كبيرا لدى دول اخرى توصف بانها بعيدة كل البعد عن الالتزام والوفاء والاحترام لتعهداتها على اقل تقدير امام المجتمعين المحلي والدولي .
وفي سياق متصل نشهد تطور المفاهيم الشامل وبغض النظر عن الية التطبيق لانها غالبا تورد العاملين في جدلية تطبيقها نتيجة لاختلاف طبيعة بناء المجتمعات والاسس القائمة عليها من جهة وقوانينها العرفية من جهة اخرى الا ان ذلك لايبرر عدم القبول بها كمفاهيم تدفع بأتجاه مزيد من التعزيز والادامة لحقوق الانسان بشكلها الطبيعي العام و واحد من هذه المفاهيم هو
الاستنكاف الضميري objection conscientious والذي يرتبط هنا بإداء الخدمة العسكرية واختصارا لكل التعريف و اجمالا نجد انه يمثل عدم رغبة المرء بأداء الخدمة العسكرية بدافع او واعز من الضمير . وهو ضمنا يعني الرفض او الاستنكاف عن اداء هذه الخدمة .
يعد الجندي الروماني ماكسميليانوس عام 295 م صاحب اول حادثة استنكاف ضميري حيث رفض اداء الخدمة العسكرية وعدها تتقاطع مع يؤمن به دينيا فتم اعدامه وليمنح فيما بعد لقب قديس .
من الضروري جدا الانتباه الى ان حق الافراد المنتمين الى اقليات بعدم اداء الخدمة العسكرية يختلف جذريا عن هذا المفهوم فالاقليات يعد القبول بعدم خدمة افرادها العسكرية هو احد اشكال الحماية لهم كما حدث لاقلية المينونايت الهولندية عام 1575 حين تم اعفائهم بشكل كامل بالاضافة الى ان الاستنكاف الضميري مرتبط بالبلدان التي تطبق التجنيد الاجباري للخدمة العسكرية لكن يعتبر اعتماد هذا المفهوم والبحث بالية لتطبيقه لجميع البلدان لكونه سيكون واقع حال فيما لو تم الدعوة الى النفير العام او تعرض بلد ما لخطر شديد كأن يكون احتلال او السيطرة من قبل قوة نظامية او غير نظامية على جزء من اراضيها وهذا ماتمت تجربته في السياق العراقي ابان هجوم ما يسمى تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام الارهابي المتطرف داعش حيث كان متوقعا بلحظة من اللحظات ان تكون هناك دعوة الى نفير عام .
ولعل ما حدث ابان الحرب العالمية الثانية من ايداع 16000 الف شخص في اوروبا و 4000 الالاف اخرين في الولايات المتحدة في السجون وهم ممن رفضوا اداء الخدمة العسكرية بداعي الضمير
حيث اتت غالبها بعدم رغبتهم بقتل انسان او التسبب بقتل انسان انطلاقا من الفكر والوجدان واطلق سراحهم بعد الحرب وتم تشريع قوانيين بهذا الخصوص لكي لاتتكرر هذه المأساة ، بالمقابل نجد ان روسيا اوجدت حلا عاجلا لهم من خلال تشريع قانون يتيح لهم العمل بالمستشفيات لخدمة الجرحى وتنازلت ايضا للبعض بمناقلتهم بين مستشفيات يقبع فيها جرحى للطرفين ارضاءا لهم واحتراما لما يؤمنون به .
مما تقدم نجد ان هناك جدلا قائما بذاته حول مفهوم الاستنكاف الضميري فما بين الواجب للافراد الذي يلقي عليهم مسؤولية الدفاع عن بلدانهم من خلال تأديتهم الخدمة العسكرية ومابين الممتنعين عن ادائها يبرز لنا تساؤل
هل الاستنكاف الضميري هو حق ؟
من المعروف والثابت ان كل حق من حقوق الانسان في القانون الدولي بشقيه يستند الى ما اوردته الشرعة الدولية والصكوك التكميلية او ماجاء باتفاقيات جنيف والمعاهدات الاخرى من حقوق بشكل مباشر مثل حق الحياة او ما يفسر على انها حقوق وهذا من المسلم به
عليه لو اردنا تكييف مفهوم الاستنكاف سنجده يستند الى المادة 18 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان و المادة 18 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية واللتان اجمالا تتحدثان عن حرية الفكر والوجدان والضمير ولكن لم يشر اليه نصا فالتكييف هنا يأتي على انه حق مشتق من تفسير المادتين اعلاه اكرر للاهمية حق مشتق من تغسير المادتين اعلاه هذا فيما يخص الصكوك الدولية
اما على المستوى الاقليمي نجد ان الاستنكاف الضميري ورد واضحا كحق في الاتفاقية الاوروبية المادة رقم 9 وايضا في ميثاق الاتحاد الاوروبي مادة 10 وورد ايضا في الاتفاقية الامريكية مادة 12
وورد نصا كحق في اتفاقية وحيدة غير مصادق عليها دوليا الا من قبل 7 دول فقط هي الاتفاقية الامريكية الايبيرية
هذه المواد هي ما تشكل السند القانوني لهذا الحق ولكن تبرز الاشكالية انه غير مذكور نصا في اهم مواضع القانون الدولي عليه فهو كما اسلفنا جاء تفسيرا على انه حق مشتق بالاعتماد على التعليق الاممي 22 لعام 1993 حيث ان اللجنة اعطت توصيفا وتكيفيا وتسبيبا بما معناه ان الحق بحرية الفكر والوجدان والدين من شأنه ان يضمن ان الاستنكاف الضميري هو حق لانه يستند الى (الالزام بالقوة بهدف القتل) هذا الالزام عد مساسا خطيرا بالمادة 18 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسيةالا ان التفسير دخل باشكالية انه يتقاطع مع المادة 8 ثالثا جيم ثانيا والتي تنص على
(( لاغراض هذه الفقرة لا يشمل تعبير السخرة أو العمل اللالزامي أية خدمة ذات طابع عسكري وكذلك البلدان التي تعترف بحق الاستنكاف الضميري عن الخدمة العسكرية .. أية خدمة قومية يفرضها القانون على المستنكفين ضميريا )) فجاء الرد نهائيا انه حق بحسب المادة 18 على ان يشرع به قانون للدولة التي تطبقه اولا وان يتم النظر اليه على انه حق واجب وان تتخذ الدول (( افضل الممارسات البديلة لتطبيق هذا الحق )) هذا التفسير النهائي بحد ذاته عاد مرة اخرى ليخلق جدلا واسعا بموضعين
من هو المستنكف ضميريا الذي ينطبق عليه هذا الحق ؟ وماهي الممارسات البديلة التي يمكن ان تطبق بظل الاختلاف الاقليمي للدول ؟
بالعودة الى التعليق الاممي العام بالرقم 22 لعام 1993 م نجد ان المشمول بهذا الحق بحسب الفقرة اولا من التعليق وبحسب نص الفقرة (( اولا -توجه النظر الى حق (( كل فرد )) في إبداء استنكاف ضميري من أداء الخدمة العسكرية (( كممارسة مشروعة )) للحق في حرية الفكر والوجدان والدين كما هو منصوص عليه في المادة 18 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان وفي المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية .
يتضح لنا الان ان من (( حق اي فرد )) مشمول بأداء الخدمة العسكرية له الحق الاستنكاف الضميري اذا كانت له دوافع بحسب المادة 18 من الاعلان والعهد .
وعلى هذا التوجه الاممي وانهاء جدل من يحق له برزت مشكلة الديانات التي تصنف ببعض الدول انها وثنية او الحادية او ارضية او غير معترف بها اي ما يخالف قوانيين دولة ما بخصوص الدين / الاديان ضمن نطاق ولايتها حيث ان غالب الدساتير على الاشمل توضح عادة الاديان التي تمثل مواطنيها وفق اعترافات رسمية على سبيل المثال وسبيل الذكر لا الحصر في جمهورية العراق الاسلامية والمسيحية و الصابئية و الايزيدية هنا تبرز مشكلة ماذا لو قدم مواطن من الديانة البهائية طلبا بممارسة حق الاستنكاف الضميري وديانته غير معترف بها مبدئيا وبعيدا عن الاستنكاف عدم الاعتراف بديانة هو انتهاك بحد ذاته عليه ما يبنى على باطل فهو باطل وهذا مبدأ قانوني واضح ولكن مع هذا تضمن التعليق 22 التوضيح التالي ((تحمي المادة 18 العقائد التوحيدية وغير التوحيدية والالحادية وكذلك الحق في عدم اعتناق أي دين أو عقيدة. وينبغي تفسير كلمتي ( دين وعقيدة ) تفسيراواسعًا والمادة 18 ليست مقصورة في تطبيقها على الديانات التقليدية أو على الاديان والعقائد ذات الخصلاسائص أو الشعائر الشبيهة بخصائص وشعائر الديانات التقليدية )) ومن خلال سياق هذا الجزء من التعليق يبان واضحا ان كل فرد له الحق بالاستنكاف الضميري وبحسب الشروط السابقة .
ومع ذلك فأن الامم المتحدة ولجانها تركت مرونة واضحة لانها على يقين انها لاتستطيع اجبار الجميع على العمل بهذا التعليق فاوجدت ما اسمته بالخدمة البديلة وتعني
اذا حصل شخص على الحق بالاستنكاف وقوبل طلبه بالموافقة فأن من حق الحكومة ان تفرض عليه خدمة بديلة غالبا ما تكون اما بالقكاع الصحي او الاجتماعي على سبيل الذكر لا الحصر الاعمال في المستشفيات مكافحة الادمان الحفاظ على البيئة التعليم والحفاظ على التراث ومع ذلك ظهر نمط خصوصا في الولايات المتحدة والمكسيك يطلب عدم حمل السلاح فقط وايضا تمت الاستجابة لهم وتم اشغالهم في مواقع عسكرية لاتتطلب منهم حمل او حيازة سلاح لكن المبدأ الاساس هو ان تكون خدمتهم مدنية بدل عسكرية مع جواز ان يتم الاشارة نصا على ارتباط هذه الخدمة بالخدمة العسكرية اي ان تكون طبيعتها مدنية لكن تبويبها عسكري تجدر الاشارة الى كلمة جواز اذ انها قد لاتطبق احيانا .
يبقى تجدر الاشارة ان من يخل بشروط الخدمة البديلة كعدم الالتزام بهاةلايستوجب اعادة النظر بكونه مستنكف ام لا لكن من الممكن اخضاعه لبعض الضوابط الانضباطية او التوجيهية الشكل مثل ما يحدث في النمسا حيث قد يتم نقله الى خارج النمسا لغرض اداء خدمته بالتعاون الانمائي .
هذا ويبقى حق الاستنكاف الضميري اولا واخرا مرهون بمدى استجابة الحكومات الجادة لتطبيق مواد وفقرات الشرعة الدولية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب الجامعة الأمريكية في القاهرة يتظاهرون بأسلوبهم لدعم غزة


.. إعلام فرنسي: اعتقال مقتحم القنصلية الإيرانية في باريس




.. إعلام فرنسي: اعتقال الرجل المتحصن داخل القنصلية الإيرانية في


.. فيتو أميركي ضد مشروع قرار منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في




.. بن غفير: عقوبة الإعدام للمخربين هي الحل الأمثل لمشكلة اكتظاظ