الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءات في كتاب : جواب عن سؤال: ما السلفية؟ لعزمي بشارة (قراءة في الفصل الأول)

كمال طيرشي

2018 / 10 / 9
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


صدر مؤخراً عن المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات، كتاب نقدي هام للمفكر العربي عزمي بشارة، و حمل عنواناً مثيراً متيمناً في ذلك بالكتابات الفلسفية التي سادت في الأزمنة الحداثية للفلسفة الأوروبية، و بدرجة خاصة بالفيلسوف الألماني عيمانويل كانط الذي سبق له أن كتب مقالاً هاماً نشره في دورية برلين الشهرية كإجابة على رجل دين كان مبتغاه استفزاز المدافعين عن الأنوار في اعتقادهم السطحي وفق منظوره بأن عموم الجمهور يفهم نصوصهم، وكان عنوان المقال: جواب عن سؤال: ماذا يعني التنوير؟، لكن كتاب المفكر بشارة جاء بعنوان: جواب عن سؤال: ما السلفية؟، و ربما يعود السبب الذي سلك بعزمي بشارة إلى كتابة هذا الكتاب قد تشابه بالعلة التي دفعت كانط إلى كتابة مقال: ? Was ist Aufklärung، و التي تتلخص مجملها في طبيعة المناخ الفكري الذي كان سائداً في ألمانيا آنذاك و العقلية الأوروبية عموماً، و التي تشابه إلى حد كبير ماهو حاصل في عقلية العالم العربي و الإسلامي المعاصر، لكن بشارة يجيبنا بحصافة في بداية الفصل الأول من الكتاب عن العلة التي نهجت به إلى كتابة هذا الكتاب قائلا:" أن مصطلح السلفية أكثر إثارة للأسئلة النقدية مما يوحيه الاستعمال الشائع له اليوم، وهو ما ألخصه في إعادة طرح سؤال: ما السلفية؟، قد يبدو هذا السؤال بسيطاً، لكن التعمق فيه و تفكيكه مازالا مفيدين بسبب انتشار استخدام المصطلح من دون تدقيق، و الفهم التبسيطي الاختزال له، و هذا هو بالتحديد الهدف من معاودة طرحه نقدياً ( ص 09).

كما أن مصطلح السلفية أصبح مصطلحاً متداولاً و بصورة كبيرة عند الكثير من الناس، كما صار موضوع راهني خصوصاً بعد صعود تنظيم الدولة (داعش)، مثلما حصل في مرحلة صعود القاعدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، و تشعباتها في كل من اليمن و الجزائر، و يستحضر بشارة ما تم تداوله من طرف رجالات السياسة و الإعلام في الغرب حيث يعمدون إلى دراسة و بحث مسألة هذه التنظيمات السياسية الإسلامية عن معنى السلفية و الإسلام السياسي بل الإسلام كديانة برمتها، و ينقم بشارة على هؤلاء عدم تأنيهم في التفكير و النظر و الإمعان و لو لهنيهة في كون أنه من غير الممكن بتاتاً استخلاص تنظيم الدولة (داعش) من الإسلام ب(أل) التعريف إلا إذا عمدنا إلى اسقاط قبل ذلك تمثلاتنا و رؤانا على وقائع و تواريخ مختلفة وجمعنا تصوراتنا الاستجماعية هذه تحت تسمية الإسلام ( ص10).

و يؤكد عزمي بشارة أن تيار السلفية لم يتخذ في الإرهاصات الأولانية لتبلوره هذا النعت أو التوصيف بل لحق في السجلات التي تنتمي إلى الحنابلة و طبقاتهم المبكرة في القرنين الرابع و الخامس للميلاد، حيث اعتمد لفظ: أهل الأثر أكثر من اعتماد لفظ السلفية ومن هذا المنطوق نُعت الحنابلة الذين شٌدد على التعالق بينهم و بين اللفظ (أهل الأثر)، من حيث يقصدون بهم مناصري و أتباع السلف الصالح بدءاً من الرسول محمد (ص) و صحابته و التابعين و تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ( ص 11) ، ومن منطوق أن هذا الوصف يجعلهم في مقام السابقون الأولون إلى توحيد الله و تصديق رسول الله و حمل الدين و تحمل المشاق من أجله.

ثم يأخذ بنا بشارة بعد ذلك إلى قراءة المنحى الأركيولوجي الذي يكون في غالبه مغاير و أحياناً أخرى مناقض للترسيمات عنه و من هذا القبيل الارتطام بين تاريخ السلفية و تاريخ نشوء مفهومها و مصطلحها و تطورها و ترسيماتها المنتجة و المستهلكة اليوم على نطاق واسع حتى في الكتابات الأكاديمية المعتبرة، و بدرجة خاصة الدراسات الشرق أوسطية المعاصرة التي تغاضت و تركت المنهج الأركيولوجي التاريخي في دراستها للمؤلفات الإسلامية العتيقة و الذي تأسست عليه أبحاث و دراسات المستشرقين ( ص 12)، و لعل هذا ما جعل بشارة يتهكم من الدراسات الاستشراقية عموماً بحكم أنها مقبوعة ابستمولوجياً داخل إطار التصور النمطي (تبني ثنائية شرق/غرب) المجبولة على النزعة العرقية و التقسيمات على أساس الجغرافيا في مجملها، إلا أنه ومع ذلك يشيد بشارة ببعض الأعمال الاستشراقية التي كتبت عن الإسلام و التي جمعت مستشرقين كبار و لعل بشارة يقصد ههنا المستشرق هنري كوربان الذي كان يعرف اللغة العربية أكثر من معرفة بعض نقاد الإستشراق.

يعتبر عزمي بشارة بأن تاريخية مفهوم السلفية ليس من السهولة بمكان حذقه، بل هو أشد تعقيداً و تشابكاً مماهو عليه في الفهم العامي الشائع، و لهذا نجده يضطر إلى مناقشة هذا المفهوم بطريقة موضوعية يفتح معها باب الحديث عن سلفيات متباينة حتى الأزمنة المعاصرة ، فنحن أمام سلفيات و ليس سلفية واحدة (سلفية إصلاحية، سلفية دعوية، سلفية جهادية، سلفية علمية، سنية ، شيعية إلى غير ذلك من السلفيات)، و يطرح بشارة في الفصل الأول من كتابه سؤالاً مركزياً مفاده: هل السلفية مرحلة زمنية مباركة على حد توصيف العالم السوري رمضان البوطي و ليست مذهباً إسلامياً؟، أم أنها في حقانية الأمر مذهب فقهي و اعتقادي في الآن عينه؟،أم هي عبارة عن مذهب إعتقادي فقط؟، أم هي نزعة موجودة في شتى ضروب المذهبية الإسلامية حنبلية و غير حنبلية ؟ (ص 16).

هذه التساؤلات الكثيرة يعتبرها بشارة بمثابة اللبنة الأساسية لفهم تواشجية العلاقة بين السلفية و السلفية الوهابية، فمصطلح السلفية في الأصل ووفقاً للفهوم العامة المتداولة ماهي إلا احتكام للمحجة البيضاء التي كون ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ( كتاب الله و سنة نبيه محمد)، و السير على نهج السلف الصالح من الصحابة و التابعين و تابعيهم إلى يوم الدينونة ، لكن السلفية وفق مدلولها المعاصر لا تدخل غمار هذا التدقيق جملةً، و ربما تنظر إليه من باب فضول القول، وتحبذ التوصيفات العامة: مثل قال السلف، و هذا منهج السلف إلى غيرها من النعوت و التوصيفات( ص 18). كما أن مصطلح السلفية يروج له في الدراسات العربية وكذا السوق البحثية لدراسات الإسلام على أنه يخص طريقة تدين متزمت في الجزيرة العربية، لكن هذا الضرب من التدين ليس حكراً على الجزيرة العربية، بل يشمل كذلك المجتمع الشيعي (ص 20).

لهذا يعتقد عزمي بشارة أن مصطلح السلفية كان مصطلحاً مدثراً لأنه استعمل مرات للبرهنة على التزام المحافظة و النكوص بمحنى السلف، و طوراً آخر للبرهنة على الحفاظ على الهوية، بالرغم من قبول قيم التقدم و الحرية و العصرنة، و بدرجة خاصة حين استرجعت السلفية و أعيد بعثها في حالة الإصلاح الديني الحديث في العالم الإسلامي كدعوة للرجوع إلى الأصل المؤسس المتخيل الذي ينأى عن كل شوائب و أدران الإبتداع ، و هذا النط لم يكن حكراً على الإسلام وحده بل نجد ما يقابله في الديانة المسيحية ( ص 21). كما أكد بشارة بأن حركة الإصلاح الديني ماهي في الحقيقة إلا حركة سلفية تحث و تنهج مسلكها بمنحى المراوحة و يشكل دياليكتيكي بين حماية الإسلام من صخب التقدم الصارخ، و بين التواشج مع روح التقدم الراهن و تغيير الناس ما يكمن في ذواتهم لكي يغيرهم الله، لقوله تعالى:"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، و إذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له و ماله من دونه من وال" (الرعد:11)، فإذا كان الناس على طاعة و استقامة ثم غيروا إلى المعاصي و المنكرات، غير الله حالهم من الطمأنينة و السعادة إلى غير ذلك، وكذلك قولته تعالى:"ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"(الأنفال: 53)، كما أن الإصلاح الإسلامي المديني بروتستانتي بنوع ما، فهو دعوة إلى العمل و الإصلاح حتى يساعد الله و الإسلام من يساعد نفسه ، وحتى يعم العدل و الانصاف فيتحقق شرع الله، أما الوهابية فبدأت كحركة بيوريتانية أو بالأحرى تطهرية أو طهرانية وهو معتقد بروتستانتي ظهر في بريطانيا في عهد المكلة إليزابيث الأولى و ازدهر في القرنين السادس عشر و السابع عشر و نادى بإلغاء الرتب الكهنوتية وهو على حد توصيف بشارة فقد بدأت حركة الوهابية كحركة طهرانية نجدية معادية للحداثة وهو ما مثله جماعة الإخوان النجديين ( ص27).

و بهذا تكون السلفية وفق المنطوق الإصلاحي التقليدي عودة إلى السلف ليس من حيث العودة إلى نصوص أو قضايا محددة، بل أيضاً إلى روح السلف، بانفتاحهم و جهوزيتهم للتطور و الاجتهاد ( ص 27)، و السلفيون عموماً على اختلاف مشاربهم و توجهاتهم يميلون للعودة إلى القرآن و السنة، وحقيقة الأمر أنهم لا يعودون إلى المكان عينه، بل إلى متخيلات للماضي و للسلف مختلفة تماماً، و إن كانوا يستعملون النصوص ذاتها في رسمهم و تصورهم لأتباعهم، بالإضافة إلى ذلك لا يمكن أن نعتبر السلفية العامة وفق توصيف عزمي بشارة المتمثلة في العودة إلى القرآن و السنة نمط تدين قائم بذاته، بل ينتشر التفكير السلفي عينه في ضروب التدين الشعبي فتكون نتيجة التفاعل بينه و بين كل نمط منها مختلفة في كل حالة ( ص 32). كما و يؤكد بشارة في هذا الفصل على أن التيارات السلفية إجمالاً ترفض العلمانية، لأنها بذلك تضع التشريعات البشرية وفق الشرعة الربانية و مصادر العقيدة عند السلفية هي كتاب الله و سنة رسوله و اجماع السلف الصالح( ص 98).

تجمع التيارات السلفية على رفض التعددية، و تعدها فٌرقة و ليس ذلك لأنها تؤيد الوحدة عموماً، بل لأنها تؤيد الوحدة في ظل حكم مبادئ الشريعة كما تراها هي ( ص 49)، هذا و ينسب السلفيون ظهور البدع إلى اختلاط الإسلام عند توسعه بالثقافات المحلية في البلدان المفتوحة، و لاسيما تلك التي توفرت على عمق حضاري و تقاليد دينية شعبية راسخة ( ص 50). و المثير في الفصل الأول من كتاب بشارة هو استرساله العميق و الثائب في مناقشة أفكار محمد رشيد رضا باعتباره أحد أهم من مثل السلفية المعاصرة، بالإضافة إلى محمد عبده و جمال الدين الأفغاني و محمد بن عبد الواهاب لينحو بعدها إلى أحمد بن حنبل وصولاً إلى داعش، ليقف في نهاية الفصل الأول من الكتاب على دراسة دياليكتيك العقل و النقل عند المعتزلة و ابن تيمية إذ يقول:" ثمة عودة إصلاحية إلى السلف تتزود من المعتزلة و تنهل من المتكلمين الأشاعرة و غيرهم، و هذه هي السلفية التي غابت أو غُيبت بين الموقف الموتور في تغربه و عدائه للموروث الثقافي، و بين الموتور في تبني السلفية دعوة رجعية تتعارض و التجديد و التحديث، و تعد حتى النطق بكلمة ديمقراطية انزلاقاً إلى البدعة و الهرطقة يقود إلى الكفر البواح، و لكن المقصود عموماً بالسلفية في التفسير هو ما يتكرر على نمط ابن حنبل ضد الجهمية و يتكرر عند ابن تيمية." (ص 57).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غارة إسرائيلية تقتل 3 عناصر من -حزب الله- في جنوب لبنان


.. عملية -نور شمس-.. إسرائيل تعلن قتل 10 فلسطينيين




.. تباعد في المفاوضات.. مفاوضات «هدنة غزة» إلى «مصير مجهول»


.. رفح تترقب الاجتياح البري.. -أين المفر؟-




.. قصف الاحتلال منزلا في حي السلام شرق رفح