الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رأي في إدراج مصطلحات عامية في المقررات الدراسية المغربية

محمد مسافير

2018 / 10 / 9
التربية والتعليم والبحث العلمي


كان صديقي يخبرني دائما أن الديمقراطية لا تصلح أبدا لشعب من الرعاع والمتخلفين، سبارتاكوس نفسه حين كان يحرض العبيد ضد أسيادهم لأجل تحررهم كانوا أول المهاجمين، النساء أيضا في وطني هن أكبر عائق ضد تحررهن، فالمحافظون إذن هم أكبر المستفيدين من الديمقراطية... لذا، لا يجب استفتاء الشعب في موضوع الحق والحرية!
وقد صدق فعلا الحبيب بورقيبة حين قال: سأفرض حرية المرأة وحقوقها بقوة القانون، ولن أنتظر ديمقراطية شعب من المنخدعين بالثقافة الذكورية باسم الدين!
من طبيعة الإنسان أن يخشى التغيير، لا يطلب إلا البقاء على حاله وإن كان لا ينعم فيه إلا بالقليل من الزاد والأمان، لكن التغيير شبح يرعبه، خاصة وأنه لا يعرف عواقبه، إنه أكثر رعبا من الموت نفسه!
لو أننا استفتينا قبل قرن أيا من الشعوب المتقدمة حاليا في مسألة المساواة أو الحريات الفردية لوقفت الغالبية العظمى ضدها، لكن كل هذه الشعوب حاليا لن تكون مستعدة أبدا للرجوع خطوة واحدة إلى الخلف، لأنها تذوقت طعم الحرية والتقدم...
خرج حزب الإستقلال اليوم إلى العلن، منددا بهجوم الدولة على اللغة العربية، وكذلك حال الجامعة الوطنية لموظفي التعليم، انتقدوا جميعا مسألة حشو المقرر بمصطلحات عامية، واعتبروا ذلك هجوما على اللغة العربية... لكن حجم هذا الغضب، لم يسبق له أن أنفق ضد الهجوم على التعليم، وكأن اللغة العربية في منطقهم أهم من المدرسة العمومية!
كل سنة يتم إغلاق المئات من المدارس العمومية، كان آخرها ما وقع ببني ملال... دون الحديث عن مخططات الدولة في إلغاء مجانية التعليم الثانوي التأهيلي والجامعي... أي الموضوعين يستحق معارضة فعلية؟
أما الموضوع الذي استنفرت له النخب جهودها فلم يكن له معنى أصلا، بل إن ما تضمنته هذه الكتب ليس إلا قليلا من المطلوب، فإدراج كلمات عامية ليس لها مقابل في الفصحى أمر مقبول و ضروري في جميع اللغات، وإلا فسوف تبقى اللغة أسيرة عصر الرماح والبعير وأبوالها، لكننا في عصر الأنترنيت، وهي كلمة دخيلة، والتكنولوجيا، وهي أيضا كذلك...
اقتدوا بدول الغرب مرة أخرى، عُدُّوهم واحدة واحدة، أي من الدول المتقدمة تدرس العلوم بغير لغتها الأم، إسرائيل نفسها، الرائدة في الأبحاث العلمية، تدرس العلوم بالعبرية، باللغة الأم، لأن الهدف في آخر المطاف، هو فهم الميكانيك والطبيعة والإنسان والتفاعلات، ولن يستقيم فهمها إلا إن تعلمناها باللغة الأم...
ونحن، قبلنا أو رفضنا، فلغتنا الأم هي الدارجة بأنواعها، أو الأمازيغية بأنواعها، وعلى الدولة أن تطور المناهج وفقا للخصوصيات اللغوية والثقافية المحلية، ضمن مشاريع الجهوية المتقدمة، إن أرادت خيرا لهذه البلاد...
أما المنتقدون بغير وعي، فضجيجهم سيبتلعه النسيان، والبقاء للأصلح!
تخيل لو أن المتنبي والجاحظ وسيبويه... حاضرون بيننا اليوم، ثم أخذوا في تصفح مقالات جرائدنا أو صفحات الكتب التي تصدر حديثا، كيف سيكون رد فعلهم تجاه اللغة، أكيد سيكون موقفهم واضحا، ركاكة لغوية وتعبيرية ومصطلحات دخيلة... لن يرتاحوا أبدا لهذه اللغة، لأنها لا تشبههم في شيء...
عند هذا المستوى من النقاش، تكف اللغة عن أن تكون أداة للتواصل، لتتحول إلى هدف في حد ذاته، إلى تقديس اللغة وربطها بنموذج ميت لا صلة له بالواقع المعاش، ميت منذ عصور، عندها نحصر اللغة العربية في ما كُتب في القرآن أو في أشعار امرؤ القيس... وكأننا نعتبر اللغة توقفت في تطورها عند ذاك الزمن، وواجبنا أن ندرس جيدا طريقة استعمالهم لها وانتقاءهم للمصطلحات، ثم المحاكاة...
بالله عليكم، كيف تريدونهم أن يسموا البغرير، رغيف مثقوب مثلا، إن قريشا لم تكن تعرف بغريرا ولا بطبوطا ولا ملويا، كما لا تعرف الأناناس أو الكيوي أو الفايسبوك، فلماذا إذن كل هذا اللغط...
يجب على اللغة أن تقترب من الواقع كيفما أمكن حتى لا تفقد معنى وجودها، وإلا فما فائدة أن ندرس للتلاميذ تعابير لن يستعملوها إطلاقا في حياتهم كالجعسوس والإهلاس والعفنجج...
التحرر من قيود اللغة، ومحاولة تطويعها وتنزيلها إلى أرض الواقع هي أولى مراحل إصلاح منظومة التعليم، كما تحرر الشعر الحديث من قيود الأعمدة، يجب أن نواصل مسيرة التحرر اللغوي على مستوى المصطلحات، فلا قداسة للغة، لأن الإنسان هو من أوجدها وليست هي من أوجدته، نحتاجها للتواصل وللتدوين ولفهم المحيط، وليس لتأليف المعلقات...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة