الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو دولة عالمية رأسمالية معادية للإنسانية

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2018 / 10 / 10
العولمة وتطورات العالم المعاصر


نحو دولة عالمية رأسمالية معادية للإنسانية

البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-


دخلت الرأسمالية مرحلة العولمة بشكل جزئي أثناء المرحلة الاستعمارية، وأخذت بعدا عالميا أكبر بالظهور القوي للشركات المتعددة الجنسيات، فأصبح الرأسمالي لا وطن له، بل نجد شركة واحدة كبرى لها رأسها في واشنطن وفروع لها في كثير من مناطق العالم، بل نجد اليوم منتوجا واحدا تنتج أجزاءه في العديد من مناطق العالم، وقد أصبحت للشركات المتعددة الجنسيات دورا كبيرا في الاقتصاد العالمي بعد الحرب العالمية الثانية وظهور مشروع مارشال في 1947، الذي استهدفت الولايات المتحدة الأمريكية منه ظاهريا إعادة تعمير أوروبا واليابان التي دمرتها الحرب، لكنه في حقيقة الأمر هي وسيلة أمريكية للسيطرة الفعلية على الاقتصاد العالمي، فمثلما كانت إنجلترا تدعو في القرن التاسع عشر إلى حرية التجارة، فإن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت تدعو إلى حرية الاستثمار.
إن البروز القوي للشركات المتعددة الجنسيات الأمريكية كان وراء خروج الولايات المتحدة الأمريكية من عزلتها وتخليها عن مبدأ مونرو، ويمكن لنا القول بأن ذلك الخروج هو تطوير وتوسيع لمبدأ مونرو الذي ظهر في بدايات القرن 19م، والذي كان ضد أي تدخل أوروبي في القارة الأمريكية رافعا شعار "أوروبا للأوروبيين وأمريكا للأمريكيين"، بمعنى أن القارة الأمريكية هي المجال الحيوي للولايات المتحدة الأمريكية فهي سوقها ومورد المواد الأولية ومناطق استثماراتها.
لكن بعد الحرب العالمية الثانية فرض التوسع الاقتصادي الأمريكي من خلال شركاتها المتعددة الجنسيات ضرورة توسيع مبدأ مونرو، فظهر مبدأ ترومان في عام 1947، والذي معناه حق الولايات المتحدة الأمريكية في الدفاع عن العالم الحر أي العالم الرأسمالي ضد أي خطر يهدده، ومنه الخطر الشيوعي، فقد تطور ذلك إلى ما يسمى بالنظام العالمي الجديد بعد الحرب الثلاثينية على العراق في 1991، والذي يعطي الحق للولايات المتحدة الأمريكية التدخل في أي منطقة في العالم في حالة تهديد مصالحها أو مصالح المركز الرأسمالي، فيمكن لنا القول أن هذه الدولة أصبحت أداة للدفاع عن مصالح الطبقة البرجوازية العالمية، ولعل القارئ يتساءل: ماذا نقصد بالبرجوازية العالمية؟.
انتهت في عالم اليوم البرجوازية الوطنية المتمركزة حول الذات والمتصارعة مع البرجوازيات الوطنية الأخرى، فالطبقة البرجوازية أصبحت عالمية مترابطة المصالح، مادامت الشركات المتعددة الجنسيات الكبرى هي المسيطرة، ويتحكم في الشركة الواحدة أناس من جنسيات وقوميات مختلفة، ولهذا فإن البرجوازية العالمية ستعمل جاهدة على توحيد العالم وتشكيل دولة عالمية واحدة بكل الوسائل مثلما ساهمت البرجوازية الوطنية في تكوين أو تقوية الدولة القومية في القرن 19م، وما يساعد هذه الطبقة العالمية اليوم هو تداخل المشاكل الدولية كتلوث البيئة والتغيرات المناخية والإرهاب والأسلحة النووية وخطورة انتشارها... وغيرها من المشاكل، فكل هذا يستدعي في نظرها إقامة حكومة عالمية تدير شؤون العالم، لكن هذه الدولة ستكون في خدمة هذه الطبقة مثلما كانت الدولة القومية في خدمة البرجوازية الوطنية أثناء القرن التاسع عشر، فيستمر بذلك الاستغلال وسلب فقراء العالم عرقهم وحقوقهم باسم القانون والشرعية، فأية محاولة لهؤلاء للثورة على هذا النظام العالمي الاستغلالي المجحف، فإنه يفسر من طرف البرجوازية العالمية السائدة بأنه تهديد للسلم العالمي واعتداء ضد الشرعية الدولية والقانون الذي وضعه الأقوياء على حساب الضعفاء.
ولإقامة هذه الدولة الرأسمالية العالمية لا بد من القضاء على كل الثقافات والحضارات، بل إمكانية إبادة الشعوب التي ترفض الخضوع، وبعبارة بسيطة فإن هذه الطبقة البرجوازية العالمية يمكن أن تكرر ما فعلته البرجوازية الوطنية وبعض الطبقات الحاكمة في الماضي من عنف ومحو الثقافات لتضع مكانها الثقافة الرأسمالية.
إن إبادة مختلف الثقافات والشعوب يمكن أن لا يحدث بشكل مباشر، بل يستعمل الضغط، حيث ستهدد الثقافة الرأسمالية الغربية هويات الشعوب، فتدفعها إلى الإنغلاق على ذاتها لحماية هذه الهويات، مما يؤدي إلى بروز قوي على الصعيد المحلي للمشاكل اللغوية والعرقية والدينية والطائفية والقبلية...وغيرها، فتظهر صراعات وحروب أهلية لغوية أو قبلية أو عرقية أو دينية داخل بلدان العالم الثالث، فتضعف وتندحر هذه الدول من جراء التقاتل الذي تغذيه القوى الرأسمالية بهدف تصريف إنتاجها العسكري، وبهذا الشكل تصبح هذه الدول المنهارة سهلة للإندماج في الدولة العالمية الرأسمالية الجديدة التي بدأت في التشكل منذ سنوات، لأن ما نلاحظه اليوم من تكتلات المركز الرأسمالي وتفتت الأطراف هي من طبيعة وسمات توسع النظام الرأسمالي، وقد حدث هذا في أوروبا في القرن 19م .
فلقد كان الصراع القومي بين مختلف الدول الأوروبية في القرن التاسع عشر يختفي وراءه الصراع الاقتصادي بين مختلف البرجوازيات الوطنية لهذه الدول، لكننا يمكن أن نلاحظ أن البرجوازيات القوية في أوروبا كانت تسعى دائما إلى توسيع أسواقها فتشكلت الدول القومية التي لم تتشكل بعد كألمانيا وإيطاليا، أما الدول التي تشكلت حولت قوميتها إلى قومية عدوانية لنفس الأهداف الاقتصادية مما أدى إلى الاستعمار والحروب.
أما البرجوازيات الضعيفة داخل الإمبراطوريات التقليدية كالدولة العثمانية وروسيا القيصرية والإمبراطورية النمسوية –المجرية، فقد عجزت بسبب هذا الضعف عن الحفاظ على هذه الإمبراطوريات وتحويلها إلى دول قومية موحدة، ومنيت سياسات التتريك في الدولة العثمانية والترويس في الإمبراطورية الروسية بفشل ذريع، وهذا الفشل لا يعود فقط إلى ضعف هذه البرجوازيات، بل إلى عدم قدرتها على مواجهة البرجوازيات القوية في الدول الأوروبية الأخرى، والتي استخدمت فكرة القومية نفسها لتحطيم هذه الإمبراطوريات وتفكيكها إلى دويلات صغيرة غير قادرة على تنمية صناعاتها، فتضطر إلى فتح أسواقها للإنتاج الصناعي للدول الأوروبية القوية، وإذا كان مصير مختلف هذه الإمبراطوريات التفكك وما صاحبه من ضعف، فإن روسيا نجت من ذلك بسبب استيلاء طبقة أخرى أكثر قوة وأكثر اتساعا على السلطة بعد الثورة البلشفية عام 1917م، وتتمثل في تحالف العمال والفلاحين، وقد أغلقت هذه الطبقة الحاكمة الجديدة الباب في وجه التوسع الرأسمالي، فتمكنت من الحفاظ على وحدة الإمبراطورية الروسية لمدة 70 سنة تحت فكرة الشيوعية المناهضة للرأسمالية ولفكرة القومية.
ولهذا يمكن لنا القول أن للتوسع الرأسمالي سمة أخرى جديرة بأخذها في الحسبان، وهي أنه كلما توسعت ازداد مركزها القوي في التكتل مقابل تفتت الأطراف الضعيفة التي تتحكم فيها برجوازيات ضعيفة تابعة للبرجوازيات القوية في المركز، وهذا ما يفسر لنا اليوم تكتل أوروبا وأمريكا الشمالية مقابل تفتت دول عالم الجنوب التي رضخت لفكرة عولمة الرأسمالية.
وقد بدأت تتجلى هذه الدولة العالمية الرأسمالية اليوم بمؤسساتها كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي، وهيئة الأمم المتحدة التي تحولت إلى أداة في يد الأقوياء ضد الضعفاء، وهذا ليس معناه أننا ضد دولة عالمية لكننا ضد دولة رأسمالية عالمية تكون أجهزتها ومؤسساتها في خدمة أقلية استغلالية لا تتجاوز 15% من سكان العالم، ونلاحظ اليوم أن هذه الرأسمالية مرتبطة بممارسات لاأخلاقية تتمثل في الفردية والمادية والاستغلال واللصوصية والنهب والقتل والتدمير بهدف إرضاء إله جديد هو الدولار أو الأورو، إن دولة بهذا الشكل كارثة ودمار لأنها ليست في خدمة الإنسانية جمعاء بل هي قتل لروح الإنسان وإبادة للجنس البشري وإهانة له، وكل هذا يطرح علينا اليوم مسألة التفكير في كيفية إنقاذ الإنسانية من الهلاك والدمار على يد وحش اسمه الرأسمالية، وإقامة نظام عالمي بديل أكثر عدلا وإنصافا وفي خدمة الإنسانية جمعاء وتضع كرامة الإنسان فوق كل اعتبار.


البروفسور رابح لونيسي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: مقتل مسؤول في منظومة الدفاع الجوي لحزب الله بغارة إسر


.. قبيل عيد الفصح.. إسرائيل بحالة تأهب قصوى على جميع الجبهات| #




.. مؤتمر صحفي لوزيري خارجية مصر وإيرلندا| #عاجل


.. محمود يزبك: نتنياهو يفهم بأن إنهاء الحرب بشروط حماس فشل شخصي




.. لقاء الأسير المحرر مفيد العباسي بطفله وعائلته ببلدة سلوان جن