الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليابان تتقدم نحو الساعة ٢٤

مظهر محمد صالح

2018 / 10 / 10
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ليابان تتقدم نحو الساعة٢٤

مظهر محمد صالح

في العام 1867 اعتلى عرش اليابان الامبراطور ميجي، مبتدئاً عصراً جديداً من الحداثة والتقدم والنماء، سمي بعصر الميجي الذي كان شعاره (بلاد غنية.. وجيش قوي).
تفوّه الامبراطور ببضع كلمات أمام حاشيته وهو يلتهم في نفسه أجمل أسرار الحياة حول مستقبل اليابان المزدهر لينطلق لسانه مردداً: إن الدولة اليابانية معبد الله على الأرض، فيها تستقر مكانتنا في الدنيا والآخرة.
وبهذه الكلمات استمد الامبراطور من طواياه القوة والشجاعة والتفاني من أجل الأمة اليابانية، متخذاً من نظامه الجديد خطوات إصلاحية واسعة غيّرت مذاق الدنيا في هذه البلاد، يومها خضعت الاقطاعيات الزراعية كافة لقوة الدولة وأصبحت جزءاً لايتجزأ من أراضي الامبراطور، وصار بمقدور أي فرد حرية العمل حيثما يشاء، وأمسى الفلاحون حائزين حقاً لأراضيهم الزراعية في ظل نظام جديد يضمن لهم حق التصرف بالأراضي وان حيازتها باتت حقاً للجميع.
كما حلت ضريبة الأرض التي أخذ تحصيلها يجري لمصلحة الحكومة الوطنية بديلاً للمدفوعات الاقطاعية او التي كان الاقطاعيون السابقون يحصلون عليها من الفلاحين، ما جعل غالبية الإيرادات الحكومية تأتي من ضريبة الأرض في السنوات الممتدة بين الاعوام 1870 الى 1879 ميلادية.
أما على الصعيد العسكري، فقد حل التجنيد الإجباري محل قوات الساموراي (وهي القوات التي كانت تحتكر لنفسها حمل السلاح وقوامها وقت ذاك أقل من مليوني مقاتل، إذ جرى تسريحهم بعد تعويضهم بسندات الحكومة اليابانية). كما اُدخلت العقيدة الأوروبية في التسليح والإعداد والتدريب على الجيش الياباني الجديد.
ويلحظ ان اليابان اعتمدت أول دستور مكتوب لها في العام 1890 ميلادية والذي تبنى الملكية وعلى وفق النمط البروسي (الألماني) السائد في ذلك الوقت. وعلى الرغم من روح الحداثة التي اعتمدتها اليابان في عصر (الميجي) لكنها واجهت مشكلة طريفة وحساسة في الوقت نفسه تتعلق بقياس الوقت أو الزمن. إذ كانت الساعة اليابانية التقليدية تقسم الوقت الى مجموعتين: الأولى، قوامها ست ساعات وتبدأ من شروق الشمس حتى مغيبها، أما الأخرى، فتبتدأ من غروب الشمس حتى شروقها وتتألف من ست ساعات ايضاً!. وبناءً على ذلك، أضحت ساعات الليل والنهار تختلف عن العالم في مدتها. كما أن مدة الوقت تختلف على مدار العام ايضاً، الأمر الذي وضع اليابان في سلسلة زمنية وتوقيتات أشبه ما باللغز في تفسير الزمن!.
انتهت اليابان في العام 1873 ميلادية من بناء أول شبكة للنقل بالسكك الحديد، حيث واجهت حكومة الميجي مشكلة إطلاق جداول مواعيد وصول ومغادرة قطاراتها في توقيتات غريبة شديدة التبدل على مدار السنة!!. وعليه، قررت الحكومة اليابانية إلغاء نظام التوقيت الياباني التقليدي ليحل محله نظام التوقيت الغربي القائم على أن اليوم الواحد يساوي 24 ساعة. إذ علت الساعة اللاتينية محطة قطارات طوكيو للمرة الأولى في التاريخ الزمني لهذه البلاد.
حالفني الحظ قبل سنوات بالوقوف أمام صخرة وضعت في مكان عام وسط العاصمة اليابانية طوكيو في محلة تسمى (نوهان باشي) أي (قرص الشمس) حين أخبرني الدليل السياحي بأن تلك الصخرة تحمل إشارة مفادها بأن الوقت يعد صفراً في هذا الموقع الجغرافي من الأرض، ليأخذ بعدها الزمن مداه في التقدم او التباطؤ بين غرب الأرض وشرقها. وهي تماثل من حيث المبدأ موقع غرنتش في لندن من حيث تصفير الوقت بين شرق العالم وغربه.
ختاماً، أدركت أن شعار اليابان (أمة غنية وجيش قوي) في القرن التاسع عشر الميلادي، استلزم التقدم في زمن غير محنط وقطار سريع لا يغفل الوقت وهو يطارد المستقبل لبلوغ الساعة 24!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة