الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العراق خلال العهد العثماني الأخير ( 1831- 1914 )

سعد سوسه

2018 / 10 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


خضع العراق لسيطرة الدولة العثمانية لمدة قاربت الأربعة قرون ، وتميز حكم الولاة العثمانيين الذين تولوا إدارة العراق بالتخلف وإهمال الإصلاحات في مختلف ميادين الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية طوال سنوات حكمهم باستثناء قلة من الولاة المصلحين من أمثال ( مدحت باشا ) مدحت باشا : ولد في مدينة اسطنبول ( عاصمة الدولة العثمانية آنذاك ) سنة 1822 ، عمل في الوظائف الحكومية في الدولة العثمانية في اسطنبول ودمشق وقونية وتدرج في هذه الوظائف حتى عين والياً على بغداد في 30 نيسان 1869 الى 27 آيار 1872 .
1869 – 1872 ، كما تميزت سنوات حكم الولاة العثمانيين ولا سيما المتأخرين منهم بعدم استقرار الولاة لمدة طويلة حتى أن بعضهم لم تتجاوز ولايته سوى أشهر قليلة وما لهذا من انعكاسات .
يتناول هذا الجزء من البحث ، الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عاشها العراقيون خلال العهد العثماني الأخير بشكل عام وسريع ، من اجل إعطاء صورة عامة عن الظروف التي شكلت المحيط أو البيئة العامة التي عاش في ظلها الشيخ محمد تقي الشيرازي للإحاطة بالجوانب المختلفة للشخصية التي تمثل موضوع البحث ، كما يتناول التمهيد مواقف الشيخ الشيرازي السياسية السابقة لمرحلة البحث استكمالاً للموضوع وللإحاطة بجوانبه المختلفة وذلك على الوجه الآتي :
أولاً : الأوضاع السياسية
شهد العراق حالة من شبه الاستقلال السياسي عن السلطة العثمانية خلال سنوات حكم المماليك في العراق ( 1750 – 1831 ) لكن الدولة العثمانية استعادت سيطرتها على البلاد مجدداً في عام 1831 بعد انهيار حكم آخر ولاة المماليك ( داود باشا ) داود باشا : ولد في تفليس ( عاصمة جورجيا الحالية ) سنة 1767 وكان صبياً موهوباً ، فأعجب به الوالي المملوكي سليمان باشا الكبير الذي اشتراه . عمل داود باشا لدى الوالي سليمان بوظيفة كاتب وتدرج بعد ذلك في المناصب الحكومية حتى أصبح والياً على بغداد في أواخر شهر شباط 1817 ، وبقي في منصبه حتى انتهاء حكمه عام 1831 ، وبذلك انتهى حكم المماليك على العراق الذي دام مدة ( 81 ) عاماً ،
وبدأ حكم أول والي عثماني في العراق وهو علي رضا باشا(1831-1842) بعد حكم المماليك.
تميز عهد الولاة العثمانيين الجدد بالإهمال الكبير وعدم معالجة المشاكل التي عانى منها العراقيون كمشاكل الفيضانات وانتشار الأوبئة والأمراض وخاصة مرض الطاعون ، كما اتبعوا سياسة القوة والبطش مع الانتفاضات المحلية التي قامت ضدهم كما حصل مع انتفاضة مفتي بغداد ( عبد الغني جميل زاده ) عام 1832 في بغداد ، كذلك المذبحة الكبرى التي ارتكبها الجيش العثماني ضد أهالي مدينة كربلاء سنة 1842 التي راح ضحيتها أربعة آلاف مواطن من أهالي المدينة .
وخلال تلك المدة كثرت التدخلات والمشاكل والدسائس التي أثارها القناصل الأجانب وخاصة القنصلين الفرنسي والبريطاني خلال ولاية محمد نجيب باشا ( 1842 – 1849 ) .
وعانى العراق من الأحداث الخارجية وخاصة الحروب التي خاضتها الدولة العثمانية مع الدول الأخرى التي كان من أبرزها حرب القرم ( 1853-1856 ) التي جرت بين روسيا من جهة والدولة العثمانية وبريطانيا وفرنسا من جهة أخرى ، فقد عانى العراقيون من هذه الحرب بسبب تجنيدهم وزجهم في ساحات القتال أو جمع الأموال منهم بصورة قسرية لإدامة تلك الحرب . وعلى الرغم من انتهاء هذه الحرب إلا أن السلطات العثمانية المحلية استمرت في فرض التجنيد الإجباري والذي جوبه برفض شديد في المناطق العشائرية فانتشر العصيان والتمرد العشائري على السلطات العثمانية وخاصة في مناطق ديالى والفرات الأوسط .
ومن الأسباب الرئيسة الأخرى لتردي الأوضاع في العراق فضلاً عن الحروب ، هي إهمال السلاطين العثمانيين الموجودين في العاصمة ( الاستانة ) لشؤون البلدان والأقاليم التابعة لهم ومنها العراق واستبدادهم وجهلهم وتبذيرهم للأموال.
تعد سنوات ولاية مدحت باشا أهم السنوات التي شهدت عدة إصلاحات مهمة . فقد اهتم الوالي المذكور بإنشاء المدارس الحديثة وبناء المطابع والمستشفيات ومد خطوط السكك الحديدية ، كما قام بإصلاحات مالية كثيرة وحارب الرشوة والفساد الإداري والمالي ، واهتم بالزراعة واستصلح الكثير من الأراضي الزراعية وأنشأ نظام التسجيل العقاري ( الطابو ) بهدف تشجيع زراعة الأرض واستصلاحها وكان من أهم نتائج ذلك هو استقرار الكثير من العشائر البدوية التي كانت متنقلة بعد توزيع الأراضي الزراعية عليها ، وقام مدحت باشا ببناء عدد من المدن الحديثة مثل مدينة ( الرمادي ) ومدينة ( الناصرية ) التي وضع تصميمها مهندس بلجيكي اسمه ( مولس تلي ) .
دخل العراق مرحلة سياسية جديدة بعد وصول السلطان العثماني (عبد الحميد الثاني) الى السلطة في 30 آب 1876 ، خلفاً للسلطان ( مراد الخامس ) الذي حكم مدة قصيرة عام 1876 ، وتميزت سنوات حكم السلطان عبد الحميد بالاستبداد المطلق ، ومن أبرز مظاهر ذلك الاستبداد هو تعليق العمل بالدستور العثماني سنة 1878 بعد سنتين من إعلانه ، وكذلك خضوع الصحف والمطبوعات الى رقابة شديدة من قبل السلطة .
انعكس ذلك على الوضع في العراق حيث لم يهتم الولاة الذين حكموا العراق خلال العهد الحميدي بأمور البلاد التي عانى أهلها من تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعاشية وانتشار المجاعة وخاصة في المناطق الشمالية من العراق ، كما تميز هذا العهد أيضاً بكثرة الثورات والانتفاضات ومن أبرزها ثورة ( منصور باشا السعدون ) في مناطق المنتفق في جنوب العراق سنة 1886 .
تغير الوضع السياسي للدولة العثمانية بعد الانقلاب الذي قادته جمعية ( الإتحاد والترقي ) العثمانية في 23 تموز 1908 والذي أطاح بالسلطان عبد الحميد الثاني وأعيد العمل بالدستور مرة ثانية .
واتبع القادة الجدد للدولة العثمانية ( الاتحاديون ) سياسة اكثر علمانية وهي سياسة تختلف عن السياسة السابقة التي تميزت بطابعها الإسلامي ، وكان سبب ذلك هو إرادة الاتحاديين التقرب من الدول الأوروبية المعروفة بأنظمتها العلمانية ، فضلاً عن كونهم ( الاتحاديين ) أعضاء في المحافل الماسونية بدون استثناء .
ولم يتغير الوضع في العراق خلال مدة حكم الاتحاديين فقد بقي على ما كان
عليه من سوء الإدارة ، عدا بعض الإصلاحات التي قام بها الوالي ناظم باشا
(1911- 1912 ) .
ثانياً : الأوضاع الاقتصادية
عانى الاقتصاد العراقي من مشكلات عدة في العهد العثماني الأخير ، إلا أنه شهد قليلاً من التحسن والتطور بعد النصف الثاني من القرن التاسع عشر .
فقد عاش قطاع الزراعة الكثير من المشاكل والمصاعب بسبب عدم وجود أنظمة ري حديثة كالسدود والخزانات والنواظم ، فكثيراً ما كانت تؤدي الفيضانات التي عانت منها مدينة بغداد الى تدمير الكثير من المحاصيل الزراعية المختلفة ، فمثلاً أهلكت الفيضانات في عام 1896 أكثر من مليوني نخلة ، كما عملت الفيضانات على انسداد مجاري الأنهار الصغيرة بسبب نسبة الرواسب العالية التي كان نهرا دجلة والفرات يحملانها ، ولم يشهد العراق أي تطور في القطاع الزراعي عدا بعض الاهتمامات والإصلاحات التي قام بها الوالي مدحت باشا وكانت أبرز أعماله في هذا المجال هو استحداث نظام التسجيل العقاري ( الطابو ) وبموجب هذا النظام تم توزيع الأراضي التابعة للدولة على العشائر بهدف استصلاحها وزراعتها وتحسين وسائل الري ، وهناك أهداف أخرى مهمة وبعيدة المدى كانت تسعى إليها السلطة العثمانية من وراء تلك السياسة هي أن استقرار القبائل في مكان واحد يُسهل عليها عملية فرض الضرائب وجمعها وتجنيد الناس في الجيش ، وإن هذه العملية ستكون أكثر صعوبة لو كانت القبائل متنقلة ، كما ألغت السلطات بعض الرسوم التي كانت تؤخذ من أصحاب الأراضي مما أدى بالنتيجة الى تحسن أكبر في القطاع الزراعي فيما بعد ، وبمرور الزمن تحول الإنتاج الزراعي من إنتاج قائم على أساس سد الحاجة المحلية الى إنتاج قائم على أساس التصدير وجني الأرباح خاصة إنتاج التمور ، ومع ذلك فقد صاحب هذا التحسن في القطاع الزراعي العديد من السلبيات كان من أبرزها نشوء طبقة من الملاّكين الإقطاعيين الذين امتلكوا مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية وكان هؤلاء الإقطاعيون هم من رؤساء القبائل وكبار الموظفين في الدولة ورجالات الجيش وقد مارس هؤلاء الاستغلال بأبشع صوره ضد الفلاحين وأفراد القبائل .
أما في قطاع التجارة فقد شهد بعض التطور في النصف الثاني من القرن التاسع عشر . وكان لهذا التطور أسباب عدة ، من أبرزها فتح قناة السويس في مصر في خريف 1869 ، فقد ساهم فتح هذه القناة إسهاماً فعالاً في تنشيط حركة التجارة بين الشرق والغرب لعموم منطقة الشرق الأوسط ومنها العراق إذ قللت الكثير من النفقات المالية والمدد الزمنية اللازمة للاستيراد والتصدير ، كما ساهمت الثورة الصناعية التي شهدتها أوروبا في نهاية القرن التاسع عشر في زيادة الطلب على المواد الأولية التي تستوردها أوروبا من البلدان الشرقية ومنها العراق الذي كان يصدر التمور والشعير والصوف والجلود وغيرها ، ويستورد البضائع المصنعة كالمنسوجات القطنية والحريرية والمعادن وغيرها من الدول الأوروبية لاسيما بريطانيا .
وكان لإصلاحات مدحت باشا الاقتصادية والإدارية وخاصة في المجال الزراعة وزيادة إنتاجه ، دور مهم في دعم حركة التجارة ، كما أدت عملية تخفيض الرسوم الكمركية بين العراق وتركيا سنة 1869 الى انتعاش التجارة بينهما وزيادة واردات الكمارك .
وفضلاً عن ذلك فإنَّ عوامل أخرى ساهمت في توسع عملية التجارة في العراق في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومن هذه العوامل تطور الملاحة النهرية بعد دخول البواخر والمواصلات النهرية الحديثة ، ففي سنة 1855 دعا الوالي رشيد باشا جماعة من التجار وعرض عليهم تشكيل شركة للملاحة يكون نصف مالها من الحكومة والنصف الآخر من التجار ، وعلى إثر ذلك وصلت باخرتان هما : ( بغداد والبصرة ) ، كما وصلت بعد ذلك باخرات ( الفرات والموصل والرصافة ) ، وساهم تأسيس البنوك في تقدم التجارة في العراق الذي تم في أواخر القرن التاسع عشر وكان أول بنك هو البنك ( الشاهي ) سنة 1890، ثم حل محله البنك العثماني في سنة 1893 الذي فتح له فرعين في مدينتي البصرة والموصل .
كانت بريطانيا في مقدمة الدول الأوربية التي كانت تستورد من العراق وتصدر إليه البضائع ، إذ كانت النسبة المئوية لتجارتها مع العراق سنة 1909 هي ( 33.4 %) للصادرات ، أما الواردات فكانت نسبتها ( 58.8 %) وكانت أهم البضائع التي يصدرها العراق الى بريطانيا هي الصوف والصمغ العربي والكردي والجلود والتمر والحنطة والشعير وغيرها ويستورد من بريطانيا مصنوعات مانجستر ولنكشاير القطنية .
أما الدول الأوربية الأخرى التي تلت بريطانيا في معدل التجارة مع العراق فهي ألمانيا إذ ( كانت تجارة الألمان تزداد في العراق زيادة مطردة فبلغت قيمة الأموال الألمانية الواردة الى ميناء البصرة سنة 1906 ( 108.650 ) ليرة إسترلينية وبلغت ( 528415 ) ليرة سنة 1912 وبلغت صادرات العراق الى ألمانيا ( 100900 ) ليرة إسترلينية في سنة 1906 .... ) ولذلك تحولت التجارة العراقية في الشرق الأوسط الى أوربا ، وكان لهذا التحول أسباب عدة من أبرزها نمو الشركات التجارية الأوربية والمحلية وازدياد الطلب على المواد الغذائية والخامات العراقية فضلاً عن عوامل أخرى .
وأمّا ميدان الصناعة فكان متخلفاً جداً بالقياس مع الصناعات الأوربية الحديثة ، فكانت الصناعة العراقية صناعة حرفية لم يستطع إنتاجها منافسة المنتوج الأجنبي الرخيص الثمن والعالي الجودة فكان أكثر رواجاً في السوق من المنتوج العراقي ، فاضطر الآلاف من أصحاب الورش المحلية الى إغلاقها في بداية القرن العشرين ، وعانت صناعة النفط والإسفلت المحلية في مندلي وهيت ومناطق أخرى من أزمة حقيقية بسبب عجزها عن منافسة مثيلاتها في الولايات المتحدة ولذلك أغلقت مثلاً العين النفطية في مندلي سنة 1901 .
ونتيجة للتغييرات التي طرأت على الاقتصاد العراقي في أواخر العهد العثماني وخاصة في مجالات الزراعة والتجارة فقد إندمج هذا الاقتصاد وانفتح على السوق الرأسمالية العالمية ، وانعكس هذا الأمر على تغير العلاقة وتطورها بين الريف والمدينة إذ تغلغل التجار والمرابون في داخل الريف لأغراض التبادل التجاري ، كما تغلغل الرأسمال الأجنبي داخل المدن بالتدريج ساعده في ذلك طبقة برجوازية تسمى ( الكومبرادور ) أو وكلاء الشركات ، التي ارتبطت بالرأسمال الأجنبي وخاصة البريطاني ولذلك فقد رحبت هذه الطبقة بدخول القوات البريطانية الى مدينة البصرة في بداية الحرب العالمية الأولى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الوساطة القطرية في ملف غزة.. هل أصبحت غير مرحب بها؟ | المسائ


.. إسرائيل تستعد لإرسال قوات إلى مدينة رفح لاجتياحها




.. مصر.. شهادات جامعية للبيع عبر منصات التواصل • فرانس 24


.. بعد 200 يوم من الحرب.. إسرائيل تكثف ضرباتها على غزة وتستعد ل




.. المفوض العام للأونروا: أكثر من 160 من مقار الوكالة بقطاع غزة