الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكريات من ايام النضال الحلقة الثالثة عشر حافظ رسن من القمة الى السقوط

سعدي جبار مكلف

2018 / 10 / 10
الادب والفن


ذكريات من ايام النضال /الحلقة الثالثة عشر
حافظ رسن من القمة الى السقوط والهاوية
ولدت في بغداد يوم 4/3/1945 في منطقة العيواضية ، لكن لم اذكر منها اي شئ من طفولتي التي عشتها فيها ، عشت طفولتي وصباي وشبابي وعمري في مدينة البصرة الحبيبة ، بصرة الخير والعطاء والبشر والطيبة ، بصرة ام البروم والخضارة والمربد والمستشفى وتومان والدكتور عبد الجبار الشمخاني وشربت ابو علي ونهر الرباط ومحلة الحسينية والطمامة ، اي مكان رمي النفايات والحجر والاتربة والقاذورات التي تمتزج مع البشر ،محلة الحسينية عبارة عن خطين متوازيين الاول على حافة نهر الرباط تماماً والثاني يقابله على بعد خمسة عشر متراً وبصورة متوازية ، الجانبين مشيدن من الطين واللبن وقسم صغير من الطابوق ، معظمها من الاكواخ والصرائف متلاصقة تماماً يلفها حزن دائمي ابدي ، اغلبها بلا ابواب وان وجدت فهي من الصفيح ، لاتوجد نوافذ ولا يوجد ذكر الى اي خدمات صحية او غيرها ، اهلها عائلة واحدة لايمكن ان تعيش غريب فيها ولا تضيع ابداً بين هذا الشارع الوحيد ، الكل متوقف عندهم المكان والزمان خليط عجيب غريب من كافة الطوائف من المسلمين والمسيحين والصابئة والهنود والعجم والبلوش والارمن وغيرهم ،نشأنا وعشنا في هذه المحلة نحزن في عاشور ونبكي ونلطم ونفرح لفرحة الزهرة وننذر خبزاً للعباس ونشعل شموع مريم العذراء كل يوم أحد ونضع شارات الياس على الابواب في عيد الصابئة المندائيين ونفرح معهمو نحن نرتمي في الماء الجاري ، نقبل ايادي سيد مهدي الحلو امام الحسينية المتواجدة في وسط المحلة ونقبل يد القس جوزيف بكل حنية وايمان ونحتمي ببخت شيخ نجم زهرون رحمه الله ، قلوب شفافة بسيطة تغمرها طيوب المحبة والايمان العفوي ، قلوب لا تعرف الغيض والحقد والضغينة يتوسط هذه المحلة سوق بسيط صغير والقسم الاكبر يفترشون الارض وعلى جانب هذا السوق يوجد فيه دكان لتأجير الدراجات الهوائية يمتلكه شخص اسمه حميد رجل طويل ضعيف متكلم يقول اهل المحلة عنه انه معارض للحكومة شيوعي وفي حقيقة الامر كل اهالي محلة الحسينية وشبابها ضد الحكومة ، كانت تلك المحلة قنبلة موقوتة دائمية ضد النظام القائم وضد السلطة ، وكان محل حميد المقر الدائم لتجمع الشباب ، كانت الساعة العاشرة صباحاً عندما اجتاحت قوات الامن المحلة وهم يسألون عن بيت حافظ رسن كان هذا بالضبط في عام 1955 ولم يكن معروف هذا الاسم في المحلة لكون اسمه المعروف عندنا شاكر وقد فشلوا في الوصول الى بيته مما جعلهم يستعينون بمختار المحلة أنذاك وقد اخبرهم بعدم وجود هذا الاسم وانما شاكر رسن وعرفوا انه نفس الشاب المطلوب ، توصلوا الى بيته وتم تفتيشه والقاء القبض عليه ثم اطلق سراحه بعد عدة ايام ، كان يتردد اسماء بعض الشباب ويتهمونهم بالشيوعية ضد الحكومة والدولة ويريدون اسقاط الحكم الملكي منهم حميد البايسكلجي ، الدكتور المرحوم صالح زيدان ، حافظ رسن ، همام عبد الغني ، ريسان السبتي ، الشهيد شاكر نعمة هليل وغيرهم ، وحدثت ثورة 14 تموز وكانوا هؤلاء الشباب من قيادي المظاهرات التي كانت تخرج الى الشوارع في المناسبات من محلة الحسينية والطمامة ، تزعموا المنظمات والنقابات وقد التحق حافظ رسن في بعثة حزبية الى المانيا الديمقراطية انذاك في مدارس الاعداد الحزبي في اواسط عام 1959 ، كانت تربطني بعائلة حافظ صلة قربى حيث اخاه الكبير متزوج من اختي رحمهما الله اضافة لكوننا جيران واهل ، انقطعت اخباره تماماً ولا نسمع عنه اي شئ ، هبت عواصف الطاعون والموت على العراق بأكمله وانتشرت رايات الرذيلة والخراب في كل صوب وناحية ومن الصدف الغريبة انني شاهدته في محلة الجمهورية عند احد افران الخبز في بداية عام 1964 وفي شهر الواحد بالتحديد ، لم يعرفني وقد اتجه الى محطات سيارات محلة خمس ميل ، فأيقنت ان الحزب اعاده الى العراق والى البصرة بالذات من اجل اعادة التنظيمات وفعلاً اصبح تنظيم الطلبة والشباب اكثر تماسكاً وعمل في المدارس الاعدادية ، اصبح في كل مدرسة خلية حزبية لقيادة اتحاد الطلبة وزيادة كسب الجماهير ، حدثت هذه المصادفة قبل القاء القبض عليّ بحوالي شهرين او ثلاثة اشهر ،سكن حافظ في وكر حزبي في منطقة خمس ميل وهي من المناطق الفقيرة المعدومة في البصرة عبارة عن صرائف واكواخ ودور من الطين ، كانت في تلك الايام حملات لتفتيش البيوت من قبل الشرطة ورجال الامن والانضباط العسكري لألقاء القبض على الهاربين من العسكرية وعندما فتشوا منزل الوكر وجدوا جهاز طابعة وجهاز رونيو ومجموعة من الاختام وغيرها وادبيات حزبية كثيرة لذلك القي القبض على كل من نوري وعبد الباري صاحب البيت واقتيدا الى دائرة الامن بسرية تامة دون علم الجيران ونصبوا كمين في الدار وتمكنوا من القاء القبض على كل شخص دخل الدار ومن ضمنهم حافظ وعند تفتيشه وجدوا عنده هوية مزورة وجواز سفر مزور ، استمر التحقيق مع نوري وعبد الباري مصلح الراديوات وحافظ ، كل من نوري وعبد الباري لا يعرفون اسم حافظ الحقيقي وانما ابو فائز وأستمر التحقيق معه اكثر من شهر وبكافة الاساليب حتى اقتنعوا وتصوروا انه اخرس لم ينطق بأي كلمة ومن خلال جوز السفر ومن رقمه بالذات توصلوا الى صاحب الجواز الحقيقي الذي اخبرهم انه قد باعه الى ابو فائز وايقنوا انه ليس اخرس وقد وجدوا لدى حافظ اسم وعنوان اخيه كاظم بعد تفتيش البيت في محلة خمس ميل مرة ثانية ، اقتيد كاظم الى مديرية آمن البصرة واخبرهم بأسمه الحقيقي ودراسته في المانيا الديمقراطية وانه لا يعرف اي شئ آخر عنه وانه يشاهده لاول مرة بعد سنين طوال وقد درس في مدارس القيادات العمالية العالمية وظهر كل شئ استمر توقيفه الى شهر الرابع 65 واحيل الى المحكمة العسكرية الثانية ودافع عن الحزب وافكاره وتطلعاته ولم يتنازل او يتفوه بأي كلمة ضد الحزب ، كانت وقفته بطولية يشهد لها اهل البصرة ، وحكم عليه خمسة عشر عاماً وسنة تحت المراقبة وارسل الى سجن نكرة السلمان ، واصبح من قياديي السجن ومسؤول اللجنة الثقافية فيها ، القى عدة محاضرات حول الحركات والثورات العمالية وحول الفكر الاشتراكي في الدول النامية وغيرها لقد كان حافظ الوحيد الذي يسمح له بالدخول الى مدرسة الاعداد الحزبي في برلين كما خبرني احد الطلبة الدارسين في الجامعات الالمانيا، نقل الى سجن الحلة واستلم تنظيم السجن مع حسين سلطان واستمر حتى ظهور القيادة المركزية فأصبح احد قياديها في السجن مع مظفر النواب وغيرهم ، كان من المخططين والمنفذين الى حفر نفق الحلة وأستمرفي المتابعة بأهتمام وحذر شديد الى ان انتهى النفق وقد حدد اسماء الاشخاص الذين يغادرون ويهربون وتم تزوير هويات لهم واتفق مع حسين سلطان على كيفية الهروب وخرج اول شخص من النفق والتحق بالقيادة المركزية عضو رئيسي فعال ومخطط لكثير من الاعمال ، فهو يمتلك خبرة طويلة في مجال النضال والتعلم والصبر والاختفاء ، بعد خروجي من السجن في عام 1968 استلم البعث الحكم ثانية وبعد فترة ما يقارب الستة اشهر او اكثر كانت قيادة البعث تحسب حساب كبير الى القيادة المركزية وشنوا حملة ضد اعضائها والقيادة واعترفوا قسماً منهم اي كانت بداية الهجمات ، زارتنا اختي المرحومة زوجة أخ حافظ واخبرت والدتي بقصة وكنت انا جالس قربهما ذكرت ان شقيقة حافظ الصغرى التي تسكن في بغداد قدمت اوراقها لتتعين معلمة وكانت هناك ثلاثة درجات تعين فقط وقد اخبرها المدير المسؤول عن صعوبة حصولها على الوظيفة لقلة العدد وعدم وجود واسطة قوية لدفع المعاملة فقالت له كن واسطتي انت وانك مثل والدي وعندما اعلنت الاسماء كان اسمها الثاني وعلق الموظف كيف تقولين لا يوجد عندي واسطة لقد كان عندك اكبر واسطة في الحكومة لقد عينك مسؤول كبير في الحكومة ، نقلت هذه المعلومة الى التنظيم ولكنهم رفضوا هذا الكلام بصورة مطلقة ابدية ولم يصدقوا هذه الحكاية ويجب عدم الكلام عنها او ذكرها او التكلم فيها ، ومرت الايام وأخبرنا احد الرفاق العاملين في محافظة البصرة ، ان شخصاً بأسم حافظ رسن استلم جنسية وجواز سفر خلال ساعتين وهو جالس قرب المحافظ وصلت هذه المعلومة الى احد المناضلين الكبار الذي يشهد لهم التاريخ بالنضال الابيض الشريف ووصلت هذه المعلومة الى التنظيم ، سافر حافظ الى الكويت بمهمة معينة وتمر الايام ويتم عقد اجتماع للقيادة المركزية في الشمال وفي جبل قره داغ وكان حافظ غير مدعو الى الاجتماع الا ان السلطة ارسلته وهناك تمت مكاشفته بكل الاعمال التي قام بها في بغداد وغيرها ، فأعترف بالتفصيل وكيف عرض خدماته على الامن العامة حيث اعترف بمقابلة صدام حسين واجهزة المخابرات والامن وكيف اصبح احد اعضاء القيادة القطرية المدعو محمد فاضل حلقة الوصل في نقل كل المعلومات وحاولت الحكومة انقاذه عن طريق شن هجوم عسكري عنيف لكنه فشل وقد تم تصفيته وبذلك انتهت حياته وذكرياته الى مزابل التاريخ . لم تحفظها ياحافظ وقد اسرعت في خدمة سياف العراق فلو كنت منتظر لكنت مع القيادات التي خدمت السياف بصورة جماعية وقتلوا كل انسان شريف اتذكر مقولتك التاريخ لا يرحم .
سعدي جبار مكلف
اواسط ايلول 2018








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن