الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عملية هروب السجناء الشيوعيين من سجن الحلة المركزي عام 1967 / ح2

خالد حسين سلطان

2018 / 10 / 10
سيرة ذاتية


بمناسبة مرور 51 عاما على عملية الهروب الكبيرة والشهيرة للسجناء الشيوعيين من سجن الحلة المركزي عام 1967
سننشر قصة ذلك الهروب على شكل حلقات يومية وبقلم الوالد الفقيد حسين سلطان صبي / أبو علي
الحلقة الثانية
... وبعد أن أنزلوني الى غرفة التوقيف ، أخذوا ينادون على الرفاق الواحد بعد الآخر لغاية الاستكتاب . وبعد ساعتين ، نادوني ووضعوني فــــــــــي سيارة جيب وذهبوا بي الى مركز شرطة شارع المدينة في النجف . وأفرغوا غرفة مشجب السلاح ، ووضعوني فيها ، وأبلغوا المسؤولين فــــي المركز ، أن لاتفتح باب الغرفة الا بحضور شرطي الأمن ، الذي خصص لهذا الغرض . ولا يواجه أحداً ، ولا يلتقي بأي شخص مهما كان الســبب وتركوني على هذا الحال . كان باب الغرفة من الخشب ، وفيها شباك علوي مغلق نصفه ، أما مساحتها فالطول ثلاثة أمتار ونصف والـــــــعرض مترين فقط ، وأرضها من السمنت . وحينما حط رحالي في هذه الغرفة ، كنت أفكر في موضوع الرسالة وكيف وصلت الى الأمن وكان يخطــــر ببالي ، عدة احتمالات ومنها ان المرأة الفلاحة والكبيرة في السن التي سلمت لها الرسالة قد وقع لها حادث وكُشِفَ أمر الرسالة ، وقالت استلــــــــــمتها من فلان . والاحتمال الثاني هـو وقـوع حـادث أكـبـر . وبـعـد ثـلاثـة أيـام جـاءنـي مـفــــــوض من الأمن لأخذ صحيفة أعمال ، وأثناء الأحاديث معـــه هَمس لي بالخبر التالي : ( ألقيَّ القبض على حمد الله مرتضى واعترف على كل شيء والرسـالة التي بعثتها له مسكت معه وقال : بعثها لي حسين سلطان من موقف النجف ) .
عند نقلي الى تلك الغرفة الانفرادية ، كان الفصل شتاء وبقيت كل ذلـــــك الفصل دون غسل الجسم أو الملابس ، وعند بداية الربيع بلغت الحالــــــة حدا لا يطاق ، ولذا لجأت للإضراب عن الطعام . وكان هدف الاضراب ، هو مطلب وحيد السماح لي بالمواجهة من أجل تبديل الملابس وغسلها وفي مطلع اليوم الرابع للإضراب استجابوا للطلب وفق شروطهم التالية : أن تكون المسافة بيني وبين القادمين من أهلي أكثر من مترين . وشرطي الأمن يجلس في الوسط . واللقاء داخل غرفتي . ولمدة نصف ساعة فقط وفي كل اسبوع مرة واحدة وذهبوا خلف والدتي وأتوا بها وانتهى الأمر . هذا ونظمنا المراسله بيني وبين الرفاق في مركز الشرطة الرئيسي ، وكانت تصلني الصحف اليومية فوجدت أحدى الصحف العراقية تنقل لقرائها حلقات يومية من كتاب لأحد الفارين من سجن بريطاني وذهب الى الاتحاد السوفياتي ، والكتاب يشرح عن كيفية الهروب . ان صاحب الكتاب كان مسجونا لمدة طويلة . وفي غرفة انفرادية وعليه وسائل للمراقبة بما فيها عدسات تلفزيونية وعلى الرغم من كل تلك الوسائل إستطاع الافلات من سجانيه . وقرأت حلقات ذلك الكتاب باهتمام كبير ، واستفدت منه كثيرا ، وخاصة في وضع رسم الخطة ويقول صاحب الكتاب : (كنت أضع لكل خطوة إحتمالات معاكسة ، وأضع كيفية تذليل تلك المعاكسات والتغلب عليها وبالتالي تكاملت الخطة من مجموع تلك الخطوات خلال عامين ) . وكنت أتأمل ذلك التصميم الدقيق ، والصبر المبرر لتنفيذ تلك الخطوات أولا بأول دون أي انفعال أو تسرع وكنت أتصور أيضاً ، قوة الارادة والثقة بالنفس وهما عاملان أساسيان لإقتحام المرء العمل الجاد لمهمات من هذا النوع . وفي الحقيقة ان اطلاعي على تلك الحلقات من كتاب ذلك المناضل الهارب من السجن ، والتفاصيل التي ذكرها عن خطط الهروب استفدت منها الى حد بعيد ومن عدة اوجه هامة وبـقـيـت وتـلـك الحلقات معي أترصد ما هو حولي وأبحث عن أية إمكانية مهما كانت ضئيلة لغاية الإفلات من تلك القيود . الا ان خلال تلك الفترة حصلت لي فرصة واحدة ، أثناء زيارة عبد السلام محمد عارف الى النجف فـي مـطـلع عـام 1966 الا انه يصعب عليَّ الاساءة لمن أحسن لي حتى وان كان الثمن غاليا . وعندما ذهبت تلك الفرصة حاسبت نفسي حسابا شديدا وحاولت اقناعها بتجاوز العادات والتقاليد ، أخيرا لم أستطع اقناعها وذهبت تــلك المحاسبة أدراج الرياح . وبقيت على هذه الحالة الإنفرادية لمدة تزيد على ستة أشهر وبعدها أخذونا الى بغداد لغاية المحاكمة وعند العودة الى النجف بقيت مع جماعتي في موقف واحد . وأنا أواصل البحث عن امكانية الهروب . ولاحظت ان مركز الشرطة تقل فيه الحركة وأحيانا تنعدم من الساعة الثانية بعد الظهر والى الساعة الخامسة تقريبا ، وذلك من شدة الحر في تموز ــ وبالنجف خاصة ــ وحتى من عنده واجب من أفراد الشرطة تجده نصف نائم ، أو ما يشبه المغمى عليه من شدة الحر وانصرف جهدي للحصول على نسخة من مفتاح قفل التوقيف . وأول ما فاتحت عامل المطعم الذي يقدم لنا الطعام ثلاث مرات يومياً ، وهو متعاطف معنا فأبدى استعداده الكامل . وسألته : اذا أعطيتك مفتاح كم من الوقت يستغرق طبع نسخة عليه وارجاعه الينا ، قال : غدا سأعطيك الجواب بعد أن أستفسر من صاحب المهنة ، وفي اليوم التالي جاء وقال لي : الوقت ساعتين كحد أقصى ويمكن أن يكون أقل من ذلك . وكان شرطيان يتناوبان آمرية حرس المركز ، ومن المفروض أن يكون رئيس الحرس بيده مفاتيح التوقيف وكان أحدهم نائب عريف وهذا نائب العريف من اخواننا الأكراد ومن الملاحظ عنه انه يتعاطف معنا همساً . فشخصته للمفاتحة وقبل أن أبدأ بمفاتحته نفذت عدة خطوات من شأنها أن تسهل مهمة المفاتحة ولما كنا ثمانية مناضلين معزولين في غرفة وحدنا ، رتبنا الوضع الداخلي في الغرفة باعتبار أربعة منا نائمين وثلاثة يدخلون فـي نقاش حاد وأنا أقوم بمهمة المفاتحة في الساعة الواحدة بعد الظهر .

وفي الوقت المناسب ناديت صاحبي ووقفنا وجها لوجه وبيننا قضبان حديد الباب وبدأت حديثا سياسيا معه وان كان بلغة البرقيات . قلت لـــــه نحن الشيوعيين العراقيين عرباً وأكراداً أخلص الناس لقضية الشعب الكردي القومية ــ الحكم الذاتي ــ كإخلاصنا لشعبنا العراقي ولكل الكادحين ، وأنت بإمكانك أن تقدم لنا مساعدة دون أن يلحقك ضرر ونقدم لك مساعدة مالية ترضيك ولعلمك ان الموقوفين معي لا يعرفون شيئاً عن الموضوع . ولاحظت عليه ان وجهه أخذ يصفر وبدأ يتلفت يمينا ويسارا قلت له أطلب منك شيئا فان وافقت عليه فأهلا وسهلا وان رفضته أهلا وسهلا أيضا والأمر ينبغي أن يكون سرا بيننا . قال بصوت منفعل : قـــل ماذا تريد مني ، قلت له أريد منك أن تعطينا المفتاح ولمدة ساعتين فقط ونعيده لك ، والعمل أقوم به في حراسة أخرى . وقبل أن أنهي الجملة الأخيرة أخذ يتراجع الى الوراء مرتبكا وهو يردد بصوت واطئ لا أستطيع اعفيني من هذه القضية ولما شاهدته بهذه الحالة قلت له مع ابتسامة عريضة سنبقى أصدقاء وأشرت له بغلق الشفتين وعند هذا الحد انتهى موضوعنا وحافظ الرجل على الأمانة ولم يخبر أحدا بما دار بيننا . ثم جرى التفكير بمحاولة ثانية ، وكان معي المناضل كاظم فرهود في موقف السراي لغرض المحاكمة ، جيء به من سجن نقرة السلمان وأنـا مـن سـجـن مـوقـف الـنـجـف ، وكـنا ندرس ثلاثة مـحـاولات الأولى : منها هي قلع مفرغة الهواء الموجودة في أعلى بناية القاعة والثانية : أذا أفرج عن أحد الموقوفين ــ من جماعتنا ــ يمكن أن نلف أحدنا في فراشه والمحاولة الثالثة : أن نجد مفتاحا لقفل الموقف . وعند الدخول في تفاصيل هذه المقترحات وجدنا ان المقترح الأول يحتاج الى بعض المستلزمات ووجودنا هناك كان مؤقتا والعامل الثاني ان العملية تكون مكشوفة أمام جميع المتواجدين في القاعة وأغلبهم غير معروفين لدينا والمحاولة الثانية عند التجربة كانت صعبة التنفيذ أما المحاولة الثالثة كلفنا بعض المعارف الا انه لم يتحقق ما أردنا . وهناك محاولة أخرى . بعد أن صدر الحكم علينا في شباط عام 1967 نقلونا الى سجن نقرة السلمان الصحراوي ، وعادة ينتظر المنقولين يوما أو أكثر في موقف شرطة السماوة تمهيدا لنقلهم الى السلمان . وأثناء دخولنا الى مركز شرطة السماوة وجدنا الشرطة في حالة هيجان ، وتوضح لنا انهم كشفوا محاولة هروب مــــــن الموقوفين العاديين والمحاولة كانت من المرافق الصحية . وعند دخولنا الى التوقيف وجدنا بعض العناصر السياسية وعلمنا منهم عن المكان الذي حاول الشهيد وعد الله النجار الهروب منه أثناء نقله من السلمان الى الموصل لتنفيذ حكم الاعدام به ، وكان على وشك انهاء المهمة الا ان أحد المنهارين وشى به وفشلت المحاولة . وبينما نحن هكذا واذا بجماعة وصلوا من ســــجن النقرة ذاهبين الى بغداد للمحاكمة وهذا يعني أن نبقى ننتظر عودة السيارة من بغداد لتنقلنا الى سجن النقرة ودام الانتظار يومين ، وخلال هذه الفترة توصلنا الى فكرة فتح نافذة في سقف الموقف حيث كـــــــــان طابوق وشيلمان ( عكادة ) وكان الجو رطبا من أثر المطر والجص رخو فاذا قلعنا طابوقة واحدة فالبقية لا تحتاج الى عناء كبير ، وكان اعتمادنا على الملاعق وسكين صغير. وكان ارتفاع السقف يزيد قليلا على ثلاثة أمتار ، ولابد والحالة هذه أن يصعد أحدنا على كتف الاخر عند العمل . وخلال التشاور والقيام في بعض التمرينات صار قدر من الاحساس عند الموقوفين وتوجهت الأنظار نحونا ليل نهار وهذه المحاولة أضيفت مع المحاولات التي سبقتها . ان جميع هذه المحاولات كانت تعكس شيئاً واحداً . هو ان موضوع الهروب كان الحلقة الرئيسية في تفكير العديد من المناضلين من أجل الالتحاق بركب الحزب والمساهمة في سوح النضال مع المناضلين من جماهير الشعب وكانت تعكس أيضاً ان تركيز الاهتمام على شيء ما لدى المناضل لابد أن يحققه اذا كان واقعيا ومع توفر الامكانات ولان استمرار التفكير بذلك الشيء قد يساهم الى حد كبير بتذليل الصعاب ، وتوفير الامكانات كلما ارتفعت الهمم . وعند وصولنا الى سجن نقرة السلمان في أواخر شباط 1967 كانت منطقة نقرة السلمان تزداد فيها العواصف الرملية في فصل الربيع وتلك العواصف تسبب مضايقات شديده للمرضى في داء الربو وكان عدد المرضى بهذا الداء أربعة مناضلين اثنين منهم حالتهم خطرة ، وأثناء تلك العواصف نكون في واقع الأمر على حافة الموت على الرغم من كل الاجراءات الاحتياطية التي يتخذونها الرفاق من أجلنا أثناء العواصف وكنت من ضمن هؤلاء المرضى وقد أشار الأطباء بنقلي وقالوا : ان هذا الشخص لا يمكن أن يبقى في سجن نقرة السلمان ، وكتبوا تقريرا الى مديرية السجون العامة يقترحون نقلي الى سجن آخر . وكان من باب الصدف ان الرفيق عبد شمران وهو من المناضلين القدامى ، وكان نزيل سجن الحلة ، وله قرابة مع مدير السجون العامة ، أخبرني برسالة انه أخبر العائلة حول نقلي الى سجن الحلة . وكانت مديرية السجون العامة لا تنقل أي سجين سياسي الا بموافقة مديرية الأمن العامة . وكان العقبة الرئيسية في عدم نقلي هو مدير الأمن العام السيد أنور ثامر والتي كانت لي به بعض المعرفة أثناء القاء القبض علينا عام 1957 وبعد ثورة تموز أيضاً ، حيث نقل المرضى الذين كانوا معي ورفض نقلي وجرت محاولة ثانية ورفضت أيضاً الا ان مدير صحة الديوانية ــ حسب مــــــــا علمت ــ كتب تقريراً مفصلاً بالاستناد الى تقارير الأطباء أكد فيه ان هذا السجين ــ المقصود أنا ــ اذا رفض نقله الى سجن آخر يعني الحكم عليه بالإعدام لأن موته مؤكد .
............................. يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله ينفذ هجوما جويا -بمسيّرات انقضاضية- على شمال إسرائي


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يغلقون جسرا في سان فرانسيسكو




.. الرئيس الانتقالي في تشاد محمد إدريس ديبي: -لن أتولى أكثر من


.. رصدته كاميرا بث مباشر.. مراهق يهاجم أسقفًا وكاهنًا ويطعنهما




.. ارتفاع ضحايا السيول في سلطنة عمان إلى 18 شخصا