الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لينين والعمل العلمي الذي أسسه ماركس

فارس إيغو

2018 / 10 / 11
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


لماذا لم ينخرط لينين (1870 ــــــ 1924) بقوة في تصحيح وإكمال العلم الذي أسسه ماركس، بالرغم أنه كان من أكثر الماركسيين تأهيلاً فكرياً ومعرفياً لإكمال وتصحيح الماركسية. وكان لينين، قد أكد في مناسبات عدة على ضرورة التصدي لتلك المهمة، وقد أثنى على عمل فرانز مهرينغ (1846 ــــــ 1919) مؤلف >، الذي قام بتصحيح بعض التصريحات التاريخية لماركس، ويقول لينين: ان مهرينغ كان على حق حينما نقح ماركس فقد فعل ذلك مع الأخذ بعين الاعتبار كل الاحتياطات العلمية الممكنة؛ بينما رفض قراءة ادوارد برنشتاين (1850 ـــــــ 1932) للماركسية في كتاباته الصحافية في سلسلة من المقالات جمعها تحت عنوان >، والتي نشرت عام 1896 في مجلة "الزمن الجديد" ( التي كان يرأس تحريرها المفكر الماركسي كارل كاوتسكي). وتتضمن المقالات جملة من الانتقادات للاشتراكية العلمية، وركز برنشتاين انتقاداته على التفارق والانفصال فيما بين الأيديولوجيا والممارسة العملية. وقد تلقت انتقاداته للماركسية العلمية حملة شعواء ضده، ووسمت كتاباته بأنها تحريفية من قبل لينين وكاوتسكي؛ وقد وصف لينين هذا العمل بأنه سقوط في الأيديولوجية البرجوازية. لكن أتاه دعماً قوياً من قبل كاتب اشتراكي آخر تميزت كتاباته بانحراف عن النظرية الماركسية، كما أتى بها ماركس، هو الكاتب البريطاني الشهير جورج أورويل، صاحب الرواية المعروفة << 1984 >>، والتي نشرت عام 1949 (1).
إذن، لينين يعترف بالمبدأ (ذاكراً مثال مهرينغ) بالقول: من أجل إكمال حياته العلمية، فإن العلم الذي أسسه ماركس يجب بالضرورة تصحيحه وإكماله.
من بين كبار المفكرين الماركسيين في بداية القرن العشرين، وحده أنطونيوغرامشي (1891 ــــــ 1937) صاحب << دفاتر السجن >> (2) شعر بهذه الضرورة، وبأنه من الأهمية الحيوية إعادة الاشتغال على بعض المكتسبات المعرفية الماركسية. حاول غرامشي السير في الطرقات المعرفية التي لم يشبعها (أو لم يعمقها) ماركس بحثاً، مثل البنية الفوقية، ولكنه لم يقترب من النصوص الماركسية الكبرى مثل كتاب " الرأسمال "، وهو ما ندركه حين قراءتنا لـ دفاتر السجن حيث لا ذكر لكتاب رأسمال، لكن، من المستغرب، أن غرامشي يذكر بكثرة كتاب رأسمال في مقدمته لكتابه وكذلك كتاب ماركس الآخر أطروحات على فلسفة فيورباخ.
إن الإضافات الغرامشية للماركسية تمثلت بإعادة إحياء مفهوم المجتمع المدني، أي مجتمع التوسطات، الذي أهمله الماركسيين، باعتباره من آثار النظرية البرجوازية عند هيغل؛ وكان ماركس يرفض مفهوم التوسط الهيغلي ويعتبر المجتمع المدني هو مجتمع الإنتاج، أي البنية التحتية، بينما اعتبره هيغل هو مجتمع الحاجات، ومجتمع التوسطات في نفس الوقت، وأن الدولة تتعالى على الجميع، بوصفها تمثل الكلية الاجتماعية، أي التركيب الأعلى الذي يتجاوز التناقضات الموجودة في المجتمع المدني.
يقوم غرامشي، بهدف تشريع مفهوم "الهيمنة الأيديولوجية"، بالتمييز ما بين المجتمع السياسي الذي هو مجال المؤسسات السياسية والمراقبة (الجيش، الشرطة والقضاء)، والمجتمع المدني الذي هو مكان المؤسسات الثقافية (الإعلام، الجامعات، المثقفين) وفي وسطه تتحقق الهيمنة الأيديولوجية للطبقة البرجوازية، وبالمحصلة، لا بد من الإنخراط في الصراع الأيديولوجي القائم في المجتمع المدني لتحقيق الهيمنة الأيديولوجية للبروليتارية.
لكن، إذا كان لينين وغرامشي رفضا القيام بهذا الواجب (أي العمل المباشر على "رأس المال" عمل ماركس الرئيسي)، فماذا عن الماركسيين اللاحقين لـلينين والمعاصرين لـغرامشي والورثة الحاليين لهما؟ طبعاً، هناك من المفكرين الماركسيين من قام بمراجعة ماركس خصوصاً كتاب رأسمال، وأهمهم الفيلسوف الفرنسي لويس ألتوسير (1918 ــــــ 1990)، الذي ألف كتابين هما: << من أجل ماركس >> (3) و << قراءة رأس المال >> (4).
قدم ألتوسير في هذا الكتب مجموعة من الأفكار منها: مفهوم "القطيعة الايبستيمولوجية" (5) في داخل عمل ماركس (والمفهوم أخذه عن الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار)، ونقد النزعة الإنسانية، التي اعتبرها ألتوسير عبارة عن إيديولوجيا. ووجه ألتوسير في هذا الكتاب نقداً عنيفاً ضد روجيه غارودي المفكر الثاني في الحزب الشيوعي الفرنسي بعد ألتوسير في الستينيات، بسبب محاولة غارودي المصالحة بين الماركسية والدين.
إن أهم ما جاء في هذا العمل، هو بلا شك، هو مفهوم "القطيعة الايبستمولوجية" الذي رسمه ألتوسير في عمل ماركس. لاحظ ألتوسير أن أعمال ماركس الشاب، أي قبل كتاب الضخم << رأس المال >>، ما زالت تحتوي مفاهيم تعود للفلسفة المثالية، كمفهوم الاستلاب.
أما من المفكرين غير الماركسيين فهناك كثيرين ممن عملوا على النظرية الماركسية بالنقد والتفنيد من أمثال الفرنسي ريمون آرون الذي رفض نظرية فائض القيمة الماركسية خصوصاً، وبصورة عامة المادية التاريخية عند ماركس.
لينين كان قد نبّه الى التمييز ما بين إعادة مراجعة الماركسية والنقد الهادف الى تصفية الماركسية؛ ولينين نفسه قدّم تطويراً مهماً في نظريته حول (الامبريالية المرحلة الأعلى من مراحل الرأسمالية)، وكذلك قدّم غرامشي تطويراً مهماً يتعلق بالبنية الفوقية ومفهوم الهيمنة الأيديولوجية في المجتمع المدني الذي أهمله ماركس. تلك التطويرات في النظرية الماركسية هي إغناءاً مهماً للنظرية الماركسية، لا يمكن التقليل من أهميتها. يرفض لينين اعتبار هذه التطويرات في النظرية كتصويب علمي لصياغات ماركس. ان الماركسي، حسب لينين، لا يقول أبداً أن (ماركس قد أخطأ) كما يدّعي المناهضين للماركسية.
(1) يعتبر جورج أورويل من المفكرين الاشتراكيين المحافظين؛ نشر روايته عام 1949، والشخصية الرئيسية فيها تُسمى بالأخ الأكبر وهي كناية عن النظم الشمولية البوليسية والمراقبة الشديدة التي تفرضها على الناس. ترجمت الرواية للعربية عام 2006، وقام بترجمتها أنور الشامي (المركز الثقافي العربي، بيروت والدار البيضاء). وقد نشر الكاتب الجزائري بوعلام صنصال محاكاة معاصرة لها سماها << 2084: نهاية العالم >> (باريس، غاليمار 2015)، يحذر فيها من تنامي الخطر الإسلام الأصولي الراديكالي، ويتنبأ فيها بأن الإسلاميون سوف يحكمون العالم عام 2084.
(2) الترجمات العربية لغرامشي: هي ترجمات غير كاملة لعمل غرامشي الذي يتألف من 33 كراس (دفتر) كتبها في السجن. هناك كتاب << كراسات السجن >>، ترجمة عادل غنيم (دار المستقبل العربي، 1994)، وهي ترجمة عن اللغة الإنكليزية. وكتاب << رسائل السجن: رسائل أنطونيو غرامشي الى أمه 1928 ــــــ 1934 >>، ترجمة سعيد بو كرامي (طوى للثقافة والنشر والاعلام، لندن، 2014ط1).
(3) لويس ألتوسير، << من أجل ماركس >>، مرجع فرنسي، دار نشر ماسبيرو، عام 1965، مع مقدمة لـ إتيان باليبار. والكتاب عبارة عن مجموعة مقالات كان قد كتبها فيما بين عام 1960 و1965، ونشرها في المجلات التي ينشرها الحزب الشيوعي الفرنسي. وفيها مقالات عن ماركس ولينين وماو، ومقالات أخرى. لا يوجد الى يومنا هذا ترجمة بالعربية للكتاب، على الأقل من خلال تفتيشي عليها ضمن الشبكة النتية.
(4) كتاب << قراءة رأس المال >>، مرجع فرنسي، نشر الكتاب عام 1965 (دار النشر: ماسبيرو، باريس)، وهو كتاب مشترك، كان في الأصل عبارة عن حلقة دراسية حول كتاب ماركس ترأسها ألتوسير عامي 1963 1964، نتجت عنها كتاب ضخم ونشر في مجلدين، أشرف عليه ألتوسير وشاركه فيه فلاسفة فرنسيين آخرين في كتابته هم: إيتيان باليبار وجاك رونسيار وبيير ماشيريه وروجيه إيستابله، وكلهم من المختصين بالفكر الماركسي، والكتاب ولا أعرف على علمي أن له ترجمة عربية.
المراجع
1) لويس ألتوسير << كتابات في التاريخ >> (المنشورات الجامعية الفرنسية، 2018)، جمعها وحققها مايكل غوسغاريان، وهي عبارة عن مقالات كان ألتوسير قد كتبها بين عامي 1963 و1989.
2) أنطونيو غرامشي << دفاتر السجن >> (غاليمار، 1971)، مرجع باللغة الفرنسية، مترجم مباشرة من الإيطالية، ترجمة: هيلين آلباني، كريستيان دوبوييه، جورج سارو.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب


.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in




.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي