الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكريات

ضيا اسكندر

2018 / 10 / 13
كتابات ساخرة


كانت عقوبتي عندما كنت صغيراً لا أتجاوز الثامنة من عمري، هي الحبس في التواليت المشترك مع الجيران.
فقد كان أبي يفضّلها على غيرها من العقوبات، ويفرضها عليّ بمنتهى القسوة لإذلالي وتطويعي، بغية تأديبي وردعي من ارتكاب المخالفات الصبيانية (وما أكثرها في مرحلة شقاوتي) التي تشير بمجملها إلى أنني سأكون في المستقبل متمرداً على كل ما لا أقتنع به ومهما كانت النتائج. وكأنَّ أبي يقرأ طالعي بصفحةٍ مكشوفة لسنين قادمة عديدة.
وتشاء الأقدار أن تعاقبني السلطة الحاكمة بذات العقوبة بعد أن كبرتُ وتعاطيتُ السياسة. فتزجّ بي في زنزانةٍ منفردة تشبه إلى حدٍّ كبير ذلك التواليت البعيد الذي كنت أقضي فيه عقوبتي وأنا طفل.
السلطتان (الأبوية والحكومية) كلتاهما ظالمتان. وإذا كنت أتفهّم قسوة أبي وصرامته بسبب حرصه عليّ لمصلحتي - حسب رأيه. فإن قسوة السلطة الحاكمة عليّ وعلى أمثالي، كانت لمصلحتها.
والمفارقة في عقوبة السلطتين، أنني في الأولى عندما يُفتح باب التواليت من قِبل أحد الراغبين في استخدامه فإنه ينظر صوبي ببسمة متعاطفة ويبرطم ببعض الكلمات التي توحي باستنكاره لهذه العقوبة. وبدوري فقد كنت أخرج مطأطئاً راسماً ابتسامة مصطنعة. وتنتابني مشاعر مختلطة ما بين الخجل من هذا الموقف المزري، والراحة النسبية بتنشّق الهواء الطبيعي ولو لدقائق، ريثما أعود إليه بعد فراغ مستخدمه من قضاء حاجته. أما في الحالة الثانية، فعندما يفتح السجّان باب الزنزانة الحديديّ، ويصدر ذلك الصليل المرعب، ويرشقني بسيلٍ من الكلمات الفاجرة، فقد كانت فرائصي بمجموعها ترتعد، نتيجة زخّات الخوف التي تنهمر عليّ من تراثهم الإجرامي معي ومع غيري؛ لأنني سأواجه بعد قليل عذاباً قلّ نظيره في عالم «التأديب».
نعم، هكذا يُبنى المواطن في شرقنا الرهيب!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-


.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ




.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ


.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني




.. بعد فيديو البصق.. شمس الكويتية ممنوعة من الغناء في العراق