الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القدس أم أورشليم؟ إنها قسمة ضيزى

محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)

2018 / 10 / 13
القضية الفلسطينية


تلعب القدس دورا مركزيا في الاستراتيجية الصهيونية منذ بداية بناء مشروعها القومي لمجتمع المستعمرين اليهود في فلسطين و استكماله بقيام الدولة , ومثل هذا الدور يجعل من غير الممكن التنازل عن المدينة أو أجزاء منها للفلسطينيين , وطالما بقيت الاستراتيجية الصهيونية دون تغيير ستظل مركزية القدس -بما تمثله بطبيعة الحال- تلعب دورا ناظما لتثبيت هذا استراتيجيات العمل الصهيوني والحيلولة دون تفككه أو ذوبانه ,ولن يخرج عموما عن الإطار الذي رسمه بن غوريون في حديثه مع صحيفة يابانية بعد احتلال القدس الشرقية في حرب حزيران 1967 أن "إسرائيل ستنسحب من شبه جزيرة سيناء بعد توقيع سلام مع مصر، والأمر ذاته سيحدث مع سوريا، أما في الضفة الغربية فسوف تقام دولة تتمتع بحكم ذاتي برعاية الأمم المتحدة - لكننا سنحتفظ بالقدس إلى الأبد-على الرغم من جميع القرارات التي ستتخذها الأمم المتحدة، فالقدس كانت عاصمة لإسرائيل على امتداد ثلاثة آلاف سنة وستبقى كذلك في المستقبل". وهذا ما يفسر جوهر الصراع القائم , أي التنازل عن الأرض, وعدم إمكانية حسمه لصالح أي طرف , على الأقل في المدى المنظور, رغم تفاوت موازين القوى الهائل بين الطرفين لصالح إسرائيل ,ولعل الصراع المضمر على القدس- وهو بخطورة الصراع العلني المكشوف-يؤكد هذا الأمر, ففي حين تستطيع إسرائيل الاحتفاظ في القدس عن طريق احتلالها العسكري و حشر آلاف المتطرفين و المستوطنين فيها ,فمن المشكوك فيه أن تكون قادرة على تحقيق سيطرتها على المدينة. ومن ناحية أخرى يبدو الشرط الوجودي الفلسطيني عنيدا بالنسبة لإسرائيل و عصي على الفناء مثله مثل الأرض الفلسطينية التي أثبتت عنادا أكبر و استعصاء أشد صلابة ورغم كل ما يمكن أن هذا الأمر من قدرة هائلة للفلسطينيين على تحدي الهيمنة الإسرائيلية، بيد أنهم سيجدون صعوبات جمة في انتزاعها من إسرائيل, و إذن المعركة مركبة فالحرب الحقيقة ليست على حدود ثابتة و قضايا أمنية و مسائل وضع نهائي بل هي معركة تساءل هذا الشرط الوجودي لكل طرف يدعي أحقيته في المكان , ولذلك تتحول الرموز و الأحداث إلى طرفين متباعدين حد التناقض , فالخامس عشر من أيار 1948 هو "يوم الاستقلال" بالنسبة للإسرائيليين وهو عيد وطني تزدان فيه الشوارع و الساحات و البلدات بالأعلام و يستذكرون فيه " شهدائهم" ,في ذات الوقت الذي يمثل فيه بالنسبة للفلسطينيين يوم النكبة التي تعد -بحكم تعريفها وطبيعتها- أوضح جريمة ارتكبت بحق شعب اغتصبت أرضه في وضح النهار , وما انفكت تكثف الواقع الفلسطيني وتغذيه بنسغ الحياة و المقاومة.و بموازاة ذلك فإسرائيل التي تحكمها عقدة الوجود كدولة يهودية صهيونية لا تستطيع أن تقدم تنازلات هامة على مستوى الأرض دون تعريض هذه الوجود لخطر داهم، لا تكف عن القيام و بشكل منهجي بتغيير معالم القدس واعتبارها العاصمة الموحدة لإسرائيل منذ العام 1980 ،وقبل ذلك أصدر الكنيست قرارا تشريعيا في 27-6-1967 ,أي بعد أسبوعين من احتلال القدس الشرقية يقضي بتوحيد المدينة بقسميها، ليبدأ بعدها سيل الاستيطان الذي لم يتوقف مترافقا مع خطط البنى التحتية وهو تعبير يشير إلى تبديل التوزع السكاني في المدينة وتثبيت أغلبية يهودية فيها وعزلها عن بقية مناطق الضفة الغربية المحتلة.ولذلك يقال في إسرائيل أن" الكفاح من أجل انتزاع فلسطين كان في جوهره كفاحا "جابوتينسكيا" ,لأن جابوتنسكي هو أفضل تعبير عن الصهيونية كحركة سياسية كرمز معياري عقائدي للعديد من المضامين الحقيقية للحركة الصهيونية و مشروعها في فلسطين. وحيث أن السيطرة على الأرض هو الممارسة العملية لهذه المضامين فكان "الحفاظ على نقاء الأرض" يتطلب "إخراج العرب الفلسطينيين و توطينهم من جديد في البلاد التي يقال أن أسلافهم هاجروا منها الى فلسطين قبل قرون ".غير أن هذا دونه خرط القتاد ,فقد لاحظ جابوتنسكي منذ البداية أن "إيجاد أغلبية يهودية في فلسطين لا بد أن يتم ضد رغبات الأغلبية العربية الموجودة حاليا في البلاد و لا بد من وجود جدار حديدي ,من القوات اليهودية المسلحة لحماية عملية تحقيق وجود الأغلبية اليهودية ". ورغم إدراك الصهاينة الأوائل أن العرب يعيشون على الأرض، ورغم معرفتهم، أيضا، أنهم لن يتخلوا عنها عن طيب خاطر. فقد تعمدوا ,في انعطافة استعمارية, بما يتوافق مع الطبيعة الإحلالية للمشروع الصهيوني ، إلى النظر لفلسطين على أنها مكان "فارغ" من سكانه فتم اختزال الفلسطينيين إلى مجرد "شيء" أخرس ,شيء ما طارئ من التاريخ، أناس كانوا ذات يوم "هنا" في زمن ما وتاريخ ما .وقد سمح عدم الاعتراف هذا الذي يتكأ على أسس إثنية/دينية تميل للتفوق المطلق , و متسلح بعقيدة تدميرية للغير حفاظا على " النقاء القومي لشعب الرب " إلى تمزيق الفضاء الفلسطيني من خلال سلسلة عنف متعاقبة تؤدي في النهاية إلى التصدع الاجتماعي و السياسي و المكاني للوجود الفلسطيني و تفتق غلالة حياته اليومية بهدف تحقيق الحلم الصهيوني في توحيد "الدياسبورا" في دولة ذات أغلبية يهودية . و قد ساهم هذا المزيج ,بفضل تثبيت مواقع القوة الاستعمارية , بتقميط الأرض الفلسطينية بأربطة استيطانية هدفها النهائي جعل حياة الفلسطينيين " لا تطاق" ,حياة لا يحكمها قانون و لا تحدها حدود , فمن حق سلطة الاحتلال في التدخل في مصير هذه الحياة من خلال قدرتها على أن تطل داخليا عليها مما يستدعي سلسلة من الالتواءات المقصودة و الاستثنائية ضمن فضاء يتكاثر فيه منسوب التطرف ويتداخل مع الواقع العنيد للفلسطينيين و القانون الاستعماري ذو النزعة الاستشراقية ويحاول-هذا الطراز-جاهدا عقلنة مشروعه الاستعماري , و لا يوجد ثمة تناقض هنا كما يبدو للوهلة الأولى فالعقلنة هي التي تجعل الغرب لا ينظر لإسرائيل بوصفها استعمار (قد يرغب البعض بوصفها احتلال ولكن ليس استعمار) , كما أن "التطرف" أيضا هو الذي يسمح للبعض أن يعتبر أن من حق إسرائيل في الدفاع عن مواطنيها "المسالمين " بما فيهم المستوطنين في الضفة و القدس و الكيل بأكثر من مكيال في نظرتها لـ "مواطني الدولة من غير اليهود" و الذين تتعامل معهم " كفائض قيمة" أخلاقي يحكمه وهم "أوشفيتز" ( أن تكون يهوديا, يعني أن تكون مهددا دائما) مشرعنا بذلك العدوان و الإرهاب المنظم و القتل الممنهج كجزء من الحياة اليومية استنادا إلى فهم إيديولوجي يفترض إبقاء اليد على الزناد باعتبار أن حرب 1948 لم تنته بعد ,كما عبر عن ذلك يوئيل ماركوس في هآرتس 2/6/2006 م. " إن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي لم يمر عليها يوم طيلة وجودها من دون عمل حربي " ، و إن كان لا بد من السلام "معهم" فيجب أن يكون بعد هزيمتهم بما يعبر بصورة فظة عن جوهر البرغماتية الإسرائيلية القائلة بأن شرط السلام إسرائيلياً لا يعني بأحد معانيه التنازل بالضرورة بقدر ما يعني قبول العرب وجودياً بإسرائيل, وهو ما يراهن عليه العقل السياسي في إسرائيل والمحتمل حدوثه في أي وقت ،حيث كف العرب ,رسميا, منذ زمن ليس بقصير عن التفكير في الحرب و استبدلوا مقولة "القضاء على إسرائيل" بمبادرة قائمة منذ سنوات لم تكلف إسرائيل نفسها عناء قراءتها.
قامت الحركة الصهيونية , من أجل استكمال استعمار الأرض وتكوين أغلبية "إثنية يهودية" بالاتكاء على نسق سياسي تجريبي يقتات من الجو العام الذي كان سائدا في أوروبا بما يخالف بطريقة ما، الأنساق الاجتماعية للجاليات اليهودية المنتشرة في أنحاء العالم وفرض واقع جديد يعمد إلى تغيير الكثير من جوانب و مظاهر اليهودي -تحديدا في أوروبا- حتى النصف الثاني من القرن العشرين .ولذلك توجهت الصهيونية نحو خلق علاقة تاريخية بين الجاليات اليهودية في العالم و فلسطين بالاستناد على النص التوراتي و تكريسه كنص تاريخي شمولي خطي غير قابل للعكس يضمن ارتباط اليهودي بالأرض بوصفها أرض وعد إلهي مستمر للعبرانيين القدماء ومن بعدهم لليهود الحاليين-كورثة و أحفاد العبرانيين- ,فكان الإصرار الصهيوني في إعادة تمثل الوطن اليهودي المتجسد" في الأسس الرمزية للأمة الإسرائيلية ,ولهذا كان التوجه نحو "عبرنة" المكان من خلال إعادة رسم الخارطة القومية أكثر من مجرد عملية نسخ وترجمة, أي كان يعني كتابة نص عبري أكثر من كونه استخدام نص عبري موجود. وبهذا المعنى، كانت الخارطة العبرية بمثابة النص الأولي للتجديد الصهيوني. وتكمن أهميته في هذا السياق بدمج لغة المشهد المكاني في فضاء الثقافة العبرية الناشئة ودمج الإيديولوجية الصهيونية في الممارسات المكانية في الحياة اليومية .وقد أبرزت عبرنة المشهد المكاني بوصفها جانبا من جوانب تشكيل الدولة رمزية إعادة الاستيلاء على الوطن اليهودي في الإطار العام للاستقلال القومي كما أكدت الخارطة العبرية القومية (بوصفها نصا رسميا يؤكد هوية يهودية الدولة) على ضرورة دمج الجوانب الثقافية الإقليمية في معنى السيادة الإسرائيلية .فعمدت الحركة الصهيونية إلى صهينة الجماعات اليهودية الأوروبية و تاليا أسرلتها في مساعيها الرامية لإنجاز مشروعها القومي , ولكي تنجز هذه المهمة , لابد لها من مصادرة الحاضر والاستيلاء على الماضي من خلال نفي "وعي النفي" اليهودي عن هذه الجماعات في فضاء يعج بأفكار ولغة و مفاهيم استشراقيه عن فلسطين ركزت على وحدة وأصالة اليهودي الأوروبي الذي لن تكتمل "يهوديته" إلا بالهجرة إلى" فلسطين /إسرائيل ". وهنا يتداخل رجل العصابات مع المؤرخ والآثاري وعالم الاجتماع ورجل السياسة في إسرائيل في تدافعهم الحثيث لخلق علاقة تاريخية بين يهود العالم و فلسطين من خلال أجندة "قومية" أحد ركائزها يقوم على تحويل التوراة من كتاب ديني إلى كتاب تاريخي ذو بعد سياسي يضفي الشرعية على استعمار الأرض ويستغل النصوص لدينية و أساطير ورموزها للتشبث ولو وهماً بأي أساس يعتقد أو يراد له أن يكون تاريخي يثبت أن هذه الارض كانت للعبرانيين واليهود , ولذلك واظب السلوك السياسي الصهيوني و من بعده الإسرائيلي في فلسطين على الممارسة المباشرة للوصول إلى أغلبية يهودية ستمهد بدورها في نهاية المطاف لاختفاء الفلسطينيين من الوجود ,فتطهير الأرض من الفلسطينيين هو معجزة بل" إنه التبسيط المعجز لمهمة إسرائيل" على حد قول حاييم وايزمان . و يتفق جميعهم على شعار "إسرائيل عبر العصور" الذي تنقشه السلطات الإسرائيلية على بوابات متاحفها, و التي هي بدورها تتويجا لمقولة هرتزل "إذا حصلنا يوما على القدس, وكنت ما أزال حيا و قادا على القيام بأي شيء, فسوف أزيل كل شيء ليس مقدسا لدى اليهود فيها, سوف أحرق كل الآثار التي مرت عليها قرون". ولعل هرتزل كان واضحاً في فهمه المستند على الخلفية الاستشراقية الممتزجة بالجوهر الحقيقي للصهيونية الإحلالية حينما تحدث أيضا عن استخدام "المواطنين الأصليين" في قتل الثعابين الكبيرة والحيوانات المفترسة الأخرى ثم إعطائهم وظائف في دول أخرى يقيمون فيها بصفة مؤقتة إلى أن يتم اختفاؤهم بشكل كامل". و يتداخل هذا الفهم الصهيوني "العلماني " مع مقولات أشد عنصرية و إقصائية يمثلها التيار المتطرف في الصهيونية الذي يتبنى ذات الشعارات الانعزالية و العنصرية إلا أنه يستند أيضا إلى خليط من التراث اليهودي المتطرّف تؤلف فيه "أرض إسرائيل و شعب إسرائيل و التوراة" قاعدة أساسية لا بد من تحقيقها قبل حضور "المسيح المخلّص"، و بالتالي يشكل نقاء الأرض و استيطان ضفتي الأردن شرطين مسبقين لتحرير الشعب اليهودي، وهي المهمة التي تقع على عاتقهم و التي جاءت "بأمر الرب". و وفق هذا الفهم تم اعتبار رابين "خائناً لأرض إسرائيل " فقط لأنه فكّر "جزئيا وبطريقة صهيونية صرفه" بإعادة بعض الأراضي للفلسطينيّين. الأمر الذي من شأنه خلق تأويلات عنصرية و شوفينية لخدمة الأهداف والاحتياجات القومية وهي غالبا ما تنطوي على فكرة تفوق عرق أو جماعة إثنية ما وحقّه في حكم الآخرين، وإلا فإن الربّ سيصب لعناته وغضبه على "شعب إسرائيل “إذا ما فكر في التخلي عن جزءٍ من أرض إسرائيل التوراتية. وليس أقل من ذلك ما قاله يسرائيل مئير لاو الحاخام الرئيسي الأشكنازي في كانون ثاني 2001 في رسالته الى إيهود باراك بأن إسرائيل (ارتكبت "خطأ تاريخيا" عندما تخلت عن السيطرة على "جبل الهيكل" لصالح الأوقاف بعد احتلال إسرائيل للقدس الشرقية وأن [موشي] ديان ارتكب خطئاً فظيعاً لأن " تسليم مفاتيح جبل الهيكل إلى سلطة الوقف كان غلطة تاريخية كبرى سنبكي عليها على مدى أجيال "مؤكدا على أن رابطة الشعب اليهودي بأورشليم والأماكن المقدسة تأسست قبل أي ديانة أخرى أتت إلى هذه العالم. موشي ديان هذا الذي يوصف "بالعاق" و "العلماني"، هو ذاته من كان يشعر بالسعادة ويمتلئ قلبه بالغبطة خلال زياراته المتكررة للضفة الغربية بعد حرب 1967 حينما كان ينقب عن الآثار و يجمعها( في الحقيقة ديان كان لصا) و يقرأ عبارات على لقى معدنية فضية يزعم أنها كتبت [بالعبرية القديمة]" شاقل إسرائيل" أو "أورشليم المقدسة" أو " العام الأول لتحرير اورشليم" أو " العام الثاني لتحرير إسرائيل". مثلما يزعم في مذكراته ,ويثير موشيه فيجلين رئيس منظمة هذه أرضنا [زو أرتزينا] تساؤلا عن كيفية "خوض نضال من أجل جمع أوصال الأمة إذا ما أدرنا ظهورنا عن قلب الأمة؟ ينبغي علينا أولا وقبل كل شيء، أن نبدأ بقول الحقيقة لأنفسنا. وعندما قمنا نحن [إسرائيل] بإنزال العلم بعد الاستيلاء على جبل الهيكل في حرب الأيام الستة، كان ذلك بداية انهيارنا في يهوذا والسامرة والجولان". لذلك ستكون القدس و في أي مخطط صهيوني مستقبلي قوة جذب للمهاجرين اليهود و مركز استقطاب عبر مراحل الاستيطان لاستكمال بناء الوطن القومي لليهود ,للتأكيد على الارتباط الديني العميق بالمدينة المقدسة , التي هي المآل النهائي للخلاص .الأمر الذي سيقود المدينة بطبيعة الحال لأن تكون محور صراع تلعب دور الاسمنت اللاصق أو الديناميت المفجر لكلا المعسكرين الفلسطيني و الإسرائيلي ,فالقدس/أورشليم بوصفها محور إجماع سياسة وطنية لكلا المعسكرين , يجعل أي خلاف سواها ثانوياً مقارنة بأهميتها . والصراع المضمر على القدس- وهو بخطورة الصراع العلني المكشوف-يحوم حول ما إذا كانت القدس "الموحدة " عاصمة لإسرائيل , أم القدس الغربية فقط , و ليس حول أحقية الفلسطينيين في أن يكون جزء من المدينة عاصمة لدولتهم المنتظرة
وليس صعبا الاستدلال ,هنا, على حقيقة رجعية الأفكار الصهيونية و ما تمثلها فواقع الأمر يبرهن, ليس في فلسطين فحسب بل في معظم أجزاء الكرة الأرضية, أنه على الرغم من أن الصفات الإثنية للناس هي صفات حقيقية و واقع الانتماء الإثني هو واقع حقيقي وهو أكثر وضوحا في عالمنا المعاصر بسبب الصراعات التي تتولد عنه منه فإنه مع ذلك لا توجد صفة واحدة و وحيدة و لا مجموعة صفات محصورة أو مقتصرة على جماعة من الناس دون غيرهم مثل لون الجلد أو اللغة أو التقاليد أو الدين أو غيره .وإذن، يعيش الإسرائيلي (السياسي) من الناحية البراغماتية حالة فصام بين القبول [بالواقعية السياسية] من خلال التفاوض مع الفلسطينيين وبين المشروع الصهيوني الذي يرفض الآخر. لذلك هو يفضل أن يبقى في (منزلة بين المنزلتين) فالعقل السياسي الإسرائيلي هو ,بحق, ظاهرة، لاعقلانية غريزية لا إنسانية ,توراتية في أحد وجوهها. عقل ذو منطق ديني رجعي ميتافيزيقي يعيش مجده الخاص خارج المكان و الزمان ,عقل مريض بعقدة التوحد مع المعتدي ( إزاحة الاضطهاد النازي على الفلسطيني) ,فالفلسطيني هو مقلوب الإسرائيلي بالمعنى الوجودي و على هذا لن يقبل هذا العقل بوجود الفلسطيني شريك وجار له مهما كانت المسوغات و الضغوطات .
تظهر القدس في الخطاب السياسي الإسرائيلي بوصفها كائن عضوي في علاقتها مع البشر لتحدد بذلك وبشكل مسبق الانتماء "لشعب الرب “. ويقوم هذا الخطاب " لاسيما الشق المتجه نحو الآخر"، ومن خلال مضامينه الصهيونية على ركيزة ترى بأن أي حل للمسألة الفلسطينية –بما فيها القدس- لن يكون سوى الحل الذي تفرضه إسرائيل على الأرض من خلال القوة والقوة فقط, هذا هو جوهر التنازل الذي يمكن أن يقدمه العقل السياسي الإسرائيلي سواء تعلق الأمر بالقدس أم بفلسطين عموما . يقابله خطاب فلسطيني رسمي ضعيف بقدر ما هو مرتبك ، فاتخاذ القرار- أي قرار بالنسبة للسلطة (الفلسطينية) يعني بالدرجة الأولى الحفاظ على الذات ضمن هامش تسيطر عليه إسرائيل و تسيره كما تشاء و ترغب و هي –أي إسرائيل- لا يساورها شك في أن الدول الحليفة و الصديقة لها سوف تتفهم أي قرار تتخذه إسرائيل ,كما حدث في حروبها المتكررة و كما حدث في ضم الحرم الإبراهيمي لقائمة التراث الوطني اليهودي و كما يحدث و سيحدث في استكمال استيطان الأرض الفلسطينية كلها –سواء في القدس أم في الضفة- بما يؤكد على المستوى الإسرائيلي بأن قوة إسرائيل لا تكمن فقط في القدرة "الدفاعية" الرادعة بل أيضا بما يبرر ارتباط الإسرائيليين في الأرض. ويؤكد استمرار عمل الطبقة السياسية الحاكمة الإسرائيلية بعقيدتها الصهيونية ومواصلتها وضع المستوطنين على فوهة المدفع لمواجهة الفلسطينيين بدعم من الآلة العسكرية الفعالة وأن مقتل مستوطن هنا وطعن آخر هناك له ما يبرره في حساب التكاليف الذي يتطلب أحيانا إراقة الدم الاسرائيلي " الالهي والمقدس" .ومع آخر المخططات الإسرائيلية بشأن القدس الرامية إلى إقرار هدم 30 % من البيوت " غير الشرعية" في الجزء الشرقي من المدينة على حد قول رئيس بلدية القدس "نير بركات" سيتم منح الـ70 % وضعا قانونيا جديدا بحيث سيؤدي مثل هذا المخطط إلى هدم حوالي 6000 منزل و ذلك ضمن " المناطق الخضراء أي المناطق المخصصة للحدائق العامة ,دون أن يشير إلى أن ذلك سيؤدي حتما إلى هدم منازل في مناطق تعتبر حيوية تسعى إسرائيل لضمها في أي حل سياسي مقبل و تشمل تلك المناطق حي البستان في سلوان و منطقة راس العمود و الشيخ جراح و البلدة القديمة و غيرها, و سيتكفل جدار القدس و الذي تفضل إسرائيل تسميته " غلاف القدس" بالبقية حيث ستقوم إسرائيل بموجبه بضم حقيقي بطول 22 كم لمساحة تزيد عن 400 كم 2 , أي نحو 7% من مساحة الضفة الغربية يقيم فيها ما يزيد عن 270000 مستوطن و يعيش فيها حوالي 280000 فلسطيني و سيؤدي إلى عزل القدس الشرقية عن بقية مناطق الضفة ,ويتساوق المخطط الإسرائيلي للقدس مع الجهود المحمومة للبعثات الآثارية و التنقيب في القدس والتي يطلق عليها تحببا تعبير "حمى البحث عن إسرائيل التوراة", لعلهم يعثرون على رقم هنا أو كسرة فخار هناك تروي قصصا عن "ءرص إسرءيل ", ورغم فشل علم الآثار فشل حتى الآن في تأكيد "تاريخية " العهد القديم في فلسطين فالحفريات الآثارية في القدس خصوصا وفلسطين عموما مازالت مستمرة وهي إنما "تخدم هدف التعرف على تاريخ هذه المدينة منذ بدايتها حتى أيامنا هذه كما هو مذكور في التوراة" كما يؤكد ذلك يوسف أبيرام عالم الآثار الإسرائيلي والعضو في جمعية أبحاث إسرائيل حيث الهدف هو "بحث في التوراة في أرض التوراة".
مثل هذا الخطاب شديد الإيحاء هو خطاب غير منقطع بحيث كان يمكن لـ"وليم طومسون" كبير أساقفة يورك أن يقول في الجلسة الافتتاحية لجمعية صندوق اكتشاف فلسطين التي عقدت في الثاني من أيار عام 1856" إن السبب الكامن وراء توجهنا نحو فلسطين هو أن فلسطين هذه بلادنا" .ويتابع بهدوء وراحة يحسد عليها :" إن هذا البلد فلسطين عائد لكم ولي، إنه لنا أساسا. فقد منحت فلسطين لأبي إسرائيل بالعبارات التالية: “هيا امش في الأرض طولا وعرضا، لأني سأعطيك إياها" ونحن عازمون على المشي عبر فلسطين، بالطول والعرض لأن الأرض منحت لنا، إنها الأرض التي تأتي أنباء خلاصنا منها. إنها الأرض التي نتوجه إليها بوصفها منبعا لجميع آمالنا، إنها التي نتطلع إليها بوطنية صادقة تضاهي حماسنا لدى النظر إلى إنجلترا القديمة العزيزة هذه" . وإذا كان المثل يقول" احفر في رأس الأمريكي ستجد الإنكليزي حتما" فهذا ينطبق على ما عبر عنه نائب الرئيس الأمريكي الأسبق آل غور حين يقول مخاطبا الإسرائيليين “يشعر الأمريكيون أن روابطنا بإسرائيل أبدية. لقد قام مؤسسونا ,كمؤسسيكم, برحلة في البرية بحثا عن صهيون جديد و كان نضالنا , كنضالكم , إلهيا كما كان بشريا, لقد أخبرنا أنبياؤنا و انبياؤكم , أن لديهم حلما و قد جمعونا بحلمهم لخوض هذا النضال من أجل العدالة و السلام" . وهذا ما يجسد رغبة محمومة مشتركة بين الفكرين الاصوليين الصهيوني و المسيحي في إعادة كتابة تاريخ فلسطين و المنطقة لتثبيت المزاعم و الادعاءات الصهيونية في فلسطين و ترسيخ وعي لدى الأجيال الإسرائيلية التالية بأنه " حين عدنا إلى هذا البلد لم نجد فيه أمة أخرى كانت قد عاشت هنا لمئات السنين .فالعرب الذين وجدناهم هنا وصلوا قبل عقود قليلة من وصولنا في ثلاثينيات القرن التاسع عشر و أربعينياته كلاجئين فروا من القمع الذي مارسه محمد علي في مصر" . فالفلسطينيون لا وجود لهم (هكذا بكل بساطة) وهذا ما أكده بلفور في مذكرة سرية وجهها إلى حكومته تتعلق بميثاق عصبة الأمم المتحدة وتبنيها لمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها: " هل نعني في حالة سورية مثلا أن نستمزج بالدرجة الأولى رغبات سكانها؟ إننا لا نعني شيئا من هذا القبيل. إن التناقض بين نص الميثاق [يقصد ميثاق عصبة الأمم المتحدة] وسياسة الحلفاء أشد وضوحا في حالة (دولة فلسطين المستقلة) منه في حالة (دولة سورية المستقلة) فنحن في فلسطين لا نعتزم القيام حتى بشكليات استمزاج رغبات أهالي تلك البلاد الحاليين.. إن الدول الأربع الكبرى ملتزمة بتأييد الصهيونية. فالصهيونية على حق كانت أم على ضلال، خيرة كانت أم شريرة، ذات جذور ضاربة في التقاليد التاريخية والحاجات الراهنة وآمال المستقبل هي ذات مغزى أعمق من رغبات ومشاعر سبعمائة ألف عربي يسكنون تلك البلاد حاليا. " .وهذا يتطابق مع التصور الصهيوني في رسم و إعادة رسم الحدث التاريخي للمنطقة ،فتم تحقيب تاريخ فلسطين القديم والحديث على أنه تاريخ إسرائيل المستمر و التواصل منذ نحو 5000 عام حتى يوما هذه من خلال استغلال الرموز الدينية التوراتية على وجه الخصوص و المسيحية المبكرة بشكل عام لتأمين أوسع جبهة ممكنة داخليا و خارجيا لهذا الغرض من جهة ، وإنكار أي وجود سابق لأي شعب في فلسطين من جهة أخرى، و هو أمر تتداخل فيه عوامل عدة بصورة يصعب فصلها، مما ينتج في نهاية المطاف المزيد من التصورات العنصرية الشوفينية الضيقة التي تلتف حول مقولات إثنية ضبابية غير محددة الملامح ملتحفة ذاتيا بمزيج أسطوري أريد له أن يكون تاريخا يبدو حقيقيا بوصفه معطى وليس منتجا .و يتجدد هذا المزيج الأسطوري و يتبدل بمنطق دائري سقفه اللاهوت و أرضيته القوة و البطش لمصلحة استعمار الأرض" فيهوذا سقطت بالدم و النار , و ستنهض مرة أخرى بالدم و النار " و ،"الطريقة الوحيدة لتحرير البلاد هي السيف"
تقوم الاستراتيجية الإسرائيلية منذ كامب ديفيد (وحتى الآن) على إدارة " عملية المفاوضات" و "عملية السلام" و ليس السلام بحد ذاته , حيث يمكن لأي مراقب للمنطقة و أحداثها أن يرى أن التسليم بوجود و بقاء بات بالنسبة للأنظمة العربية منطلق لأي تسوية سياسية ,و ما من أحد على هذا المستوى يناقش اكثر من رفع السياط من على الظهر الفلسطيني ,إذ تتجلى الرغبة الجامحة و المحمومة عند معظم الاطراف بقبر هذه القضية نهائيا علما بأن الرغبة المقررة في هذه التسوية هي الإسرائيلية بلا شك لأنها الأكثر حسما على أرض الصراع المباشر . ووفق هذا التصور قال إسحق رابين ,رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق-عشية توقيعه على اتفاق "غزة-أريحا أولا" في واشنطن في العام 1993 "على ياسر عرفات أن ينسى موضوع القدس نهائيا ... فهي ستبقى موحدة تحت السيطرة إسرائيل وعاصمتنا إلى الأبد “., فإذا كان العرب بحاجة للسلام مثل سعي إسرائيل له ,فليحصلوا عليه إذن و لكن دون أرض, كما عبر مناحيم بيغن عن ذلك ذات يوم بمقولته المشهورة (السلام مقابل السلام ).و إذا كانت حرب 1948,كما قال بن غوريون غير كافية لإقناع العرب و اقتناعهم بوجود إسرائيل فإن حروبا أخرى (,82 67, 56) واجتياحات متلاحقة كفيلة بإقناعهم إذا كان القتل الممنهج للفلسطيني غير كاف لإقناعهم بعدم جدوى مقاومة إسرائيل فإن حربا من نوع آخر طويلة الأمد مرهقة و قاسية و متواصلة تدمر المجتمع الفلسطيني وشل إمكانياته و تحول الشعب إلى مجموعة سكان بلا عمل تعيش على مساعدة المنظمات غير الحكومية ستكون كافية لهم للقبول بالحل الاسرائيلي على الطريقة الصهيونية بحيث تشكل ضغطا على المواطنين تدفعهم للتنصل من قيادتهم ,فإذا ما أخذنا في الحسبان عمق أزمة الحركة لوطنية الفلسطينية وجديتها فإن مثل هذا الحل الذي تمارسه اسرائيل لن يكون مكلفا لها من الناحية العسكرية , في ظل سلطة التنسيق الأمني والتي تخلت عن أهدافها الوطنية و بدلت نوعيا صيغ المقاومة المسلحة التي كانت محل إجماع فلسطيني في مراحل سابقة من نضاله الوطني لتشكل بذلك غطاء لاحتلال" سوبر ديلوكس". الأمر الذي يذكرنا بعمق و جدية المشكلة الفلسطينية ,وعلى هذا فإن إسرائيل, وباعتبارها الطرف الأقوى لن يضيرها الرأي العام العالمي إلى حد إجبارها التخلي عن "مناطق محتلة " أو" أراض متنازع عليها" .
و في الحقيقة فإن مسألة الراي العام يمكن أن تثار من زاوية أخرى فالكثير من التصرفات الإسرائيلية تعتبر من وجهة نظر صناع الرأي العام الغربي بالذات جريمة بشعة بحق الإنسانية لدرجة أنه لا يجرؤ أحد على عدم الظهور بمظهر معادات الممارسات الوحشية تلك ,ومع ذلك فإن هذه الجريمة مستمرة و بقوة و يقيم هذا الكيان علاقة عضوية و تعاون وثيق مع الدول الغربية و لديه أسبابه القوية ليستمر في سلوك ذات النهج المتوحش ،إذا ليس صحيحا على الإطلاق أن كسب الرأي العام يعني كسب معارك ضد أعداء على شاكلة إسرائيل ،علاوة على أن الإعلام الغربي المصدوم بإسرائيل و ببشاعة سلوكها العنصري هو في نهاية المطاف إعلام منحاز لإسرائيل. وقد وضع مثل هذا الموقف و مثل تلك الرؤية الفلسطينيين وجوديا أمام مسارين :الموت و/أو النسيان .و إذا كان الموت عاملا طبيعيا في حياة البشر فالمقصود بهذا العامل على مستوى المجتمع هو النتائج الكارثية التي نجمت عن تدمير البنى الأساسية للمجتمع الفلسطيني قبل العام 1948 م. غير أنه ليس هناك من يستطيع أن يؤكد زاعما أن النسيان كحالة إنسانية كان رهانا إسرائيليا ناجحا , فبحسب بعض التقديرات الإحصائية يتواجد نحو من 1،5 مليون يعيشون داخل الخط الأخضر بالإضافة إلى 4,5 مليون تقريبا في الضفة و غزة , الأمر الذي يسبب قلقا متزايدا للإسرائيليين و إخفاقا واضحا بشكل أو بآخر لجوهر المشروع الصهيوني و عقدة حل مستعصية , واللاجئون اليوم الذين يقدر عددهم بحوالي 6 ملايين من إجمالي عدد الفلسطينيين يمثلون خمسة أضعاف ما تم تهجيره من 675 قرية و مدينة , لم يخمد حماسهم يوما حتى في أحلك الظروف قتامة و لم يخفت صوتهم تعبيرا عن إيمانهم العميق بحقهم في العودة لديارهم ,وهذا الحماس المدهش في تنويعاته إنما هو دلالة وعي يتجدد و يتجسد في إدراكهم لقدرتهم على الاستمرار في الوجود والعيش بحلم عودة لا يخفت بريقه ,الأمر الذي يجبر العديد -حتى من أشد المؤيدين لإسرائيل- بالرجوع دائما للمربع الأول, أي اغتصاب الأرض و تشريد الشعب ،بمعنى الاقتلاع الوطني و الاضطهاد القومي ،وذلك عند الحديث عن أي مفاوضات محتملة .وتصريح كلود شيسون أثناء لقاءه مع ياسر عرفات في تونس (7/4/1988) خلال لقاءه مع الرئيس عرفات في تونس (7/4/1988) والذي جاء بعد أشهر من الانتفاضة الفلسطينية الأولى "انتفاضة الحجارة" يعبر عن هذه الحقيقة ،حين قال "إن مسؤولية الغرب عما يحدث جسيمة ،ففي العام 1948 عندما أقيمت دولة إسرائيل حكمنا على شعب بالتحول إلى لاجئين ،هناك أمثلة قليلة في التاريخ تشبه ما حدث عام 1948 ،و الواجب الآن العمل على أن يستعيد هذا الشعب حقوقه" ( لوموند 9/4/1988).واليوم بالذات تبدو القدس معرضة للهدم والتلاشي بكل قيمها الحضارية التي تمثلها عبر التاريخ بمجمل سياقاتها الاجتماعية والسياسية -بمعنى الفهم اليهودي /الإسرائيلي للقدس/أورشليم بالتوازي مع الفهم عينه الذي يراه العرب والفلسطينيون-وإن كان مثل هذا الفهم لكلا الطرفين يواجه تحديا من نوع آخر على الصعيد الآثاري على الأقل، ونظرا لأن مثل هذا الصدام لا يمكن الحؤول دون إنهائه راهنا ولو حتى بتقريب وجهات النظر، فإن الكل سيبقى متمسكا بموقفه وفهمه كما يراه هو وكما يتخيله ويحاول شرعتنه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح