الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل افلح الله في اختيار شخصياته ؟

سفيان توفيق

2018 / 10 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



يترتب على استخدام أداة الاستفهام "هل" وجود إجابة تنحصر ب"نعم" أو "لا"مع وجوب التعليل على ذلك ، كما يترتب على استخدام فعل "أفلح" وجود نتائج ايجابية من عدمها لمشروع المفروض انه تمت دراسته وبالتالي بناء على تصور مسبق نتج عنه دراسة جدوى كاملة أن لا خسران في هذا المشروع الخلافي ، الأمر الذي اقتضى العمل به انطلاقا من " أني جاعل في الأرض خليفة " ،، لكن التكملة في اختيار شخصياته توحي بأن هنالك نصا موضوع مسبقا ستسير عليه جميع الشخصيات ، كأي نص آخر ، وبالتالي بعيدا عن ارتباط لفظة شخصيات أو حتى قربها من البناء المسرحي أو الروائي أو القصصي ، إلا أن ذلك واقع يجب الأخذ به كوجود هذا العالم وما فيه كشخصيات في رواية ربانية سماها منذ الأزل ب"الخلافة" .
في البدء قال الله في القرآن " إني جاعل في الأرض خليفة" ، فكان الرد المنطقي بناء على تجربة حاصلة في الزمان غير المعلوم أن " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء" ، وجاء الرد الإلهي غير المنطقي بقوله " إني أعلم ما لا تعلمون"
فيا ترى ما الذي يعلمه الرب ولا يعلمه من كان من حوله من ملائكة وغيرهم قد شهدو تجربة مريرة ورد ذكر ملامح حولها واختلفت الروايات فيها والأقاويل حول وجود تجربة دامية سابقة احتكمت الملائكة لها في الحكم على مشروع إلهي ينوي الإله تجديده مرة أخرى عبر مصطلح جديد سمّاه ب"الخلافة" . ومع ذلك ، لم يخف الاسم الجديد عن ملامح هذه الخطة الجديدة أو الاسم لمشروع جديد ينوي الإله إحقاقه . فيا هل ترى ، أكان ماركس أحكم من الإله حين قال "من لا يعرف التاريخ محكوم عليه بتكرار مآسيه " .
لكن سفر التكوين قد أعطى للإله يوم إجازة بعد التعب الذي أصابه عبر عمليات الخلق التي استمرت ستة أيام ، كان آخرها هو اليوم السادس حين أمر الله اليابسة أن تخرج مخلوقات حية ، فقال في ذلك "لتخرج الأرض ذوات أنفس حية كجنسها :بهائم ،ودبابات،ووحوش ارض كأجناسها" (سفر التكوين ، الإصحاح الأول ، الآية 24) ثم قال "نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْض"(سفر التكوين ، الإصحاح الأول،الآية 26) . فكان التسلط هو الهدف ، هدف خلق الإنسان بأن يتسلط على غيره من طيور وبهائم ودبابات ، ثم عاد ليقول " ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن جدا " (سفر التكوين ، الإصحاح الأول ،الآية 31).
عودا إلى القران والتوراة والجمع بينهما في سياق محاولة معرفة ما الذي كان يخطر ببال الإله ، ولحظة خلق الإنسان وغيره ما الهدف الكائن منذ ذلك ؟ ألم يكن الأفضل للإله ولغيره من "مخلوقاته" أن يذهب الأمر بعيدا عن وجود أي مخلوقات له يقتضي حسابها في نهاية المشهد ، يقتضي تعرضها لنظام الثواب والعقاب عبر محاكمة عالمية هو سيكون فيها الخصم أكثر منه الحكم . الم يكن الأفضل أن يسمع الإله لنصيحة (كانت نصيحة له أكثر من كونها اعتراضا) و أن يتجنب الإله فكرة إعادة المشهد القديم حتى وان تمت تغيير الشخصيات ، إلا أن السيناريو واحد ، وهو سيناريو الفساد وسفك الدماء كما عبرت الملائكة بصريح العبارة .
لنعد ولنقول : لن نختلف حول تحديد زمان معين لبدء عملية الخلافة ،المهم أن كان لها لحظة بداية ،ولنقم بافتراضها بالنقطة صفر ، ثم سار الإنسان عبر المحور الديكارتي سائرا على البعد الأول أفقيا ، مبتدئا من الصفر وصولا إلى مرحلة أل 2018 ،والتي مثلت البعد الزمني ، في حين سيمثل البعد الصادي العمودي حجم القتل والدمار والفساد والدماء والحروب وكل ما ينغص العيش من فقر وبطالة وغيرها من المشاكل-ملاحظة يجب ذكرها ، وهي انه تم الكشف عن كل الحروب التي حصلت في التاريخ ، فتبين ان الحروب الدينية احتلت المرتبة الثانية بعد الحروب الاقتصادية من حيث العدد ، ولكن الحروب الدينية كانت الاشنع على مستوى غيرها ، ذلك لأنه في ظل هذه الحروب كان المبرر للقتل موجودا - . وسيقف الهدف الذي تمثل للإله لحظة بدئه خلقه لمخلوقاته على المستوى الزيني في العمق ، في حين سيقف الإله مراقبا على المستوى المعاكس للهدف في الاتجاه الآخر .
قال تعالى : "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا " تكريم وحمل في البر والبحر وتفضيل على غيرها من المخلوقات ، سؤال آخر قد ينبع في الذهن ؟ أيهما أسمى واشرف و أعلى مرتبة ، الملائكة أم الإنسان ؟ وهو ما سنجيب عنه في إطار لاحق .
المهم ، التفضيل سار من البداية ، وحصل الإنسان على مرتبة عليا من ناحية التمييز والتفضيل الإلهي للإنسان على غيره مما خلق الله ، ولكن ، ألا يفترض أن يسير هذا التمييز أو التفضيل ضمن الإطار العام أو الهدف الذي وجد الإنسان لأجله والذي نحا به لأن يكون خليفة يعمر الأرض ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، والذي اثبت التاريخ عبر مراحله بأحداثه وشخصياته انه لم يكن كما وضع له ، و إنما سار في الاتجاه المعاكس كليا ، والذي يتضح ذلك من حجم الدماء التي سكبت وحجم الأراضي التي اغتصبت ، وعدد الحروب والمعارك والغزوات والموتى والأرامل والسبايا والأيتام والفقراء والمشردين والمرضى . من يقرأ التاريخ يعلم ذلك ، ويعلم ما حصل وسيستطيع أن يتنبأ بما سيحصل ضمن المسار الديكارتي الذي اثبت سير العملية بشكل خطي لسير الإنسان مسيرة دموية عبر مراحله المختلفة وليخالف الأمر الرباني المسبق والفكرة القائمة في عقل الإله عن مسيرة الإنسان التي حملت هذا الحجم الهائل من الدمار .
كما أثبتت الشخصيات فقد اثبت التاريخ والحاضر والمستقبل الذي صنعته هذه الشخصيات او بالأحرى والأدق أو حتى الأحق السيناريو الذي وضعه الإله ضمن حكم مسبق بأن يكون الجميع خلفاء وان يستقر الإله على أمر الخلق الذي يقتضي ضمنيا ضمن الرد الإلهي على الملائكة انه يعلم ما لا يعلمون ، بذلك فان هؤلاء الخلفاء-ضمن حكم الإله وتفكيره – لن يفسدو في الأرض ولن يسفكو الدماء ، باختصار ، أن المسار الذي كان من المفترض أن تتبعه الشخصيات وان السيناريو الموضوع لم يفي بالغرض ولم يكن مؤهلا بالقدر الكافي لان تنقضي إرادة الإله بان يكون الإنسان خليفة ، و أيضا يمكن القول أن الشخصيات قد شذت عن القاعدة وقد أخذت مساحة واسعة من الاختيار الذي قضى برفض الحكم الإلهي وحكم عليه بخيبته ، وفي النهاية اختارت أن لا تكون خليفة ، أو بالأحرى كانت خليفة ولكن على نمط مختلف وعلى طراز مختلف .
ربما كان الأجدر بالإله أن يختار لمسرحيته شخصيات أفضل للسيناريو الخاص به ، بمعنى أن يوكل هذه المهمة لملائكته التي حرمها من حق الاختيار ، فهي مسيرة لما يريده هو و محرومة من إتباع هواجسها وطموحاتها ورغباتها ، وبالتالي ستسير على المسار المحدد لها ضمن السيناريو الموضوع بعنوان "الخلافة" الذي اختاره الإله لها.
أو أيضا يمكننا القول إن كان بإمكان الإله تغيير السيناريو وحرمان هذا الخليفة من الغرائز وحق الاختيار بشكل كامل ، حتى يغدو المنهج الذي يتبعونه واحدا بدون أي شواذ تخرج عن حواف السيناريو والنص الموضوع بحيث يكون الممثلون بالفعل شركاء في صناعة النص عن طريق إتباعه حرفيا للوصول الى الغاية المقصودة وهي "الخلافة" يدون فساد في الأرض وسفك للدماء .
ولكن قد يثور سؤال هنا ، ومفاده : هل يتعارض مفهوم الخلافة مع وجود فساد في الأرض وسفك للدماء ؟ . الظاهر من الآية القرآنية أن ذلك يتعارض ، لأن الإجابة أو الرد المباشر كان من الملائكة على اقتراح الرب واستشارته-أدبا سأسميها اقتراحا واستشارة ، فضلا عن أنها تواضع كبير : حقيقي او مصطنع لا نعلم – أن هؤلاء الخلفاء سيعيثون في الأرض فسادا ، وبالتالي اقترن لديهم وجود خلفاء بوجود فساد وسفك للدماء ، بالتالي لن نسمح بإعادة التجربة السابقة .
انطلاقا من أن الله يعلم الغيب ، وهو خارج نطاق الزمان والمكان ، لذلك يفترض منطقيا أن يكون الماضي والحاضر والمستقبل عنده واحد ، وبالتالي كان الأمر جليا لديه وواضحا أن الإنسان سيسير في رحلة خلافته على مستوى ما نشاهد –خاصة في أيامنا هذه وما يحصل فيها من أزمات زائفة- وبالتالي فانه لحظة الخلق قد علم ، لا بل حتى لم ينتظر الإنسان كثيرا حتى يثبت للإله فشل المشروع منذ البداية ، فقد سارع قابيل لقتل هابيل منذ المشاهد الأولى ، فكان حريا بالإله مذ ذلك الوقت أن يقتنع ويتراجع عن مشروعه ، وان يلغي المسرحية من أولها ، ولا داعي لاختراع عناصر وشخصيات جديدة سوف تعيد نفس المشهد ولكن بأساليب مختلفة .
باختصار ، اثبت الواقع على مدى آلاف السنين ، و آلاف الشخصيات و آلاف الأحداث والمواقف ان المشروع الإلهي قد باء بالفشل ، إن لم يكن منذ اللحظة الأولى التي سنسامح فيها ولن نحكم عليها ،فباستمرار هذا النهج المتواصل للإنسان الذي تعلم كيف يمارس غرائزه ووحشيته التي قادته الى استعمار كل شيء ، فطبق ما قاله سفر التكوين وتسلط على غيره بدافع الإعمار كما يحب تسميته ، فالإنسان قد اعتاد على أحداثه الدموية لكنه متحايل بارع يسقط مفاهيمه و ألفاظه التي يريدها وينتقيها بعناية حتى يبرر أفعاله ، فيحول ما يفعل الى إعمار ، ويحول الافتراس إلى مأدبة وغيرها مما ينتقيه هو ، لكن في النهاية كل ذلك لا ينفي ، بل بالحري يثبت أن المشروع الإلهي قد باء بالفشل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي