الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب نصف الألفية الاولى

عادل صوما

2018 / 10 / 13
كتابات ساخرة


أعلنت القيادة العامة للجيش الليبي عن القاء القبض على الارهابي المصري هشام عشماوي بمدينة درنة، وقد عُثر معه على زوجة الارهابي المصري محمد رفاعي سرور وابنائه ( ربما بسبب التعاطف أو تبادل الزوجات اثناء المحن، وهو أمر معروف بين الإرهابيين ومارسه تنظيم الدولة الإرهابية "داعش") وطلبت مصر فور القبض عليه من السلطات الليبية تسليمه بشكل عاجل إلى المحاكمة ليُحاكم حضورياً هذه المرة.
هشام عشماوي صاحب سجل إرهادي (لا أعرف ماذا أكتب: جهادي أو إرهابي لذلك زاوجت الكلمتين) مشرف يؤهله إلى دخول الجنة لشرب الخمرة التي لا تُسكر ونكاح الحوريات اللاتي لا يطمثن ويستردن عذريتهن بعد كل ممارسة جنسية، فرؤية الدم من أساسيات التعامل مع أي إنسان عند هؤلاء الناس.
هشام عشماوي مطلوب من السلطات المصرية بعد محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري، الذي لم يكن من جماعة المؤمنين وليس جهاديا أو من الفرقة الناجية. وهو مطلوب لسبب آخر في سجله، فقد كان أخاً إرهادياً أيضا في بوتيك "أنصار بيت المقدس" الذي لم يقاتل الصهاينة، ونجح في ترويع المدنيين العاملين في مديرية أمن الدقهلية بمصر وقتل منهم بإذن الله اربعة عشر شخصا ناهيك عن اصابة عشرات، ثم وفقه الله من لدنه سبحانه وتعالى في مذبحة كمين الفرافرة في تموز في العام التالي وقتل ثمانية وعشرين جنديا مصريا يتقاضون رواتبهم من الدخل القومي المصري وفيه أموال ليست حلالا، وبناء على الغزوتين الإرهاديتين المذكورتين، احيل الارهادي هشام عشماوي الضابط السابق في قوات الصاعقة المصرية الكافرة إلى المفتي الذي أقر باعدامه بعد محاكمته غيابيا بواسطة محكمة غير شرعية لأنها ليست إسلامية، وبعدما أصدر المفتي فتواه ساعده اخوة إرهاديين للذهاب إلى ليبيا بعيدا عن مصر بعدما صارت دار حرب، وهناك استخار الله فهداه بنوره في تموز 2015 أن يفتح بوتيكا إرهادياً صغيرا أطلق عليه تيمنا "المرابطون" ودعى فيه إلى "الجهاد" ضد الجيش الليبي لأنه ليس من جماعة المؤمنين أو الفرقة الناجية.
نصف الألفية
ما كتبته آنفا من وحي مفردات المسرحية الدموية التي تحدث في العالم اليوم، وقد ألفها وسمح بعرضها اناس يعتقدون انهم يمكنهم اسدال الستار عليها وقت ما يشاءون بعد استنفاذ مأموريتها، فهي آلة حرب تدير مصانعهم وتساعدهم على رسم الخرائط ليس إلاّ، وبلغت درجة تفاؤل بعض العلمانيين أن تسونامي الارهاد العالمي ستنحسر موجته في عصر الطاقة النظيفة بعد نضوب مداخيل النفط في شرايين الارهاديين، والطرفان يؤمنان بهذا الوهم بناء على تجربة سابقة هي إسقاط الاتحاد السوفياتي.
نسى الطرفان أن الاتحاد السوفياتي كان دولة بُنيت على إيديولوجية ارضية، وكان لهذه الدولة جيشاً لا يرتدي الأقنعة أو التشادور للتخفي عند الحواجز الامنية ولم يحارب إلا في ميادين القتال. دولة كنا نعرف رؤساءها واماكن تواجدهم، ومنظروها لم يبيعوا صكوك غفران ولم يزعموا امتلاك مفاتيح السموات. لذلك جاء عقب إسقاط الدولة زوال الإيديولوجية لعدم وجود فوبيا ضياع الطريق في ممارسات الحياة كافة والسراط إلى السماء.
كان وراء إسقاط هذه الدولة ارادات قومية ودولية خططت لهذا السقوط.
السيناريو الارهادي الحالي عكس ذلك تماما لأنه ايديولوجيته ذات أساس ارضي وحبل سري سماوي يوصل المؤمنين بها إلى الجنة، وأصبح لها تمويلا خاصا مبني على ضرب إقتصادات الدول وتجارة الممنوعات ولا يأبه بأموال النفط لأنه يدرك انها ستنضب. وكما هو واضح تماما لا وجود لإرادات قومية أو دولية لإسقاط هذا التنظيم الدولي وفروعه مختلفة الاسماء، ما يعني انه أفرخ وسيُفرخ نفوسا تشبه عشماوي وأبو بكر البغدادي وغيرهما، يتنتشرون في كل انحاء العالم ويبرمجون الاعضاء على كراهية أي دولة علمانية أو شبه علمانية يعيشون فيها، لأن هذه الدول مجرد تراب ليس من "الامة" التي يُفترض أن ينتمون إليها.
شيء طبيعي في دول الغرب أن تسمع من اعضاء هذا التنظيم أو مدارسه المختلفة كلمة "رئيسك" سخرية من رئيس الدولة التي هاجروا إليها لأنه ببساطة ليس رئيسهم الفعلي، ونظرة استهجان منهم إذا قال مواطن متجنس انا "استرالي" أو "كندي"، والحديث بكلمة "هم" على سكان أهل الدولة الاصليين.
يستحيل تقويم هذا التفكير بدون ارادت قومية ودولية تتبنى وتنفق على علمية تنوير في المدارس والاعلام، ويبدو أن هذه الامور غير مطلوبة حاليا لأنها مرتبطة بتجارة لا تبالي أو تُقدر عواقب ازالة الثقافات ووأد قوى البشرية الناعمة.
بركات وفتاوى
يعتقد سادة الكوكب وعددهم لا يتخطى خمسة بالمائة منه أن المال كل شيء، وبه يمكن عمل أي شيء، فالاتحاد السوفياتي أُسقِط بمصيدة مالية.
حسنا. إسقاط النفوس التي تشبه عشماوي وغيره لا تُقاس اطلاقا بإسقاط الاتحاد السوفياتي، وتقويمهم المؤلم سيستغرق مع التفاؤل نصف هذه الألفية الاول لو بدأ بعد نضوب النفط، فلا ميادين قتال أو أسواق مالية وتجارية تحسم المعارك، بل مجتمعات منتشرة هُجنت على الخوف من الذات وكراهية الآخر، وتحارب بقنابل سكانية اينما كانت وانجبت على الأقل ثلاثة اجيال أصبحوا رسمياً مواطنين مبرمجين في معظم دول الارض. الجيل الاول ستيني العمر يعيش حالة استغفارعلى ماضٍ ولّى فقد فيه الايمان المُفترض وآمن وصفق بفكرة القومية العربية وعاش منتمياً للدولة وجعل تأثير الاستعمار يتغلغل في روحه، ومن ثمة قرأ كتبا تحث على التفكير وشاهد مسرحيات فيها ترفيه وضحك وأفلام فيها قبلات ومجون ونساء غير منقبات ولبس بنطلون وجاكته وكان حليق الذقن. والجيل الثاني أربعيني يعيش حالة نكد لأنه يحقد على بيئته الاصلية التي مازال يعيش فيها أو الكافرة التي هاجر أبوه إليها، والجيل الثالث عشريني يُجند بعضه عبر مؤسسات الكراهية أو الانترنت أو يشارك الجيل الاربعيني حياة النكد سواء في بلاد المسلمين أو دور الحرب الكافرة.
كثير من الدول تنظر بعين الاعجاب إلى هذه الايديولوجية وتعتبر بشكل لا تُصرح عنه أن ما تحدثه من دماء وخسائر مجرد ضروريات لازمة لنشر كلمة الحق، التي لا تُنشر سوى بالرعب والتنمّر والوقاحة وقطع الطريق في المجتمعات التي في آذانها وقر (طرش أو صمم بلغة عصرنا).
من ناحية أخرى، لا يُنظر بعين الرضا إلى معارضة هذه الايديولوجية من فئات أخرى في دول كثيرة، وهي تدافع عن هذا التسونامي مرة من أجل سواد عيون حقوق الانسان ومرة بسبب الترحيب بالتعددية ومرة بسبب الدفاع عن حقوق اللاجئين حتى لو كان فيهم مجرمين أو إرهاديين.
كان من المفترض أن يضع التنوير وعصر المعلوماتية وعظمة التقنية كل الادبيات الابراهيمية في المعابد، أدبية وراء أخرى مثلما حدث مع المسيحية، ويكون الامر مجرد إيمان شخصي بحت لا عداوات فيه أو تُراق بسببه دماء، فالوقائع والبحوث وحتى كشف المستور في كتب التاريخ تقول أن هذه الادبيات مقتبسة من أساطير الاولين مع هضم حقوق النشر وحذف اسماء المؤلفين الاصليين أو تكفيرهم أو تجهيلهم، لكن النفط كان نقطة الانطلاق الاسلامية لحصر الدين داخل النفوس والمعابد، وأصبح المسلم الذي يفند إيمانه عقلياً ومعرفياً وتاريخياً زنديقا بفتاوى مشايخ، والمسيحي الذي يحذر من خطر هدم العلمانية وتمكين قوى تعطيل العقل والحض على الكراهية وعدم التوافق شعبويٌ، لأن الترهل والفساد استشرى في مؤسساتهم وهي بحاجة إلى مارتن لوثر متضلّع في محاربة فساد النفوس وليس تقويم الايمان، وقد قال البابا فرنسيس عن هذا الفساد "حرب الفساد في الكنيسة يشبه تنظيف تمثال أبو الهول بفرشاة أسنان".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا