الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابن سينا والهمّ الإيراني

وليد صالح

2018 / 10 / 14
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



دأبت السلطات الإيرانية منذ سنوات عديدة على بذل كل ما في وسعها بهدف التأكيد على الأصل الفارسي للكثير من العلماء العرب المسلمين من أصول إيرانية. ويمكن أن يكون الأمر مشروعا لولا أن تلك الجهات تستميت من أجل إبعاد شبهة الانتماء العربي لهؤلاء العلماء. ويتجاهل المسؤولون الإيرانيون بأن هؤلاء الأطباء والفلاسفة من أصل فارسي كتبوا كل أو معظم مؤلفاتهم باللغة العربية لأنها كانت اللغة الرسمية للعالم الاسلامي ولغة المعرفة والفكر والثقافة التي لم يكن أي عالم يستطيع الاستغناء عنها لو أراد أن يُعرف ويشتهر وتكون له مكانة بين طلاب العلم.
تحضرني حادثة وقعت لي قبل حوالي عقدين من الزمن عندما كنت أشارك في برنامج تلفزيوني ثقافي بمدريد دعي إليه كذلك عدد من المثقفين الإسبان والمدير السابق لمكتبة طهران الوطنية. كنا مدعوين للحديث عن الأندلس وما تعنيه تجربة الثمانية قرون من الحضور العربي الاسلامي في هذه البقاع بالنسبة للحاضر وخاصة للمهاجرين القادمين إلى إسبانيا من الشرق الأوسط وشمال إفريقية. كان مدير المكتبة المذكور أول المتحدثين. فوجئ الجميع بطريقته في الكلام حيث رفع صوته بشكل مثير محركا يديه بشكل درامي داعيا الحكومات الأوروبية لمساعدة إيران في استرجاع علمائها ومفكريها وفلاسفتها من أيدي العرب الذين استحوذوا عليهم معتبرينهم من أبناء جلدتهم، في حين أنهم فرس دما ولحما ولغة وانتماء وثقافة. حين وصل دوري في الكلام رددت عليه بهدوء قائلا له إن هؤلاء العلماء كانوا أكثر حكمة من الكثير من مثقفي عصرنا وإن العرب لا ينكرون الأصل الفارسي لهؤلاء العلماء، غير أن من المنطق أن نأخذ في الاعتبار تلك الفترة التاريخية التي كانت اللغة العربية هي لغة العلم والثقافة، ثم إن أكثر هؤلاء كتبوا بالعربية جميع أو جل أعمالهم. وعليه فليس من العدل أن نسقط الآن خلافاتنا السياسية على ذلك الزمن البعيد عندما كانت بغداد وقرطبة مركزين حضاريين ومنبعين للعلم. حينذاك كان العلماء من شتى أصقاع العالم يتسابقون للوصول إلى تلك المدينتين للتعلم والتعليم والكتابة والنشر. وأشرت عليه بألا يخشى من ضياع علمائه الفرس فذكرت له كيف أن أول كتاب وضع في النحو العربي كتبه سيبويه (رائحة التفاح) الفارسي. وكيف يتعلم الطلاب العرب بأن أصول الكثير من الشعراء المجديين في العصر العباسي هم من أصول فارسية مثل بشار بن برد وأبي نؤاس. وان أول موسوعة في الأدب العربي جمعها وقام بترتيبها الفارسي أبو الفرج الأصفهاني. وأن الكثير من أحداث ألف ليلة وليلة، الكنز الأدبي للعرب، تتحدث عن ملوك الفرس والحياة الاجتماعية لبلاد فارس. لم يقتنع الرجل وبقي مصرا على رأيه مدعيا أن هؤلاء العلماء كانوا من الفرس وليس من العدل أن يُنسبوا للعرب.
وخلال الأسبوع الماضي تمت إزاحة الستار عن مجسم نُصب أمام إحدى مباني جامعة أوتونوما بمدريد ـ إسبانيا، أهدته السفارة الإيرانية للجامعة. وتحمل اللوحة المثبتة على قاعدة المجسم تاريخ ومكان ولادة ووفاة هذا العالم، إلى جانب عبارة "طبيب فارسي". لا إعتراض على كل هذا لولا أن مسؤولي السفارة الإيرانية بمدريد أجبروا الجامعة على عدم دعوة أي من أعضاء قسم اللغة العربية والدراسات الاسلامية بنفس الجامعة لتفادي ربط اسم ابن سينا بالعرب، سواء أمام ممثلي الجامعة أو الطلاب والأساتذة الراغبين في معرفة شخصية هذا العالم.
ولو عدنا إلى شخصية ابن سينا (980ـ1037) لرأينا بأن لغته الأم هي الفارسية وولد في قرية "أفشية" التي تقع في بخارى (أوزبكستان) من أب أفغاني. غير أنه نشأ نشاة عربية إذ حفظ القرآن في صغره إلى جانب الكثير من الشعر العربي، وألف ما يزيد على مئتي كتاب كلها باللغة العربية باستثناء كتابين هما: "موسوعة العلوم الفلسفية" و"دراسة عن النبض".
وأهم كتبه على الاطلاق هو "القانون في الطب" الذي كتبه بالعربية ثم ترجم إلى الفارسية وإلى العديد من اللغات الأخرى. كاد أن يكون هذا الكتاب الوحيد في مقررات كليات الطب في أوروبا وخاصة في فرنسا وإيطاليا خلال ستة قرون حتى أواخر القرن التاسع عشر. وطُبع الكتاب باللاتينية ست عشرة مرة في الثلاثين سنة الأخيرة من القرن الخامس عشر، وأعيد طبعه عشرين مرة في القرن السادس عشر، وعُرف ابن سينا في الغرب باسم "الشيخ الرئيس" و"أمير الأطباء".
ساهم ابن سينا في صنع النهضة العلمية والحضارية العربية الاسلامية. وهو مؤسس الاتجاه الفلسفي الذي تحدى العقيدة وفكرة النبوة والرسالة في الاسلام، وكان يقول بقِدم العالم وينكر المعاد وينفي علم الله وقدرته وخلقه العالم وبعثه من القبور، إلى جانب محاربته للتنجيم. كفّره بعض المتشددين من كبار المفكرين المسلمين القدماء مثل ابن تيمية والغزالي في كتابه "المنقذ من الضلال".
وسؤالنا الآن هو لماذا هذا الاهتمام باسم ابن سينا، لا بتراثه؟ وهل يتفق ملالي إيران والمسؤولون السياسيون الحاليون مع الفكر الفلسفي لابن سينا؟ إننا متأكدون من أنه لو ظهر في يومنا هذا ابن سينا جديد بمثل هذا العقل النير لوضعوه على أقل تقدير في السجن ليموت هما وكمدا. فما الذي يدفع هؤلاء إذن لتكريم شخصية بمثل هذا الفكر الجليّ؟ إنّه النفَس العنصري وبغض العرب ليس إلا.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاوزبك ليسوا فرسا ولا ايرانيين
وديع العبيدي ( 2018 / 10 / 15 - 01:19 )
تتكون ايران من خمسة مكونات قومية هي الاذرية والعرب والكرد والبلوش والفرس، وليس من عدادها الاوزبك شمالي افغاتستان. وفي عصر الاسلام كانت تدفق الملل من جهة الشرق عموما من خلال بوابة ايران، لكن هذا لا يجعل من جميع الوافدين ايرانيين أو فرسا. ولا ننسى ان غرب ايران كان يدعى بعراق العجم وتقطنه فبائل عربية نجدية ويمنية معروفة.
الفرس اصغر ملل ايران ولكنها اقواها اقطاعيا ووعيا سياسيا ، الشاه بهلوي كان فارسيا عرقيا وكذلك الخميني، لكن التركمان الاذريين اكبر واقوى من الفرس ولكنهم متحالفون معهم.
أما قرصنة الفرس على العراق والعرب فتاريخها قديم، ومعظم ما يفتخرون به اصله عربي وعراقي
ومنه تاريخ بابل واشور، والبقية مفضوة في ابتزاز العراق منذ 2003م بفضل ويلاد الخؤولة
الكذب لا يصنع حضارة والقرصنة لا تصنع امة
ايران لا حياة لها بغير العرب والعراق، والعرب والعراق ليسوا بحاجة لايران، وهذا يكفي

اخر الافلام

.. الجيش الإيراني يحتفل بيومه الوطني ورئيسي يرسل تحذيرات جديدة


.. زيلينسكي يطلب النجدة من حلفائه لدعم دفاعات أوكرانيا الجوية




.. الجيش الإسرائيلي يعلن إصابة 14 جنديا جراء هجوم لحزب الله الل


.. لحظة إعلان قائد كتيبة إسرائيلية عن نية الجيش اقتحام رفح




.. ماذا بعد تأجيل الرد الإسرائيلي على الضربة الإيرانية؟