الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


کيف أصبحت نادية مراد رمزا لصوت ضحايا کارثة سنجار...؟

مظفر عبدالله

2018 / 10 / 14
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


اثار تقديم جائزة نوبل للسلام لنادية مراد، باعتبارها احد ضحايا کارثة سنجار، والتي خلقت من قبل دولة الخلافة الاسلامية "داعش" العديد من ردود الافعال، وجرى حولها نقاشات وطرحت حولها أراء مختلفة خلال الأيام والأسابيع الماضية من قبل العديد من الاوساط القومية الكردية، والاسلامية، والعلمانية واليسارية ايضا.
لقد سلط تقديم الجائزة الانظار، من جهة، على كارثة الابادة الجماعية في سنجار، والتي كانت قد شكلت في حينها، اي عام 2014، مسالة رأي عام محلي وعالمي. الا انه، وفي نفس الوقت اثار خلافا سواء بالتضامن معها او ضدها، حول فيما اذا كانت هذه الفتاة تمثل رمزا لصوت ضحايا هذه الكارثة.
فاذا کانت نادية من جهة موضع تضامن عالمي من قبل الجبهة التحررية والداعية للانسانية وضد کل جرائم داعش والاسلاميين واهدافهم وافكارهم، الا انها اثارت اصوات مخالفة لهذا التكريم على الصعيد المحلي في كردستان العراق، من القوميين الاکراد عامة والاسلاميين خاصة. ووصلت الحملات ضدها الى توجيه اهانات اخلاقية وشخصية علنية، او انتقادات غير واقعية حتى من قبل اناس ذوو نزعات يسارية وتحررية.
ولكن بعيدا عن كل الاهانات الاخلاقية والشخصية والتي تقف ورائها افكار وايديولوجيات قومية واسلامية فاشية والتي ليست هذه المقالة مكانا للرد عليها، فان ما يتوجب الرد عليه هو الانتقادات التي صدرت من قبل يساريين وتحرريين، والتي لا يمكن وصفها بشيء سوى انها ليست موضوعية أو واقعية وانها ايديولوجية بحتة.
من هذه الاعتراضات هي: لماذا قبلت مراد جائزة نوبل وهي جائزة مؤسسة برجوازية. او ان مراد صارت لعبة بيد دول ومؤسسات وجهات برجوازية ورأسمالية عالمية وهكذا. ان اصحاب هذه الانتقادات لا يشاهدون الخطاب والمهام الاساسية والمباشرة لما قامت به مراد، وهو عرض کل الحقائق والوقائع التي حدثت في حياة ابناء طائفتها من الايزيدين خلال هذه الكارثة التي وصلت الى حد الابادة الجماعية -جينوسايد-، من قتل واغتصاب واستعباد واتجار جماعي بالبشر.. الخ. وفي نفس الوقت صوبت خطابات مراد انتبا‌ه الرأي العام العالمي بكل انواعه الى هذه الجريمة، وتمكنت من تأمين التضامن مع الضحايا وجماهير هذه المنطقة من اجل عدم تكرارها مستقبلا.
ان السؤال الذي يجب ان يطرح هنا هو کيف صارت نادية مراد رمزا انسانيا ورائدة عالمية لايصال صوت ضحايا جماهير سنجار الذين يسمون بالأيزيديين؟ رغم وجود سياسيين ومثقفيين وکتاب ومدافعي عن حقوق الانسان والنساء؟ في حين تمكنت فتاة مراهقة من عائلة قروية کادحة. تعيش في ظل نظام سياسي واجتماعي وثقافي رجولي مستغل، وقد كانت ضحية اغتصاب واتجار بالبشر، الى ان تكون رمزا ورائدة لحقوق هذه الجماهير؟.
لجواب هذا السؤال وتوضيحه بصورة بسيطة ومختصرة يجب ان نشير الى بعض الحقائق السياسية والتاريخية، واخص منها، ما اكدت عليه قبل اکثر من ثلاث سنوات في مقال لي حول هذه الكارثة تحت عنوان "من ستكون آن فرانك سنجار...؟" حيث لم تكن مراد برزت في وقتها کرمز لقضية اضطهاد اهالي سنجار من الايزيديين.. حيث كتبت: "تؤدي الاحداث الكبيرة کالانتفاضات والثورات الى انبعاث الامل والتفاؤل واعادة الارادة للانسان من اجل التغيير واحداث التحولات، وتؤدي الاحداث الكارثية والمسأوية الى خيبة امل وتشاؤم وانهزام. يبرز اناس كقادة ورواد تاريخيين ويكتبون تاريخ هذه الاحداث ويجسدون تاريخ زمنهم....الخ". على سبيل المثال: کيف برز سبارتاکوس، حيث کان عبدا کأي عبد اخر، وتحول الى قائد ورمز للنضال من اجل انهاء النظام العبودي؟! وفي التاريخ المعاصر کيف برز نيلسن مانديلا وتحول الى رمزا ورائد وقائد للكفاح ضد التمييز العنصري وأنهائه في افريقيا..؟! او کيف صارت فتاة مراهقة باسم آن فرانك رمزا لضحايا الابادة الجماعية لليهود المعروف بالهولوکوست في مدينة امستردام الهولندية؟ لقد بقيت هذه الفتاة مختبئة لمدة سنتين مع عائلتها في بيتها وکانت يوميا تكتب ذکرياتها الاليمة والمخيفة. وبعد ان تم اکتشافها من قبل النازيين تم زجها في سجون المانيا وموتها بعد سنوات. ثم وجدت مذکراتها من قبل والدها وتم طبعها ونشرها. والان تعتبر هذه الفتاة ومذکراتها احد رموز ضحايا الابادة الجماعية. او کيف تحول شاب بائع متجول کادح مثل محمد بوعزيزي عندما احرق نفسه کاحتجاج ضد شرطة حكومة تونس في ظل نظام بن علي الاستبدادي. الحدث الذي اصبح مشعلا لانطلاقة مجموعة من الانتفاضات والثورات ادت الى سقوط مجموعة من الأنظمة الاستبدادية في تونس ومصر وليبيا الى اليمن. ومنذ ذلك الوقت صار محمد بوعزيزي رمزا لهذه الاحداث والانتفاضات.
وهناك امثلة وتجارب سياسية وتاريخية اخرى كثيرة يوضح لنا استذكارها لماذا وکيف أصبحت نادية مراد کفتاة مراهقة من عائلة قروية کادحة، رمزا لصوت جماهير وضحايا هذه الكارثة والابادة الجماعية من قبل اشرس واکثر جماعة وحشية في هذا العصر. والذين لا يرون محتوى الاحداث وظهور الرموز من خلال التلاطمات والتجاذبات الاجتماعية والسياسية، ولا ينظرون الى محتوى خطابات هؤلاء الاشخاص.. هم اناس ذوو ايديولوجيات فاشية او ينظرون من زاوية متعصبة الى کل الايديولوجيات مهما کان مبنية على اسس انسانية.
ان اي شخص اسلامي او بأي درجة مؤمن بالفكر الاسلامي ويهاجم ويشتم او ينشر اتهامات سياسية او اخلاقية وشخصية على نادية مراد فهذا متعصب اسلامي فاشي. او اي شخص ناطق باللغة الكردية ويفتخر بكرديته ويشتم ويهاجم نادية مراد بذريعة عدم تحدثها باللغة الكردية، او انها لم تعلن بانها کردية فان هؤلاء الاشخاص، سواء بقصد او بدون قصد، يعبرون عن ايديولوجية قومية فاشية.
وحتى بعض اليساريين او العلمانيين او المنتقدين والمعارضين للاسلام والاسلاميين وينتقدون نادية مراد بذريعة انها لم تنتقد الأسلام وتمت مساومتها حول هذا، ويقللون من خطاب ومهام ودور نادية مراد، هم ليس لهم دراية کافية ودقيقة حول جوهر هذه الافكار التي يدعونها، بل ليس لهم دراية دقيقة وکافية وموضوعية للاحداث والشخصيات التي تجسد محتوى الاحداث من ناحية انسانية.
نادية مراد وامثالها، وبغض النظر عن اختلافاتنا وانتقادنا لافكارها. اصبحت اليوم الشخص الوحيد الذي صار رمزا لجماهير وضحايا سنجار المسمون بالايزيديين. وفي نفس الوقت فان اي اتهام ونقد سياسي واخلاقي لمراد بسبب قبولها لجائزة نوبل للسلام، باعتبارها جائزة مؤسسة برجوازية عالمية وفي ظل النظام الرآسمالي العالمي، او مؤسسات ودول وانظمة رجعية، انما هي اتهامات وانتقادات تصب في النهاية بصالح الذين لهم عداوة مع هذه الجماهير وضحاياها.
ان بروز نادية کرمز وکشخصية وکسبها لهذه الجائزة لم يأتي من ايزيديتها، بل من ارادتها وعزمها الحر الانساني، حيث انطلقت من عمق مشاهدتها لمدى المجازر والابادة الاجماعية التي شهدها اهالي منطقتها في سنجار او الموصل. ان ظهور شخصيات من هذا الطراز، کما اشرنا في البداية، نابع من الارادة الحرة والجريئة لهؤلاء الاشخاص. بدون شك وقوع هذه الكارثة والمجزرة مرتبط بالاوضاع السياسية، وباستفحال الصراع الاسلامي ضد غير المسلمين، وحتى بمساومة الاحزاب القومية الكردية ذات النزعة الاسلامية او تدخل دول وانظمة رجعية عالمية واقليمية ومحلية في احداث مجازر الموصل والتي يجب ادانتها کلها.
ان هذه الخلفية من الصراعات بين دول وانظمة ومؤسسات وجهات سياسية مختلفة لديها سياسات واهداف واجندات اخرى، هي وراء قضايا من قبيل تلك التي ابرزتها وبرزت معها نادية مراد وقضيتها. ويجب علينا کشف النوايا الكامنة خلفها. الا انه يجب ان لا ننكر او ندين او نقلل من دور ومهام وخطاب نادية مراد کرمز لهذه القضية والكارثة الانسانية التي حدثت، من اجل الحيلولة دون تكرارها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا