الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إن الحياة كلها وقفةُ عزٍ فقط

مهند طلال الاخرس

2018 / 10 / 14
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تَعوّد ان تقوم بواجبك وأكثر قليلاً وسيأتيك المستقبل من تلقاء نفسه، وكن واثِقا بالله وبنفسك وبحتمية النصر والايمان المطلق بقدرة عجلة التاريخ على الدوران وانها تنصف الانسان بصفته الانسانية وبأنها تنتصر له كلما اقترب من الانسانية اكثر والتصق بفطرته السوية بشكل اكبر ، وكن على ثقة ان الله يمهل ولا يهمل وان على الباغي تدور الدوائر وان الضوء دائما يكمن خلف الافق وان النور في آخر النفق. لكن عليك انت ان تعلي الهمم وان تبحث عن كل ما هو ايجابي وجميل، وتراث الامة (اي امة) مليء بحجم التجارب التي تحتوي كل معاني العنفوان والعز والانفة التي تبقى على مدى التاريخ في عقول ابنائها وان اعتلاها الغبار، فحتما عند لحظة مقدسة من الزمان يأتي الفرج وينبلج النور من رحم العتمة بعد ان ظن الجميع ان كل شيء منذر بالخراب.

ومن تراث الامة ومُعينها الذي لا ينضب اخترنا لكم هذه الباقة لعلها تظللنا واياكم بالفرح وتنبئنا بحتمية النصر ولعلها تسعفنا واياكم على انارة شمعة في الظلام بدل الاستمرار في لعنه.

* الجزء الاول
" لا يضر الشاه سلخها بعد ذبحها "
تلك هى الجملة التى قالتها أسماء بنت أبي بكر عندما جاء إليها ابنها " عبد الله " ليودعها الوداع الأخير حيث إنه كان من معارضي الحكم الأموي وكان يحارب الأمويين وكان قائد الأمويين فى ذلك الوقت قائد عنيد يدعى " الحجاج بن يوسف الثقفي " واستطاع بقوته و ذكائه أن يسترد قواه وملكه بعدما قد سيطر على البلاد " عبد الله " ولكن دارت حروب دامية بين جيش " عبد الله " وجيش " الحجاج " ومات كثير من جيش " عبد الله " واستمر " الحجاج " فى مطاردته حتى وصل إلى العاصمة " مكة المكرمة " واستولى عليها حتى لم يبقى أمامه سوى المسجد الحرام والبيت العتيق الذى اتخذه مقرا لقيادته ثم دعاه " الحجاج " وقد تغلب عليه إلى الاستسلام وله ما يريد من المال والاراضي ومتع الحياة والعيش الناعم المريح لكنه أبى وامتنع وصمم على القتال حتى الموت أو النصر ولكن اشتد الحصار على ابن الزبير واستطاع قبل الفجر التسلل فى الخفاء ليذهب إلى أمه ليودعها الوداع الأخير وطرق الباب ودخل وما إن سمعت الأم صوته حتى فتحت له ذراعيها وحضنته ثم اضطجعت فى فراشها ودار بينهما حوار وهو كالتالى
عبد الله : كيف تجدينك يا أماه؟
أسماء : ما أجدنى إلا شاكية
فداعبها ولدها قائلا : إن فى الموت لراحة !
أسماء : لعلك تتمنى الموت لى !
عبد الله : لا والله يا أماه ما أتمناه ولكن ....
أسماء : وماذا بعد ولكن ..... اسمع يا عبد الله لا أحب أن أموت إلا بعد أحد الأمرين إما أن تنتصر على أعدائك ، أو أن تموت وأحتسبك عند الله.

ساد الصمت بينهما قليلا ثم أخذ يشكو لها بمرارة خروج أصدقائه عليه والأعداء عرضوا عليه المال والجاه إن هو استسلم .

أسماء : أو تستسلم ؟!! يا بني أنت أعلم بنفسك إن كنت على حق أو تدعو إلى حق فاصبر عليه فقد قتل أصحابك عليه وإن كنت أردت الدنيا فلبئس العبد أنت أهلكت نفسك وأهلكت من معك كم خلودك فى الدنيا ؟ والله لضربة سيف فى عز خير من ضربة سوط فى مذلة.

عبد الله : أخاف يا اماه إن مت أن يمثلوا بجسدي
أسماء : وهل يضر الشاه سلخها بعد ذبحها
فاقترب عبد الله وقبلها فى جبينها وقال : هذا والله رأيى ما رجعت عنه ولكنى أحببت أن أعلم رأيك فزدتني بصيرة فانظري يا أماه فإني مقتول فى يومي هذا فلا يشتد حزنك وجزعك على وسلمي الأمر لله حبست الأم دموعها وتغلبت على ما يخالجها من آلام ثم قالت :-
إنى لأرجوا أن يكون عزائي فيك حسنا أخرج حتى أرى ما يصير إليه أمرك ثم ضمته إلى صدرها وكانت الضمة الأخيرة ورفعت يدها إلى السماء وقالت : " اللهم إني قد سلمته لأمرك فيه ورضيت بما قضيت فقابلنى في عبد الله بثواب الصابرين الشاكرين"

وقد استشهد عبد الله ومثّل بجسده وصلب على جذع نخلة على ثنية عند الحجون وعندما علمت أسماء جاءت إليه مسرعة وقالت للحجاج :
أما آن لهذا الفارس أن يترجل ؟
الحجاج : تقصدين المنافق يا بنت أبا بكر؟

أسماء : لا والله ما كان أبدا منافقا ولكنه رضي الله عنه كان صواما بالنهار قواما بالليل بارا بوالديه والمسلمين.
فأمر عبد الملك بن مروان بتنزيله ودفن وبعد ذلك بأيام توفيت أسماء وهي صابرة محتسبة مؤمنة رحمها الله ورضي عنها.

* الجزء الثاني
"من يمد قدمه لا يمد يده"
دخل جبار الشام إبراهيم باشا بن محمد علي حاكم مصر المسجد الأموي في وقت كان فيه عالم الشام الشيخ سعيد الحلبي يلقي درسا في المصلين . ومر إبراهيم باشا من جانب الشيخ ، وكان مادا رجله فلم يحركها ، ولم يبدل جلسته ، فاستاء إبراهيم باشا، واغتاظ غيظاً شديداً ، وخرج من المسجد ، وقد أضمر في نفسه شراً بالشيخ .

وما أن وصل قصره حتى حف به المنافقون من كل جانب ، يزينون له الفتك بالشيخ الذي تحدى جبروته وسلطانه ، وما زالوا يؤلبونه حتى أمر بإحضار الشيخ مكبلا بالسلاسل .

وما كاد الجند يتحركون لجلب الشيخ حتى عاد إبراهيم باشا فغير رأيه ، فقد كان يعلم أن أي إساءة للشيخ ستفتح له أبواباً من المشاكل لا قبل له بإغلاقها.

وهداه تفكيره إلى طريقة أخرى ينتقم بها من الشيخ، طريقة الإغراء بالمال ، فإذا قبله الشيخ فكأنه يضرب عصفورين بحجر واحد، يضمن ولاءه، ويسقط هيبته في نفوس المسلمين ، فلا يبقى له تأثير عليهم .

وأسرع إبراهيم باشا فأرسل إلى الشيخ ألف ليرة ذهبية ، وهو مبلغ يسيل له اللعاب في تلك الأيام ، وطلب من وزيره أن يعطي المال للشيخ على مرأى ومسمع من تلامذته ومريديه .

وانطلق الوزير بالمال إلى المسجد ، واقترب من الشيخ وهو يلقي درسه ، فألقى السلام ، و قال للشيخ بصوت عال سمعه كل من حول الشيخ : هذه ألف ليرة ذهبية يرى مولانا الباشا أن تستعين بها على أمرك .

ونظر الشيخ نظرة إشفاق نحو الوزير ، وقال له بهدوء وسكينة: يا بني، عد بنقود سيدك وردها إليه، وقل له: إن الذي يمد رجله، لا يمد يده.

* الجزء الثالث
فارس الخوريي في الجامع الاموي
يوم أبلغه الجنرال غورو أن فرنسا جاءت إلى سورية لحماية …مسيحيي الشرق، فما كان من فارس الخوري إلا أن قصد الجامع الأموي في يوم جمعة وصعد إلى منبره وقال: إذا كانت فرنسا تدعي أنها احتلت سورية لحمايتنا نحن المسيحيين من المسلمين، فأنا كمسيحي من هذا المنبر أشهد أن لا إله إلا الله …فأقبل عليه مصلو الجامع الأموي وحملوه على الأكتاف وخرجوا به إلى أحياء دمشق القديمة في مشهد وطني تذكرته دمشق طويلا وخرج أهالي دمشق المسيحيين يومها في مظاهرات حاشدة ملأت دمشق وهم يهتفون لا إله إلا الله …

فارس الخوري في مجلس الامن:
في اجتماع لمجلس الأمن كانت قد طلبته سوريا من أجل رفع الانتداب الفرنسي عنها ،جلس فارس ممثل سوريا في المجلس آنذاك(مع العلم أن فارس الخوري أحد مؤسسي مجلس الأمن)،في المقعد للنائب الفرنسي في مجلس الأمن ،فلما جاء النائب الفرنسي وجد فارس الخوري جالساً في المقعد المخصص له..أثار هذا الموقف غضبه وطلب من رئيس المجلس أن يأمر فارس الخوري بإخلاء المقعد بالمقعد المخصص لسوريا...وهنا كان رد فارس الخوري: (لقد جلست على مقعدك دقائق معدودة و تستحمل ذلك ،فما بالك و أنتم تجثمون على صدورنا منذ خمس و عشرون سنة..)
وقد كان هذا الموقف من الدعائم الأساسية في مجلس الأمن لحصول سوريا على الاستقلال

* الجزء الرابع
عمر المختار والغرياني "الحاصلة سقيمة والصقر ما يتخبل"
أثناء مكوث عمر المختار في السجن أراد المأمور رينسي وهو السكرتير العام لحكومة برقة في أمسية الرابع عشر من سبتمبر أن يُقحم الشارف الغرياني في موقف حرج مع عمر المختار فأبلغه بأن المختار طلب مقابلته أي الغرياني وأن الحكومة الإيطالية لا ترى مانعًا من تلبية طلبه.
وذهب الشارف الغرياني إلى السجن لمقابلة المختار وعندما التقيا خيم السكوت الرهيب ولم يتكلم المختار فقال الشارف الغرياني مثلًا شعبيًّا مخاطبًا به المختار :"الحاصلة سقيمة والصقر ما يتخبل".
وماكاد المختار يسمع المثل المذكور حتى رفع رأسه ونظر بحدة إلى الشارف الغرياني وقال له:
الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه وسكت هنيئة ثم أردف قائلًا ربِ هب لي من لدُنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدًا
أنني لم أكن في حاجة إلى وعظ أو تلقين أنني أومن بالقضاء والقدر وأعرف فضائل الصبر والتسليم لإرادة الله أنني متعب من الجلوس هنا فقل لي ماذا تريد؟
وهنا أيقن الشارف الغرياني بأنه غرر به فزاد تأثره وقال للمختار ما وددت أن أراك هكذا ولقد أرغمت نفسي للمجيء بناءً على طلبك فقال المختار كالجبل الشامخ:
أنا لم أطلبك ولن أطلب أحدًا ولا حاجة لي عند أحد ووقف دون أن ينتظر جوابًا من الشارف الغرياني وعاد اللغرياني إلى منزله وهو مهموم حزين وقد صرح بأنه شعر في ذلك اليوم بشيء ثقيل في نفسه ما شعر به طيلة حياته.
ولما سُئل الشارف الغرياني عن نوع الثياب التي كان يرتديها عمر المختار أهي ثياب السجن أم ثيابه التي وقع بها في الأسر
كان جوابه بيتان من الشعر:
عليه ثياب لو تقاس جميعها بفلسٍ لكان الفلس منهن اكثرا
وفيهن نفس لو تقاس ببعضها نفوس الورى كانت أجل وأكبرا

*عمر المختار والضابط الايطالي"السبابة التي تشهد ان لا اله الا الله لا يمكن ان تكتب الباطل.
عندما استجوب الضباط الايطالي عمر المختار على اثر اسره في احد المعارك ضد المستعمر الايطالي انظر ماذا قال عمر المختار وكيف بقي هذا الحوار والموقف خالدا في التاريخ.

سأله الضابط: هل حاربت الدولة الايطالية؟
عمر المختار: نعم
وهل شجعت الناس على حربها؟ نعم
وهل أنت مدرك عقوبة مافعلت؟ نعم
وهل تقر بماتقول؟ نعم
منذ كم سنة وأنت تحارب السلطات الايطالية؟ منذ عشر سنين
هل أنت نادم على مافعلت؟ لا
هل تدرك أنك ستعدم؟ نعم
فيقول له القاضي بالمحكمة: أنا حزين بأن تكون هذه نهايتك
فيرد عمر المختار: بل هذه أفضل طريقة أختم بها حياتي.
فيحاول القاضي أن يغريه فيحكم عليه بالعفو العام مقابل أن يكتب للمجاهدين أن يتوقفوا عن جهاد الأيطاليين ، فينظر له عمر ويقول كلمته المشهورة:
(إن السبابة التي تشهد في كل صلاة أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله ، لايمكن أن تكتب كلمة باطل).

انا على يقين دائما بانه ليس هناك ما هو أفضل من تجديد الأمل في النصر وفي المستقبل فإياكم والإحباط؛ فإن المحبَطين لا يُغيِّرون، واليائسين لا ينتصرون وأن في العلاقة الإنسانية بين افراد الامة ما يحيي التفاؤل في النفس، ويعطيها الثبات، للمضي في طريقها في ظروف حرب أو صراع، حيث تكون الغلبة فيه للمجالدة والصبر والعزيمة وللأكثر قدرة على الديمومة والاستمرار ومراكمة الانجاز ومقاومة الخراب، فلا يولد الجنين دون ألم ولا ينبلج النهار إلا من رحم العتمة وإنا لنراها قريبة وانا لصادقون فنحن نعلم ان اشد ساعات الليل حلكة هي التي تسبق الفجر.

هنا يكمن غرس البذرة وتنميتها وتحفيزها تجاه القيم والأسس السليمة للتربية، وهكذا تنهض الامم وتنفض عن نفسها غبار الهزائم والاحباط والتقاعس والقنوط وتبني الغد وتصنع المستقبل.

فالآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات واصحاب الراي والنخبة والصفوة والطليعة وقادة المجتمع في شتى المجالات يغرسوا أنبل ما فيهمَّ .. حتى تقطف الامة والمجتمع أجمل ما فيهم؛ لهذا كله وأكثر قالوا منذ القدم "إن الحياة كلها وقفة عز فقط".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبة على العقوبات.. إجراءات بجعبة أوروبا تنتظر إيران بعد ال


.. أوروبا تسعى لشراء أسلحة لأوكرانيا من خارج القارة.. فهل استنز




.. عقوبات أوروبية مرتقبة على إيران.. وتساؤلات حول جدواها وتأثير


.. خوفا من تهديدات إيران.. أميركا تلجأ لـ-النسور- لاستخدامها في




.. عملية مركبة.. 18 جريحًا إسرائيليًا بهجوم لـ-حزب الله- في عرب