الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التجربة الكوريّة : أنموذج للإفلات من نظام -الإقطاع الريعي- للدولة في العراق

عماد عبد اللطيف سالم

2018 / 10 / 14
الادارة و الاقتصاد


التجربة الكوريّة : أنموذج للإفلات من نظام "الإقطاع الريعي" للدولة في العراق



تقدّم التجربة الكورية في التنمية الاقتصادية نموذجاً يصلحُ للاقتداء من قبل الدول النامية و المُتخلّفة الأخرى. ومع ذلك لا يجب أن يكون السير على ذات النهج نسخةً مكرّرة لتلك التجربة ، فالفروق ستبقى قائمة بين بلدٍ وآخر .. وينبغي دائماً وضع ذلك في الاعتبار عند الشروع بعملية التنمية في أيّ بلد ، أيّاً ما كانت امكاناته ومحدّداته.
إنّ "روح" التجربة الكورية تتجسّدُ في مسارها الخاص ، و "ركلها" للسلّم التقليدي لـ "الصعود" الاقتصادي ، وخروج توجّهاتها الرئيسة عن "طاعة" المنظمات الاقتصادية الدولية ، ومنطلقات ومباديء "الليبرالية الجديدة" ، التي جعلت النموذج التنموي للبلدان المتخلّفة بمثابة كتاب منهجي "مدرسي" مُوَحّد ، يقوم بفرضهِ على "التلاميذ" المطيعين ، مفتّشو "اجماع واشنطن" ، وأساتذة "مدرسة شيكاغو للاقتصاد" .. والويل كلّ الويل ، لمن يرسب في الامتحان.
لا خوف في النموذج الكوري للتنمية ، ولا وصاية ، و لا تبعيّة ، ولا خضوع . لهذا كانت المقاربة مختلفة ، والمنهج مغاير، عن تلك القوالب الغربية الجاهزة التي جعلت بلداناً اخرى لا تتقدّمُ خطوةً واحدةً نحو وضعٍ أفضل ، ولا تستطيع بناء "نمط انتاج" أكثر تطوّراً ، ولا تستطيع ترسيخ "علاقات انتاج" أكثر انسانيةً ، لا لشيء ، إلاّ لكونها أكتفَت بالاعتماد على "نماذج تنموية" هبطت عليها بالمظلاّت من سماوات البلدان الصناعية المتقدمة .. فما امطرت ، ولا سقَتْ ، ولا أينعَت في أيّ مجال ، رغم كلّ ما تمّ بذله من اجلها من جهدٍ ومالٍ .. و دَمّ.
وبقدر تعلّق الأمر بالعراق ، فقد اختلطت توجهات الأيديولوجيات "الثورية" ، والنزعات "الشعبويّة" (قبل عام 2003) ، بفوضى المناهج والسياسات والتوجهات التي تلت العام 2003 ، لتنتج لنا "مسوخاً" تنموية ، جعلت أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية أسوأ بكثير ممّا كانت عليه قبل سبعينَ عاماً ، بل أنّها جعلت ما يُعرَف بـ "النمط الانتقالي للتنمية" في العراق ، نمطاً "انتكاسِيّاً" ، بدل أن يكون نمطاً "تطوّريّاً" ، كما هو الحال في بلدان أخرى كثيرة ، عرفت كيف تتعامل مع امكاناتها وتستجيب للتحديات المفروضة عليها ، كـ كوريا الجنوبية.
ولهذا السبب (وأسباب أخرى) ، ها هو العراق يعودُ الى "عصر الاقطاع" بصيغته المعاصرة كـ "اقطاع ريعي" هذه المرّة ، بكلّ ما ينطوي عليه مفهوم "الاقطاع الريعي" هذا من معنى و مجاز وكناية .
و بعد مرور ما يقرب من سبعين عاماً على بداية تنفيذ مشاريع "مجلس الاعمار" ، التي كان عليها أن تضع هذا البلد على "عتَبَة الانطلاق نحو الرأسمالية" ، ها هو العراق الآن يحبو بالكاد لينتزعَ نفسهُ من ظلمات العصر الاقطاعيّ ، بخصائصه العراقية الخالصة( كـ "اقطاع" مقترن بالريع والسلوك الريعي للدولة ، من جهة ، وبقيم وتقاليد وسلوك مجتمع "الاقنان" المرتبطين بالريع ، من جهة اخرى)، بعد إنْ ضلّ طيلة سبعة عقودٍ مريرة ، يغوصُ في سَبَخِهِ وفسادهِ وهدر مواردهِ ببطءٍ ، ولكن بثبات ، دون أن تلوح في الأفق أيّةُ امكانيّةٍ للخلاص من هذه المحنة.
هل بالإمكان تكرار "المعجزة" الكورية في التنمية ، وتطوير الاقتصاد الوطني ؟
نعم .. بإمكاننا فعل ذلك من خلال ما فعلته كوريا ذاتها بهذا الصدد ، و بوسائلها ومبادراتها الخاصّة ، وكما يأتي :
1- قيادة سياسية كفوءة و قوية ومُستقّلة وذات تصميم.
2 – هذه القيادة السياسية تعمل على وفق منهج خاصّ لـ "دكتاتوريّة تنمويّة" ، قادرة على توحيد الأمّة ، وحشد امكاناتها المادية والبشرية لتحقيق مصالح وطنية عليا غير قابلة للمساومة والنقض من أيّ طرف فاعلٍ في الاقتصاد والمجتمع.
3- "الدكتاتورية التنموية" هنا ، هي "ضرورة" وطنية ، من أجل انجاز الاستغلال الأمثل للموارد المادية والبشرية المتاحة ، و تطوير الاقتصاد ، و تنويع الانتاج ، وتنوّع مصادر الايرادات ، والقضاء على الفقر ، والحدّ من الفساد.
4- حكومة متجانسة و متخصّصة و كفوءة ، تعمل (داخليّا) كفريقٍ واحد لتحقيق الأهداف والأولويات الوطنية المحدّدة بدقّة ، تحت قيادة "دكتاتور تنموي" يعرفُ ما يريد ، و تعمل (خارجيّا) على ادارة التفاوض والمساومة ، وضبط قواعد اللعبة ، واجادة اللعب مع "الكبار" لتحويلهم الى أصدقاء و "حُلفاء" ، بدلاً من السعي الأحمق لخلق الأعداء ، على الساحتين الدولية والإقليمية.
5- سياسيّون يدعمون الخبراء والمستشارين المحليّين لإنجاز مهمّتهم في دفع عملية التنمية الشاملة قُدُماً ، وليس العكس.
6- التصميم على محاربة الفساد ، و تسمية الفاسدين دون مواربة ، واعلان اسماءهم في سجلٍ (أو كتابٍ) أسْوَدٍ تعرضهُ الحكومة على الشعب دَوريّاً ، وإلحاقِ العار بهم على الصعيد الوطنيّ.
7- وضع قواعد ، وبناء سياسات مُصمّمة لتعزيز قدرة الدولة على معالجة اخفاقات السوق.
8- دعم عملية اعادة بناء وتطوير قطاع خاص "حقيقي" ، وليس قطاع خاص "طفيلي" يقتاتُ على الريع ، ويعمل كذراعٍ اضافيّةٍ للفساد ، في "الدولة" الفاسدة.
بهذا نجحت كوريا الجنوبية في الإعمار ، والتصنيعِ ، والتشجيرِ ..
وبغيره "نجحتْ" بلدانٌ اخرى في أن تجعلَ من الفسادِ والإفساد ، والخرابِ و التدمير، حرفتها الوحيدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بركان ثائر في القطب الجنوبي ينفث 80 غراما من الذهب يوميا


.. كل يوم - د. مدحت العدل: مصر مصنع لاينتهي إنتاجه من المواهب و




.. موجز أخبار السابعة مساءً- اقتصادية قناة السويس تشهد مراسم اف


.. موازنة 2024/25.. تمهد لانطلاقة قوية للاقتصاد المصرى




.. أسعار الذهب اليوم تعاود الانخفاض وعيار 21 يسجل 3110