الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التزمت الدينى فى السودان

محمد مهاجر

2018 / 10 / 15
مواضيع وابحاث سياسية



يبدو ان نتائج المواجهات الجريئة بين المستنيرين وتيار التزمت الدينى والتى حدثت فى برنامج شباب توك ملزالت تنذر بالمزيد من التوتر بين دعاة الحداثة ودعاة التخلف. ان دعاة التخلف يريدون للكل ان يذعن لقهر دولة دينية ثبت فشلها الذريع فى السودان وكل الاماكن التى طبق فيها هذا النموذج. وعلى العكس مما يدعون له فان دولا اغلب سكانها مسلمين وانتهجت العلمانية, او نظام الدولة المدنية, كنظام للحكم, حققت نجاحات واضحة فى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وعلى سبيل المثال فان تركيا العلمانية تخطو الان بثبات نحو نادى افضل 20 دولة من حيث النمو الاقتصادى والاجتماعى, اما تونس فهى تمتاز بافضل نظام تعليمى فى الوطن العربى وهى مستقرة سياسيا وتمضى بخطوات ثابتة فى تحسين اوضاع حقوق الانسان وحقوق المرأة

والدولة المدنية, او العلمانية, وبالرغم من تصوير المتزمتين المسلمين لها على ان نهجها هو كفر صريح, الا انها حققت العدل والنماء فى كل مكان طبق فيه هذا النموذج. والسبب ان مبدأ الفصل بين السلطة الدينية والسلطة السياسية يتيح للدولة بان تحسن ادارة التنوع وتعامل مكونات المجتمع على قدم المساواة, فهى لا تنحاز لدين على حساب دين اخر ولا لفكر على حساب فكر ولا لثقافة على حساب ثقافة اخرى, ومن هنا يتحقق العدل وتتحقق المساواة ويشعر المواطن بانه فرد كامل الاهلية والحقوق, فتتفجر الطاقات ويحدث النمو والابداع. وفى الدول الغربية يوجد الكثير من المسلمين الذى اندمجوا فى مجتمعاتها ولم يعانوا الا يسيرا, وعلى اية حال هم افضل كثيرا مما كانوا عليه فى مجتمعاتهم الاصلية, وعلى العكس تماما, فانهم وجدوا من الحريات ما لم يجدوه فى مواطنهم الاصلية ووفرت لهم فرص الدراسة والعمل ودور العبادة, حتى داخل بعض مبانى الشركات, ووفرت لهم العناية الصحية ورعاية اطفالهم

لا يوجد نموذج محدد متفق عليه يمكن ان نطلق عليه النظام الاسلامى للحكم لذلك اختلف المسلمون على نظام الحكم منذ الساعات الاولى التى اعقبت وفاة الرسول(ص). والثابت هو ان المسلمين لم يجمعوا امرهم على اى من الخلفاء الراشدين الاربعة وقد تم اغتيال ثلاثة منهم, اما طريقة اختيار الخليفة او الحاكم فهى ما لم يتفق عليه حتى الان. والثابت كذلك ان الاصل هو اختلاف المسلمين, بما فيهم الخلفاء الراشدين, اختلاف فى طرق التفكير والتفسير, فكانت هنالك مذاهب السنة الاربعة ومذاهب الشيعة وهنالك الخوارج والمعتزلة والمتكلمين والفلاسفة وغيرهم, ومع ذلك ياتى فى هذا الزمان انصاف متعلمين ويقولون بالا اجتهاد مع وجود النص, وهو راى قال به عالم مسلم فى زمن بعيد واصبح يردده هؤلاء كترديد الببغاء دون تمحيص او مراعاة للسياق. وقد رصد بعض الباحثين اكثر من ثلاثين اجتهادا للخلفاء الراشدين خالفوا فيها نصوصا وردت فى الكتاب والسنة. ان هنالك نصوصا فى الدين الاسلامى لا يمكن فهمها الا بتاويلها, ومثال لذلك نص او لامستم النساء, وقد فسر العلماء اللمس بانه يعنى الجماع او مقدماته, وهو تفسير راحج ان يقبله العقل. وقد اتفق العلماء كذلك على ان المعنى بالنص هو النص قطعى الورود والدلالة وهى نصوص قليلة جدا لا تمثل الا كسرا صغيرا بالمئة بالنسبة الى نصوص الكتاب والسنة

ان الذين يحاربون دعاة التنوير والحداثة فى بلادنا هم فى الاساس من المتزمتين الاسلاميين والسلفيين, وقد درج نظام البشير على ان يستخدمهم كرصيد اضافى كلما تازم به الحال. والتزمت يرفد صاحبه بمكانه علمية واجتماعية زائفة فيعتقد انه عالم بكل شئ فيتباهى ويتعالى على من يحاوره او يخالفه الراى. وهو يعتبر ان اراءه هى الصحيحة وسواها مجرد ترهات. ومن سمات المتزمت الصرامة والاهتمام المكثف بالشكليات والفروع مثل الزى الرسمى وطريقة حديث المرأة وكذلك التاكيد على القواعد الثابتة للتعامل بين الرجال والنساء, دون مراعاة للظروف المختلفة, وغض النظر عن اهمية المنطق والنسبية فى الاحكام. ان المعارك التى ظل يفتعلها المتزمتين مع خصومهم حرمت المجتمع السودانى من وقت كان يمكن ان يكرس لتحسين اوضاع وحقوق النساء والاطفال والمتخلفين نفسيا واجتماعيا وحمايتهم من التحرش والاغتصاب والاستغلال وغيره

الامر الثانى الذى يعانى منه دعاة التنوير هو التعرض للاذلال والاهانات نكالا لمعارضتهم. ولان الدولة توفر لعلماء السوء منافع مادية ومعنوية فهم يدافعون عنها بالظن وبالباطل وينتهكون مبدأ الكرامة على الرغم من النص عليه فى القران الكريم ويشهرون سلاح التكفير فى وجه كل من عارضهم. والامر الثالث هو كبت الحريات, فالدولة اعطت جهاز الامن حق الاعتقال, فاصبح يعتقل المعارضين ويعذبهم ويهينهم واحيانا تتم تصفية البعض ويصرف الجهاز التنفيذى والبرلمان النظر عن التحقيق العادل فتصبح روح المواطن كروح البهيمة

ان الاسلام, فى جوهره ومظهره, يؤكد على المبادئ الانسانية السامية مثل الحرية والعدل والمساواة والرحمة والكرامة, لكن دولة المشروع الحضارى الاسلامى فى السودان تتجاهل كل هذا. والحال كذلك فى السواد الاعظم من الدول الاسلامية. وقد قام الاستاذ الدكتور والخبير حسين العسكرى والاستاذة الدكتورة شهرزاد رحمان, وكلاهما مسلمان, بوضع معايير تحدد مدى اسلامية الدولة, اى مدى تقيد الدولة بمبادئ الاسلام فى ممارستها لشؤون الحكم. وقد شرحا فى بحثهما مبادئ وتعاليم الاسلام ووضعا اربعة مقايسس. المقياس الاول هو اقتصادى ويتعلق بتوفير الفرص للمواطنين والمساواة وحق ملكية الارض والتعليم ومحاربة الفقر والزكاة والضرائب ومحاربة الفساد والربا. والمقياس الثانى هو العدل والحوكمة وهو يختص باسس الحكم الرشيد والنزاهة ومدى تدخل العسكر فى السياسة والحكم. والمقياس الثالث هو مقياس حقوق الانسان ويشمل الحقوق السياسية والمدنية وحقوق المرأة والسياسات الخاصة بالخدمة العسكرية والمخاطر السياسية والابادة. والمقياس الاخير هو مقياس العلاقات الدولية ويشمل البيئة وقوانينها والعولمة (اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا) وكذلك مدى الانفاق العسكرى ومخاطر النظام بصورة عامة

لقد نشرت جريدة التايمز الايرلندية على موقعها على الانترنت ملخصا لنتائج تطبيق مقياس العسكرى – شهرزاد وكانت النتيجة مخيبة لامال كل الدول الاسلامية. مخيبة لها لان قائمة الدول ال 25 الاوائل خلت من اى دولة اسلامية بل كانت العشرة الاوائل هى نيوزيلاندة ولوكسمبورج وايرلندا وايسلندا وفنلندا والدنمارك وكندا وبريطانيا (المملكة المتحدة) واستراليا وهولندا. ومخيبة لان دولتان اسلاميتان فقط كانتا فى قائمة افضل 50 دولة وهما ماليزيا (رقم 18) والكويت (رقم 48). والخيبة الاخيرة هى ان امريكا التى تصفها بعض الانظمة بالشيطان الاكبر احتلت المركز رقم 15 واسرائيل رقم 42 وهى افضل من اى دولة عربية, اما قطر الحليف الاكبر والداعم الاعظم للاصوليين والكيزان فانها احتلت المركز رقم 111








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عودة جزئية للعمل بمستشفى الأمل في غزة بعد اقتحامه وإتلاف محت


.. دول أوروبية تدرس شراء أسلحة من أسواق خارجية لدعم أوكرانيا




.. البنتاغون: لن نتردد في الدفاع عن إسرائيل وسنعمل على حماية قو


.. شهداء بينهم أطفال بقصف إسرائيلي استهدف نازحين شرق مدينة رفح




.. عقوبة على العقوبات.. إجراءات بجعبة أوروبا تنتظر إيران بعد ال