الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الناقد امجد نجم الزيدي، يؤسس لتجربة نقدية مرنة .. كتاب (تمثلات ليليث) انموذجا

وجدان عبدالعزيز

2018 / 10 / 15
الادب والفن


وانا اطالع كتاب (تمثلات ليليث) للناقد امجد نجم الزيدي ، وهو باكورة اعماله النقدية ، اوقفتني عدة تساؤلات واحالتني مباشرة الى النص ، كونه كيان يبحث في انسنة الانسان ووجوده ويبحث فلسفة ماوراء الطبيعة والوجود في الوقت نفسه ، واللغة فضاؤه الذي يتعالق فيه التراث الإنساني وتناصه من فكر ودين وأسطورة وفلسفة ، تكورت كلها في النص .. وأعلت من شأنه ضمن ترسيمة (المؤلف ـ النص ـ القاريء) ، فالنص (فعالية لغوية –كما يقول الغذامي- انحرفت عن مواضعات العادة والتقليد وتلبست بروح متمردة رفعتها عن سياقها الاصطلاحي إلى سياق جديد يخصها ويميزها) ، وبهذا فان النص يلتقي والتناص (كريستيفا) التي عرفته : (عبارة عن لوحة فسيفسائية من الاقتباسات، وكل نص هو تشرب وتحويل لنصوص أخرى) .. والنص نشاط انساني ، والانسان وجود يبحث في الوجود ، هذا العمق لمديات النص وافاقه ، لم تعد مناهج النقد السياقية قادرة على استيعابه ، حيث تأتي المناهج النسقية ، لتبرر عجز ما قبلها ، ثم نجد نظرية التلقي التي اخذت مديات مهمة في مسيرة النقد الحديث.. اذن مر النقد بمراحل هي :
1- مرحلة سيطرة المناهج السياقية: والسلطة فيها للمؤلف، وتشمل المنهج التاريخي، والنفسي، والاجتماعي
2- مرحلة سيطرة المناهج النسقية: والسلطة فيها للنص، وتشمل المنهج البنيوي، والأسلوبي، والموضوعاتي، والسيميائي، والتفكيكي .
3- مرحلة مناهج ما بعد النص : السلطة فيها للقارئ وتشمل نظرية القراءة وجمالية التلقي. وجملة القول في اعتقادي تكمن في ان التعامل مع المنهج ، لابد ان يكون تعاملا مرنا وعدم اتخاذه كفلسفة او ايديولوجيا ، كي نجعل الباب مفتوحا للاستفادة من المناهج الاخرى وعلة هذا سمات عصرنا المنفتح على الحوار بين الحضارات ، وان طبيعة الثقافة الحديثة تنحو الى امتصاص العناصر الجديدة التي تساعدها على التطور والنماء ، فتعدد المناهج يؤدي الى حصيلة الاجابة على جل الاسئلة ، ويعطي للناقد حق اجتراح الرؤية المنهجية الخاصة والتي لاتقبل التحجر والاستنساخ .. وهكذا حاول الناقد الزيدي ان يستثمر قلقه الدائم في الاستناد على طريقة ذات ميزة خاصة به .. واعطى قراءات شعرية اردفها بقراءات سردية عنونها بعنوان ذكي لايخلو من جاذبية ، كون الادب بكل عوالمه يحمل اغراءا مماثلا لما حملته ليليث للرجال ، وراح الزيدي لاعماق التاريخ السحيقة ، ليبرر قلقه في صناعة ابداعه النقدي ، وحينما تحدث عن الشعر الحديث بعالم قصيدة النثر التفت الى السياق التاريخي التي مرت به مسارات الشعر ، مع ربطها بمسارات النقد المواكب ، وكانت طريقته جاذبة لاتدعو الى الملل في السرودات التاريخية .. انما ضمن رؤية الكشف الاحتمالية ، لذا بقي يحاول علاج اشكاليات النثر وعبوره الى الشعر واستثمار تجاور الفنون القولية وعبور احداها على الاخر .. وظل وعالم القلق في اجتراح مواضعات ضمنية تعارف عليها الشعراء والنقاد قبله ، غير انه يمتلك مبرراته الخاصة بقوله : (ان تجربة كتابة الشعر ، هي تجربة غاية في التعقيد ، وذلك لانها تجربة العيش خارج الزمان والمكان ، في فضاء تصطرع فيه البنى الفكرية والفلسفية ، وتتجاذب فيه العواطف والمشاعر الانسانية ، وتتلون مساحات القرب والابتعاد بينهما بالحساسية العالية للغة ، باستخداماتها وتنوع فضاءاتها التي تحرك مناطق الاطمئنان والحس المتقشف الذي تعيش فيه مفردات اللغة اليومية ، تتلبس لغة تتفاعل مع محيطها بحيوية الواثق ، وروحية الكشف ، حيث تتزاحم الدلالات في مدارها ، وتصطرع المرجعيات وتتوحد ، بانعتاق اللغة من سلطة المسلمات والبديهيات وسنن المتعارف عليه) ، ومن خلال هذا دخل عوالم نصوص شعرية ، لتكون امثلته في البحث عن المعنى ، برحلة لم تكن سهلة و(لكي يتم التعرف على الانواع المتميزة من الفهم ، والتفسير الحرفي ، والتطبيق بالنسبة لنص يتمتع بطابع جمالي ، يبدو لي انه من الضروري التمييز بين ثلاثة اجراءات تفسيرية ، وكذلك التأمل المنهجي في ما هو اكثر احتمالا بان يظل غير متمايز في الممارسة الفقهية ـ اللغوية للتفسير الحرفي ، يتم البحث عن اساس الفهم في عملية اعادة تركيب المضمون التاريخي ـ في القصد الاصلي للمؤلف او العمل ـ حيث تقديمه الى التفسير ، الذي لا يعود يميز بين فعلي الفهم والتفسير الحرفي ، ولذلك يفسح المجال للفهم المتشكل من عملية التلقي ، كي يتم استيعابه ضمن التفسير التأملي ، غير اننا اذا ما رغبنا في ربط فهم نص ما ، رغم المسافة الزمنية الفاصلة بين المؤلف والقاريء ، بعملية التلقي الجمالي له ، فمن الافضل ان يتم الفصل بين افق القراءة الجمالية الاولى وافق القراءة الاسترجاعية التفسيرية الحرفية الثانية ، بل والقراءة التاريخية الثالثة التي تضع النص ضمن افق طبيعته المتغيرة واختلافه بالنسبة لتجربتنا ، يمكن لهذه القراءة التاريخية ان تبدأ باعادة تركيب افق التوقعات التي دخل فيها النص لدى ظهوره امام القاريء المعاصر له)1 ، وبقي الناقد الزيدي مستمرا في عملية الفهم ضمن الملاحظة الجمالية ، بعلة تجربة القراءة الاولى تصبح افقا للقراءة الثانية ... ولهذا يقول الزيدي : (لنتمكن من قراءة الشعر ، يجب ان نتحلى بقدرة على تأويل دلالاته ، واكتشاف ارتباطاتها المضمرة ، والعلاقات التي تنشأها مع بعضها ، والافق المرجعي الذي يحكم البنية المعرفية التي تستند عليها ، وايضا البنية التاريخية المعرفية المقترنة بالشعر، اذ ان هناك امتداد تاريخي يبني افقا ينتظم قراءتنا ، ويحكم تلقينا ، لذلك فعند قراءتنا للشعر فنحن نستعين بقدرتنا على تأويل العلاقات المفترضة التي يبنيها النص برمته ، والارث القرائي الذي يولد لدينا حساسية في بناء علاقات النص ومرجعياتها ، لنجترح مسارا دلاليا ينتظم الدلالات وعلاقاتها.) .. وكانت امثلة اختياراته ابتدأها بالشاعر سلمان داود محمد .. وذلك بـ(تجميع الدلالات وفق وحدة بنائية ، تعتمد على فضاء الدلالة وقيمتها داخل النص برمته) ، وحينما تعرض لنصوص الشاعرة آمنة محمود ، لم يدخر جهدا في ايراد لمحات من النقد النسوي الذي عانى كثيرا من السلطة الذكورية وتلمس حقيقة محددة بقوله : (رغم كون الناقدات النسويات اكثر قدرة على تحليل واكتشاف جميع البنى المسكوت عنها ، او غير المصرح بها في النصوص النسوية وذلك لخبرتهن الشخصية مع النظام البطرياركي "الابوي") ، الا هذا لايمنع الكثير من النقاد الرجال الذين يكتبون في هذا النوع كما يزعم الناقد الزيدي .. وتناول نصوصا للشاعرات فليحة حسن ، وهنادي المالكي .. واجتهد في دراسة بنية الداخل وبنية الخارج في النص الشعري ، كما في ديوان (قصائد تلتفت الى امام) للشاعر طيب جبار ، وديوان (فوضى المكان) للشاعرة رسمية محيبس .. وبقي الناقد الزيدي ضمن الاطر القرائية وما يتكشف عنها في القصيدة النثرية وافرد فقرة خاصة لديوان (مدونة الصمت) للشاعر احمد الشطري ، واشعار هذا الديوان تدور وعوالم التفعيلة الا انها تحمل روحا حداثوية اقتضت معالجتها ضمن المغايرة والمفارقة .. وختم طروحاته النقدية في عوالم الشعر ، باشكالية النص المفتوح بتبرير ان (للفنون الابداعية وخاصة التي تقترب من حدود الشعر ، او الاجناس الاخرى المجاورة له ، كالنص المفتوح ، قدرة على كشف المضمر وراء الانساق البنائية المقننة للكثير من الاجناس الكتابية والعلوم الوضعية ، كالتاريخ مثلا ، وذلك لاندمج اكثر من صيغة للخطاب فيه ، حيث يؤشر على المواطن المبعدة عن وعي المؤرخ) ، وعاش الناقد الزيدي اجواء كتاب (تاريخ الماء زالنساء) للشاعرين امير ناصر وعمار كشيش .. بعد هذا دخل معترك السردية ، وتداخل الرواية بالتاريخ كما في رواية (عالم صدام حسين) لمهدي حيدر ، ورواية (طوفان صدفي) لسعدي عوض الزيدي ، ورواية (جنة العتاد) لابراهيم سبتي ، ورواية (درب الحطابات) ، و(حديث الاكف) لحسين الهلالي ، اما في رواية (ليل معدني) لموسى غافل الشطري واكتشف الناقد الزيدي انها مبنية على الفنتازيا ، حيث تُعد الفانتازيا نوعاً أدبياً يعتمد على السحر وغيره من الأشياء الخارقة للطبيعة كعنصر أساسي للحبكة الروائية، والفكرة الرئيسية، وأحياناً للإطار. تدور أحداث الكثير من أعمال هذا النوع في فضاءات وهمية أو كواكب ينتشر بها السحر. وتختلف الفنتازيا، بصفة عامة، عن الخيال العلمي والرعب في توقع خلوها من العلم والموت، على التوالي، كفكرة أساسية، على الرغم من وجود قدر كبير من التداخل بين الثلاثة (التي تُعد أنواعاً أدبية مُتفرعة من الخيال التأملي). وجاء في الكتاب : (ان زعزعة اطمئنان الواقع في الرواية الفنطازية ، يكون من خلال اختلاق عقدة غرائبية تعيد تشكيل مشهد الواقع داخل الرواية) .. ثم عاش الناقد اليات التداخل ونموذجها القصة القصيرة والرسم ، واخذ نص (اللوحة) للقاص وجدان عبدالعزيز المتناص مع لوحة السيد المسيح .. وتعامل مع بنية الايهام ومجموعة (تجاعيد وجه الماء) للقاص نعيم ال مسافر وغيرها من التجارب السردية الاخرى .. وهكذا (فالنقد اذن ، ووفقا لهذا النموذج ، هو عملية تحليل العملية ذاتها ، ولذلك يقودنا الى ارتداد لا نهاية له ، انه الحصول على تجربة ، ثم تحليل هذه التجربة ، وبما ان تحليل تجربة يفترض الحصول على تجربة تحليلية)2 ، اذن النقد يبني هوية ، وهوية الناقد على النحو الذي يفسرها الناقد ذاته .. وقلق الناقد امجد نجم الزيدي ، تؤكد محاولاته في ترسيخ تجربة ووفق هذا .. فالنظرية الأدبية تعالج : طبيعة الأدب وعلاقاته من خلال سبل واجراءات لتحليل الأعمال الأدبية وللبرهنة على توافق القوانين الداخلية والخارجية لها ، وهذا يتطلب المنهج الذي يعدل من الـمناهج الـسابقة لتتوافـق مع مبادئها وأدواتها ومسلماتها. لذلك فالمفهوم المعرفي المؤسس للأدب هو النظرية، والـمنهج النقـدي هو الذي يختبر توافق هذه النظرية مع مبادئها، ويمارس فاعليته، ويتم تداوله عبر جهاز اصطلاحي يحمل قنوات تصوراته ويضمن كيفية انطباقها – قربا أو بعدا – مع الواقع الإبداعي. واعتقد ان الناقد الزيدي وضع تجربته في كتابه (تمثلات ليليث) ، وهي قابلة للاختبار لمرونتها وقدرتها على تكوين رؤية خاصة ...

مصادر البحث :
1 ـ كتاب (ماهو النقد؟) بور هير نادي /ترجمة : سلافة حجاوي/مراجعة : الدكتور عبدالوهاب الوكيل /دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد الطبعة الاولى لسنة 1989م صفحة 143

2 ـ ن،م ص238
3 ـ كتاب (تمثلات ليليث) للناقد امجد نجم الزيدي /الروسم للصحافة والنشر والتوزيع /بغداد ـ شارع المتنبي الطبعة الاولى 2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا