الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العدل الإلهي والجبر والاختيار

ضياء الشكرجي

2018 / 10 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قضية الجزاء الإلهي الأخروي واجه سؤالا مركزيا ومهما، ألا هو ما إذا لم يكن الإنسان مُجبَرا في الكثير من ملامح شخصيته، ببعديها الذهني والنفسي، بعناصر قوتها وبعناصر ضعفها، مما له تأثير على كل سلوكه وخياراته في هذه الحياة. والإشكال يقع في جانب العقاب دون الثواب، بكون الإنسان السيئ لم يكن الخيار بيده أن يكون سيئا، وبالتالي لم يقترف الأعمال السيئة مختارا، حتى يستحق العقاب عليها. وهذا صحيح إلى حد كبير، ولكن ليس بالمطلق كما سيتبين. صحيح كون كل من الجانب الذهني للإنسان فيما يتعلق بإداركاته وقدراته وملكاته الذهنية، والجانب النفسي أو العاطفي والميول النفسية الإيجابية منها والسلبية، كلها أو لنقل جلها ليست من صنع الإنسان نفسه، فمنه ما يمثل موروثا فسيولوجيا (جينيا) من أبويه وما علاهما من آبائه وأجداده من جهة الأب ومن جهة الأم، ومنه ما يمثل موروثا ثقافيا من المجتمع الذي فتح عينيه فيه على الحياة ونشأ فيه، فورث منه الدين والعرف والثقافة ومنظومة القيم. ثم تأتي المؤثرات الخارجية الأخرى من جو أسري ومدرسي ومجتمعي ضيق، ومجتمعي واسع، ومن ظروف حسنة أو سيئة، وفرص واسعة أو ضيقة، أو تكاد تكون معدومة أحيانا، ومن وضع صحي له هو الآخر تأثيراته على كل من ذهنيته ونفسيته، علاوة على كل تجربته في الحياة. هذا جانب، ولكن هناك جانب آخر هو وعيه وإرادته وضميره وفطرته وعقله، مما يجعله قادرا على تغيير الكثير من السلبيات، واتخاذ الموقف المسؤول بإرادة حرة واختيار مستقل. ولكن حتى الإرادة ومدى قوتها أو ضعفها، والضمير ومدى توقده أو خفوت جذوته، والوعي ومدى عمقه أو سطحيته، كل ذلك هو الآخر بنسبة ما، ضئيلة كانت أو كبيرة، هو ليس من صنعه، بل إلى حد كبير من صنع ما ذكرنا من مؤثرات أسهمت في صياغة تركيبة شخصية ذلك الإنسان، بتألقاتها وانحداراتها، أو توسطها بين ذا وذا، وذلك ذهنيا وسايكولوجيا وأخلاقيا وروحيا. ولكن وفي نفس الوقت كل إنسان يدرك بالبداهة أنه يفعل الكثير من أفعاله، ويتخذ الكثير من مواقفه، بمحض إرادته، مستقلا وخارج المؤثرات الخارجية.
هنا أستعير المقولة الفلسفية العميقة والدقيقة للإمام السادس للشيعة جعفر بن محمد الصادق، إجابة على السؤال حول الجبر والتفويض، إذ قال «لا جبر ولا تفويض، بل هو أمر بين أمرين»، فأقول - وبقطع النظر عما كان مراد صاحب المقولة منها، لاختلافي وإياه في القاعدة الفكرية التي ينطلق منها كل منا - إن في كل إنسان على انفراد، بل وفي كل موقف من مواقفه، وفي كل شوط من أشواط حياته، وفي كل فعل وفي كل ترك، وفي كل قول وكل صمت، ثمة عناصر جبر، وثمة عناصر اختيار، والله بحكم عدله المطلق المفترض إنما يضع حصرا في ميزان الحساب والعقاب عناصر الاختيار دون عناصر الجبر، فإذا كانت عناصر الاختيار خمسين بالمئة، فيحاسب ويعاقب - إن كان هناك عقاب - مقترف الفعل السيئ على الخمسين بالمئة، دون الخمسين الأخرى، وإذا كانت تسعين بالمئة فعليها، وإذا عشرة بالمئة فبمقدارها حصرا، وبذلك يتحقق العدل الإلهي في ضوء ميزان هو في غاية الدقة ومنتهى العدل. ولذا أؤكد دائما، بأن ما يعتقد به الإنسان من عقيدة ميتافيزيقية إيجابا (الإيمان بالمصطلح الديني)، أو سلبا (الكفر بالمصطلح الديني) هو إن لم يكن دائما، فربما بنسبة 99,999.999% أمر جبري، حتى لمن اختار عقيدته بنفسه وبمحض إرادته عبر إعمال عقله، بعيدا عن الموروث، فهو أيضا مجبر بعامل نسبية إدراكاته الذهنية، إذ لا مطلق في عالم الإنسان، لاسيما في هذا الميدان من الفكر غير الخاضع للتجربة وأدوات البحث العلمي، وسيأتي تفصيل ذلك في محله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س


.. كل يوم - د. أحمد كريمة: انتحال صفة الإفتاء من قبل السلفيين و




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: صيغة تريتب أركان الإسلام منتج بش