الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مراجعة نقدية للتحركات الاحتجاجية في لبنان

فؤاد سلامة

2018 / 10 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


قلما نشهد مراجعات نقدية للحراكات الشعبية وللنشاطات الاحتجاجية في لبنان من قبل الداعين إليها والمُنظِّمين لها. هذا ما لمسناه أثناء وبعد "الحراك المدني" في صيف 2015 حيث لم تحصل نقاشات علنية بين المجموعات، ولا صدرت مراجعات نقدية من قبل قادة تلك المجموعات في تلك الفترة. هذا باستثناء نتف "فايسبوكية" هنا وهناك تعبر عن فائض من مشاعر المرارة والخيبة، وتُحمِّل الآخرين مسؤولية الفشل.
حصلت في العام 2018 مجموعة من التحركات الاحتجاجية. الدعوة الأخيرة للتحرك جاءت من مجموعة "معا للبنان أفضل". حصل دعم غير مباشر في بداية الدعوة من الشيخ ياسر عودة، رجل الدين المتمرد على المنظومة الدينية - السياسية. ثم دعمت عدة مجموعات "فايسبوكية" تلك الدعوة، إضافة لحزب الخضر الذي أصر على توقيع ميثاق شرف بين المجموعات المشاركة بالتحرك، وكان له ما أراد.

أرقام المشاركة بالنزول على الأرض أخذت ترتفع بسرعة على صفحة الحدث في الأيام الأخيرة التي سبقت التحرك. كان من المتوقع مشاركة حوالي ألفي شخص من مجموع الستة عشر ألف شخص الذين أيدوا التحرك في العالم الافتراضي. المشاركة الحقيقية لم تتعدى أربع مائة شخص. هذا الرقم لا يعكس أبدا الواقع المأساوي في لبنان حيث يوجد كتلة شعبية كبيرة من الفقراء والعاطلين عن العمل تفوق ال 300 ألف شخص، وهذه الكتلة يضاف إليها ما يقارب الخمسين ألف شخص من النخب المعارضة.
في استنتاج أولي، نلحظ ضعفا كبيرا جدا في مشاركة تلك الكتلة الاجتماعية بالاحتجاج على المنظومة السلطوية الفاسدة. لماذا لا تشارك تلك الكتلة في التحركات الاحتجاجية إلا بشكل ضئيل جدا؟ هل لأن الداعين للتحرك والمنظمين له عاجزون عن الوصول إلى تلك الكتلة، أم لأن ثمة حالة من اليأس والخوف تجعل المشاركة شبه مستحيلة، أم لأن ثمة مقاطعة من الجمهور للقيادات الداعية للتحرك لأسباب عديدة.
في الاعتصام "ضد القمع" في ساحة سمير قصير، في صيف 2018 كانت المشاركة محدودة ببضع مئات. في تظاهرة 29 آب 2018 ضد المحارق، التي دعت إليها عدة مجموعات برزت في حراك 2015 شارك، حوالي الألف شخص من أصل ستة آلاف أيدوا التحرك على الشبكة العنكبوتية. في تحرك دعا إليه ائتلاف إدارة النفايات في اليوم الذي تم فيه إقرار قانون المحارق، كان الحضور لا يتجاوز المائة وخمسين شخصا. في اعتصام 13 تشرين أول الذي دعت إليه مجموعة "معا للبنان أفضل" وعدة مجموعات حديثة، من بينها حزب الخضر، كان الحضور ضعيفا مقارنة بالحضور في مظاهرة 29 آب 2018.

من الواضح أن المشاركة في جميع تحركات عام 2018 كانت هزيلة، مقارنة بالمشاركة في تحركات عام 2015 أثناء أزمة النفايات والتي استمرت قرابة الشهرين وانتهت بشكل مُخيّب للآمال التي كانت معقودة عليها. يجب استخلاص دروس من هذا التراجع الذي أصاب قوى الاعتراض والتغيير.
هل أن التراجع مرده يأس المهتمين بالمشاركة من إمكانية التغيير؟ أم أن السبب يعود لتحسن الوضع المعيشي للناس؟ طبعا لا، لأن الوضع المعيشي للفئات الشعبية ازداد سوءا منذ 2015 وحتى اليوم. ولكن لا يمكن تجاهل أن ثمة تأثيرا لإقرار سلسلة الرواتب على مشاركة أبناء الطبقة المتوسطة في أعمال الاحتجاج. هل نغامر بالاستنتاج أن ثمة ضعفا في التخطيط والتنظيم من قبل الجهات الداعية والمنظمة قد يكون مسؤولاً جزئيا عن ضعف المشاركة الشعبية؟ لا بد من أن يقوم المعنيون بتوجيه الدعوة للتحرك وبتنظيمه، بإعطاء أجوبة على مجمل هذه التساؤلات.

من جهتي أميل لتحميل مسؤولية ضعف المشاركات للجهات الداعية والمنظمة، بسبب عدم سعيها لإشراك أوسع مروحة من المجموعات المعارضة في التحضير للتحركات الاحتجاجية. التفاوت الكبير بين عدد المهتمين بالتحرك الأخير الذي تجاوز الستة عشر ألف شخص، وعدد المشاركين الفعليين، هذا التفاوت يجعلنا لا نثق أبدا بأرقام المشاركة في العالم الافتراضي، ويدفعنا لعدم تصديقها أو أخذها بالحسبان، في أي تحرك مقبل.
هل اختيار توقيت التحرك يلعب دورا ما في إحجام المهتمين عن المشاركة؟ إذا كان هذا أحد الأسباب، فينبغي اختيار توقيت التحرك بعناية فائقة، وعدم التفرد في اختيارات غير موفقة. من المرجح أن ضعف المشاركات في التحركات الاحتجاجية يعود بشكل أساسي إلى تراجع وهج النشاطات الاعتراضية على أداء المنظومة السلطوية في لبنان. لم تعد تلك "النضالات" تغري بمشاركة جمهور واسع في هذا البلد المترع بالخيبات.

فشل الحراك المدني الذي انطلق في صيف ال 2015 بالوصول لنتائج ملموسة، ضاعفه فشل "المجتمع المدني" في الانتخابات النيابية. لا بد إذن من قول الحقيقة الجارحة، وهي أن ما يسمى "قوى الاعتراض والتغيير" لم تعد تملك رصيدا يُذكر في الأوساط الشعبية والطلابية وداخل النخب الجامعية والثقافية والفنية. أسباب ذلك تتردد على لسان جمهور وقادة تلك القوى، وبعضها يبقى طي الكتمان، ولكن لا بأس من الإشارة إلى بعض تلك الأسباب.
يمكن بسهولة أن نذكر آفات الشخصانية والأنوية والتفرد، ونزعات الشللية والنجومية والتزعم، ويمكن أن نضيف الخوف من القمع أو الخشية من فقدان الوظيفة أو وسيلة العيش والارتزاق. كوادر الحراكات المدنية يعرفون ذلك، وقليلون يبذلون جهدا لتجاوز تلك الآفات والنزعات والمخاوف. البعض يشير إلى مشكلة التمويل، سلباً أو إيجاباً!! وآخرون يبرزون مسألة الإعلام ودوره في طمس الحراكات أو الترويج لها حسب حاجة كل طرف أو محور لاستعمالها في وجه الخصوم.

لا شك أن كثيرين قد يرون أن أسباب ضعف المشاركة في التحركات الاحتجاجية لا يعود لأسباب "تقنية" بل سياسية. نظرة اليساريين تفترق حول موضوعي المضمون والشكل. البعض منهم يردون أسباب ضعف الحراكات الاحتجاجية لأسباب سياسية - أيديولوجية- اقتصادية والبعض الآخر يردها لسبب غياب الوسيلة التنظيمية أو ضعفها، والمقصود طبعا هنا هو الحزب السياسي.
الرغبة في تقديم جواب على سؤال "ما العمل"؟ يدفع اليساريين للبحث عن أسباب ضعف التحركات الاجتماعية في مجال التحليل والنظرية. ثمة إغراء يساري بنَسب كل ضعف أو فشل إلى غياب النظرية الثورية وغياب الطليعة الثورية. وهذا يفتح باب النقاش والتحليل على أبواب فكرية من الصعب إغلاقها في هذه المقالة. نكتفي بالتشديد على أنه في المرحلة الراهنة فإن من الضرورة القصوى فتح نقاش موسع ومعمق حول أفضل الوسائل لدمج المجموعات السياسية المتقاربة في أطر تنظيمية ملائمة وقادرة على استيعاب كل تلك الطاقات التي يبددها التشتت والتشرذم في صفوف قوى الاعتراض والتغيير.

يرفض البعض فكرة الدمج القسري لمجموعات المعارضة حرصاً على الغنى والتنوع داخل الحراكات الشعبية. يفضل البعض صيغة العمل الجبهوي التي تحافظ على التنوع وترفع من زخم التحركات الاحتجاجية. يرجع الخوف من الوحدة والدمج إلى رفض متجذر للمركزية البيروقراطية التي وسمت أحزاب المعارضة التقليدية. كما يرجع إلى الخوف من الذوبان في حركة عامة تلغي خصوبة حركات التمرد وإبداعاتها، وتغلب التوجهات السلطوية. لذلك لا بد من استنباط أساليب عمل تجمع فضائل العمل الجماعي وتخفف من مخاطر التسلط واستغلال الطاقات الشبابية لصالح أجندات خارجية أو لتصب في مخططات استثمارية سياسية شخصية أو طموحات انتخابية ضيقة.

يبقى أن نشير سريعا إلى ضرورة رفع الكثير من التحفظات على التنسيق بين مختلف قوى المعارضة حتى لو اختلفت أساليب عملها وأولوياتها وتباينت تصوراتها وتحليلاتها للوضع السياسي والاقتصادي. أخص بالذكر هنا الحزب الشيوعي وحزب سبعة، اللذين ينتميان لعالمين فكريين يبدوان متناقضين، واللذين توجه إليهما انتقادات حادة من الكثير من المجموعات المنبثقة من الحراك المدني. يوجد برأيي قواسم مشتركة عديدة وأهداف مشتركة تجمع بين كل قوى المعارضة يمينا ويسارا، وهذا هو المهم. ولا مناص من العمل الدؤوب على تجسير الخلافات الأيديولوجية والسياسية متى توفرت الإرادة السياسية الصلبة لمواجهة المنظومة السلطوية التحاصصية بأوسع تحالف ممكن بين مختلف قوى الاعتراض والتغيير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: مقتل مسؤول في منظومة الدفاع الجوي لحزب الله بغارة إسر


.. قبيل عيد الفصح.. إسرائيل بحالة تأهب قصوى على جميع الجبهات| #




.. مؤتمر صحفي لوزيري خارجية مصر وإيرلندا| #عاجل


.. محمود يزبك: نتنياهو يفهم بأن إنهاء الحرب بشروط حماس فشل شخصي




.. لقاء الأسير المحرر مفيد العباسي بطفله وعائلته ببلدة سلوان جن