الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مغارة الجنس ومعاول الرغبة

عمار ابراهيم عزت

2018 / 10 / 18
الادب والفن


قراءة في كتاب (الجنس في الرواية العراقية) للناقد داود سلمان الشويلي
لعلها التفاتة ذكية من الشويلي أن يطرق بمعوله النقدي على صخرة تخفي خلفها مغارة بدهاليز متشعبة وأن يتجرأ في اقتحامها والمضي قدما الى حيث النور الذي سنبصر فيه معا ما اخفته هذه المغارة التي طالما حذر الآباء والأجداد من دخولها خوفا من الضياع أو النفي الأبدي خارج منظومة القيم والأخلاق والأعراف الاجتماعية.
فبالرغم من إن الجنس سر ديمومة البشرية ونقطة الالتقاء بين الرجل والانثى فهو فعل انساني يفرضه الواقع ويرفضه في الوقت ذاته لأسباب شتى كما يتحرج ايما حرج في تناوله في منجز ابداعي او نقد او حوار. فهو (تابو) لا يختلف عن (تابوات) الدين والسياسة.
لقد أصبح الجنس في الرواية العربية ذكورية او نسوية ظاهرة يندر خلو رواية منه. وتتفاوت شدة تركيز المنسوب (الإيروسي) من رواية الى أخرى ومن كاتب الى اخر. غير ان هذه الظاهرة لم تحظ بما يلائمها نقديا نتيجة للحساسية التي يعاني منها المجتمع العربي تجاه قضية الجنس وهذا ما نوّه له الشويلي في تقديمه. فلم ينجز فضلا عن كتاب غالي شكري " أزمة الجنس في القصة العربية 1971" سوى كتابين لم يشر لهما الناقد الشويلي وهما:
الجنس الحائر ازمة الذات في الرواية العربية: عبد الله أبو هيف 2003
أزمة الجنس في الرواية العربية بنون النسوة: الكبير الداديسي 2018.
مما تقدم يكون كتاب " صورة الجنس في الرواية العراقية" للشويلي هو الكتاب الرابع عربيا والأول عراقيا.
يتكون الكتاب من خمسة فصول تناول الناقد في كل فصل روائيا عراقيا وهم على التوالي" عبد الرحمن مجيد الربيعي، هشام الركابي، حازم مراد، ناطق خلوصي، والكاتبة لطيفة الدليمي"
وقد تباينت نظرة الناقد لقضية الجنس عند كل روائي. فهي عند الربيعي تعويض عن القهر الاجتماعي والخيبة السياسية. بينما كان عند هشام الركابي تعبير عن المستوى الإنساني في مجمل العلاقات الجنسية. اما عند حازم فيقتصر الجنس على الجانب الحسي في العلاقة بين الرجل والمرأة. بينما طرح ناطق خلوصي” مسألة الجنس بين أبطالها، بوصفه علاقة الرجل بالمرأة من خلال رؤية شفافة ذات تأثير كبير في المجتمع سلبا أو إيجابا وقد قسم الجنس الى نوعين " مشرعن دينا وعرفا وقانونا وجنس محارم"، أما عند لطيفة الدليمي فهو هاجس إنساني يختلقه إحساس بعدم الراحة النفسية، وما يشوب ذلك من قلق وحيرة وفراغ إنساني كياني ونفسي، بسبب غياب الطرف الآخر.

هل التطرق إلى الجنس ضرورة فنية ام هو توابل لمجتمع ذكوري هائج وجائع بشكل بيولوجي وعاطفي كبير؟
سئل الروائي الجزائري (أمين الزاوي) عن السبب الذي يجعله يصر على توظيف الجنس في رواياته بتلك الفظاظة والجرأة؟ فرد عليه: أيعقل أنك تجدني أكثر جرأة في توظيف الجنس مما قد تكون قد قرأت في تراثنا العربي؟ فما كتب في تراثنا أكثر جرأة مما يكتب اليوم.
وتعضيدا لقوله فان ألف ليلة وليلة باعتبارها واحدة من أهم روافد السرد العالمي ممتلئة بأحاديث الجنس بشكل سافر وصريح، والتراث العربي برمته لا يكاد يخلو مصدر من مصادره من الحديث عن الجنس حتى تلك الكتب الوقورة وحتى القرآن الكريم لم يجد حرجا في الحديث عن المباشرة والعلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة.
لقد شهد القرن السّابع عشركما يؤكد الفيلسوف الفرنسي (ميشال فوكوMichel Foucault) في كتابه (تاريخ الجِنسانية: إرادة العِرفان) بداية «عصر القمع»، فلم يكن من السّهل الحديث عن «الجنس» بسبب الطّوق الأخلاقي والقانوني الذي ضُرب حوله، فما حدث أنّ اللغة أصبحت تسكُت عن هذا الموضوع، وأصبحت هذه الكلمة مُراقبة.
وأصبح الحديث عنها هو تعبير عن المسكوت عنه، وقد عكس هذا القمع الرمزي إرادة سلطة أخلاقية هدفها برمجة النفوس على عدم اقتراف (الكلمة-الجنس) في الخطابات، لاسيما الروائية منها. ولا يختلف رد فعل الثقافة العربية تجاه الكلمة وما يحيطها من مضامين.
إن الاسفاف في استخدام الجنس في الرواية العربية وما أثير حوله من جدل يحثنا على البحث عن الغايات المنشودة من وراء زجه في بنية العمل الروائي. والآراء تتباين في هذا الصدد:
يقول بشير مفتي:" أن استهداف الجنس لمجرد الاستهداف يعد عملا لا يضيف شيئا للأدب كقيمة جمالية وفنية بالأساس، بل سيكون محاولة للشهرة أو لفت الانتباه وقد يعتبر البعض الجنس مادة سهلة للشهرة، حيث هنالك من يبحث من خلال استعمال الجنس فقط عن ردة الفعل التي يحدثها نص كهذا في قاعدة أصولية جاهزة للتحريم والتكفير والتخوين والاتهامات المعروفة"
أما الروائي سعود السنعوسي فيشدد على إن يوظف الجنس بما يخدم سياق العمل فلا مانع من وجوده إن كان الجنس ضرورة ملحة يكتمل معها العمل.
أما الشاعر الجزائري خالد بن صالح فيؤكد ان:" الجنس لا يقل أهمية عن ثيمات أخرى مهمة كالدين والسياسة والتاريخ والحروب وغيرها.... وباعتبار أن الرواية فضاء مفتوح للكشف الإنساني والغوص بعمق في نفسيات الشخصيات فإن التحولات التي قد تحدث بتأثير الجنس في حياتهم تعكس وجهة نظر الكاتب ومدى تحقيقه للرؤية التي يتبناها".
أما المصري أحمد مجدي همام فيقول: لا أظن أن الموضوع بحد ذاته يشكل تابو، إنما الطريقة التي يتم توظيف الجنس بها في النص الأدبي هي التي تجعل منه تابو أو تجعله جزء محكم من دراما النص.
ويبقى ان ننوه الى إن حضور الجنس في رواية ما لا يضعها في تصنيف الروايات (الإيروسية)
وذلك ما يؤكده لونيس بن علي بقوله: "لا أظن أنّ حضور الجنس في الرواية يكفي لوصفها بأنها رواية (إيروتيكية)، الإيروتيكية في حدّ ذاتها تمثل موقفا من الفن ومن الحياة ومن الإنسان، سواء كنا مع ذلك الموقف أو ضده، إذ يبقى في حدوده الخطابية –أي الجنس– يعيد توزيع قيم الجسد والآخر في وجودنا. لا أتحدث هنا عن التوظيفات المجانية التي تندرج ضمن المغالاة في تصوير متع الجسد بلا أي غرض فني، أو تسويق صورة ما عنا للآخر، ففي هذه الحالة فهذا أدب تجاري وتسويقي، لا يحمل أيّ تصوّر".
فقد سعى بعض الكتّاب ممن يبحثون عن أرقام توزيع بغض النظر عن فنية أعمالهم الى تطعيم نصوصهم بجرعات جنسية بشكل مجاني زخرفي، حيث الرهان على القارئ العربي الذي يبحث عن ذاته المكبوتة في سطور الكتب، بينما يبحث الغربي عن صورة نمطية راسخة ومقولبة للمشرق عن طريق تلك الأعمال الغارقة في المنيّ، إذ تدعم تلك الأعمال الصورة الذهنية المكونة عن العرب بوصفهم كائنات بشرية تعاني هياجاً جنسياً مزمناً.
خلافا لذلك نجد الكثير من الروايات التي تعد إيروسية بطابعها العام قد تخطت إيروسيتها التركيز على العامل الجنسي بوصفها غاية. فقد طوعته لما يخدم القضايا الإنسانية الكونية العامة والثقافية والاجتماعية الخاصة ومنها على سبيل المثال:
ما أصدرته الفرنسية كاترين مييه في كتابها (حياة كاترين م. الجنسية)، و"فلاديمير نابوكوف في (لوليتا)، ورواية "اللامتناهي في راحة اليد" لـ جيوكندا بيللي، الرواية التي تعيد كتابة قصة بداية الخلق، اللقاء الأول بين الرجل الأول والمرأة الأولى، اذ إن الجنس في الرواية جاء ضروريا لا مناص منه، ومن غير الموضوعي أن تصوّر لنا الرواية اكتشافهما لجِدّتهما وجِدّة الأشياء من حولهما من دون المرور باللقاء الجسدي الأول، وقد جاء المشهد، بكل تفاصيله، سحريا كلوحة فنية تشكل جزءا مهما في لحمة العمل من دون ابتذال. ومثله مشاهد الاغتصاب في الحجر الصحي في رواية "العمى" لساراماغو، وهي مشاهد جنسية بشكل أو بآخر، ولكن وجودها في بيئة الرواية كان أمرا مهما وله أبعاد كثيرة تتجاوز فاقدي البصر لتصور لنا دناءة النفس البشرية في أقسى ظروفها، ولنكتشف بأننا جميعا مصابون بالعمى.
إن خلاصة مهمة نستنتجها من هذا العرض الموجز تتلخص في مدى حرفية الكاتب في غزل خيط (الإيروتيكا) في ثنايا الثوب (النص) بشكل متناسق ويخدم الضرورة الفنية". وهذا ما لم نجده في كتاب الشويلي الذي عالج الظاهرة في بعدها الإنساني والسياسي والاجتماعي والأخلاقي دون المستوى الفني مع إشارات متفرقة تأتي في ثنايا الحديث عن أثر الجنس في بناء الرواية.
وأود أن أسجل ملاحظات على سبيل التقويم والاثراء لا النقد لهذا الجهد الكبير والرائع الذي بذله الشويلي في كتابه وهي:
1- عدم وجود رابط مشترك للروايات التي تناولتها الدراسة فالاختيار كان لأسباب متعددة منها ما هو فني ومنها ما هو شخصي.
2- عدم وجود توازن بين الروائيين المنتخبين للدراسة فمنهم ما قبل 2003 ومنهم بعد 2003 ونعلم ان هناك تحولا شاملا في الخطاب الروائي بين قبل وبعد.
3- تتفاوت الاعمال المدروسة بين اديب واخربين رواية واحده الى ثلاث. فضلا عن زجه لروائية واحدة بين أربعة روائيين. أي خلط الذكورية بالنسوية دون مراعاة حساسية الخلط بينهما لاختلاف تصورات كل طرف ورؤيته للجنس.
لذا اقترح أن توسع الدراسة بمنهجية جديدة تتناول الجنس في الرواية قبل وبعد 2003. في اتجاهين الأول الرواية الذكورية والثاني الرواية النسوية مع ربط الظاهرة بمحيطها العربي وفضائها العالمي لأهمية وحساسية هذا الموضوع.
(الجنس في الرواية العراقية: داود سلمان الشويلي، المتن للطباعة والتصميم، ط1، بغداد:2018)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا