الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكريات من ايام النضال الحلقة الرابعة عشر عريف جحيف وأمن البصرة

سعدي جبار مكلف

2018 / 10 / 18
الادب والفن


ذكريات من ايام النضال /الحلقة الرابعة عشر
سجن العمارة المركزي و الموت البطيء
منذ اوائل الخمسينات ، بالضبط في عام 1952، بقيت و ما زلت في مخيلتي مواقف و مشاهد ريما طفولية ، الا انها باقية خالدة معي ابدا ،لا يمكن ان انسى طابور الطلبة ومواقفهم امام باب مدير مدرسة المربد الابتدائية في البصرة ليتم تسجيلهم فيها ، وكل منا يحمل ورقة تثبت انه فقير (شهادة فقر ) موقعة من مختار المحلة حجي مجيد، كيف انسى ام السبع عيون المعلقة في واجهة كل بيت من اكواخنا لمنع الحسد؟ كيف انسى فرحتي وانا اشاهد طيران البلبل من القفص في سوق الجمعة بسبب خطأ ارتكبه صاحبه ،امتلك هذا الطائر حريته ودعته بابتسامة كبيرة طعمها باقي عندي ذكرى لطعم الحرية الباسل الذي افتقدناه ونحن صغار واستمر معنا الى نهاية العمر ، كيف انسى سوطك
ايها الجلاد و انت تمزق اضلعي، وكما تشاء ، كيف و كيف والف كيف وقفت بباب محرابي تنتظر الجواب وانا في الغربة اصارع طوفان الخداع الذي اجتاح كل المدن فبقيت تتسول الامان والنور والحياة ،
حكمت علينا المحكمة العسكرية الثانية في البصرة ،برئاسة العميد عباس فرحان بالحكم خمسة سنوات بالنسبه لي بتاريخ 1964 /11 /23
و كنت وقتها مريض جدا ،لا استطيع الوقوف او السير ونحن ننشد لبناء عالم جديد ، اتجه بنا قطار المعقل الى بغداد ومنه الى الرمادي، حيث السجن الرهيب الموحش بناسه و مكانه ،كان مسكني الجديد القاعة الثانية في محجر السجناء السياسيين في سجن الرمادي كنا اول من وصل الى هذا السجن ،كان كل شيء بيد السجناء العاديين يطبخون ، يعملون الصمون ، يبيعوا الشاي اما نحن فكنا اعداد قليلة حتى وصلت وجبات جديده من السجناء، كان مكاني في وسط القاعة ويقوم الاخ الرفيق العزيز عبد شنين بعمل كل شئ لي من الصباح حتى
المساء، يساعدني في كل شيء، لا يوجد لدينا اي عمل او جهاز راديو او جريدة ، وقد تم وصول اول جهاز راديو لي عن طريق العم كامل شناوة وضعه مع قنينة لحفظ الشاي الحار ،لم يتم تفتيشه بسبب زوجة مدير السجن، كان هو الوسيلة الوحيدة لنا لسماع اخبار العالم بعد ان سلمته الى الزميل اسعد عباس العاقولي المناضل البصري المعروف ،
معظم وقتي اقضيه في الفراش ، جميع اوصال جسمي ألم متواصل مستمر، في منتصف عام 1965 انتقلت الى سجن العماره المركزي و كان معي ايضا الاخ عبد شنين ،كانت القاعة السادسة هو بيتنا الجديد سجن العماره اكبر مساحة و عدد من سجن الرمادي ،ذات تنظيم قوي
فيه اعداد كثيرة من القادة المعروفين من اعضاء اللجنة المركزية و كذلك اعداد كثيرة من شباب مدينة البصرة و من ثوار ثورة الرشيد كانت القاعة السادسة تضم عناصر شابه ، لا تلتزم بفترة الهدوء التي تخيم على السجن، من الساعة الثانية بعد الغداء حتى الخامسة عصراً ثم تبدأ لعبة السلة و المسابقات بين الردهات ، كل قاعة عبارة عن غرفة ذات طول اكثر من عشرين متراًطولاً و عشرة امتار عرضا ، في قاعتي كل من الاخ عبد شنين بجانبي تماما ،اليد الرحيمة التي مدت لي العون والمساعدة طيلة فتره السجن مضى عليّ حوالي شهرين عندما تم تبليغ من قبل المسؤول القاعة بأني خفر ليلي في السجن من الساعة الثانية ليلا حتى الرابعة صباحا لم اكن اعلم ما هذه المهمة في السجن اخبرني يجب ان تكون مستيقظاً مع رفيق أخر لمراقبة حركة رجال الشرطة و السجانه اذا ريما يقتحمون السجن و الهجوم علينا اخبرته بأني مريض و لا استطيع القيام بهذه المهمة لسوء حالتي الصحية جدا لم يقتنع الاخ ابو قصي وهو معلم من الزبير في البصره وانه لديه فكرة تامه حول رفضي الحضور الى حلقات التثقيف التي كانت تدور حول اسطوانة الحياد الايجابي و دور الدول النامية في تطور النظرية الاقتصادية و السياسية و غيرها كلام لا يزيد ولا ينقص ،لقد كان العديد من الشباب يرفضون هذه الحلقات اليمنية البحته التي يقودها اعضاء اللجنة المركزية لم اقم بالخفارة و رفضت ذلك بشدة حاول معي اكثر من مره زجي في عمل شيء ما مثل الطبخ او تنظيف سفرة الاكل التي طولها اكثر من عشرة امتار ، وتحضير و تهيئة الطعام داخل القاعة دون جدوى ،بعد الحاح كثير و في احد الايام خرجت الى المطبخ عند الساعة الخامسة صباحا لعمل فطور السجناء وعند ادهم اكثر من 400 سجين وكانت شوربة عدس ،عندما اكملنا انا و الاخ عبد شنين العمل و وقاموا بتوزيعها على القاعات السبعة تبين ان الشوربة محروقة و احتج السجناء على تلك الوجبة على اثر ذلك قامت لجنة تنظيم السجن بتجهيز كمية من الجبن الاحتياطية الموجود في مخزن السجن وقد تم حل تلك المشكلة قام السجناء بالمزاح معي ، ان الحاكم قد اخطأ في حكمي خمسة سنوات يجب ان يكون اكثر، كي ننعم بفطور من الجبن لم اكن ناجح في اي عمل طلب مني في السجن ،عده مرات اجلب الشاي بدون ان يكتمل اوكما يقال( يخدر) فيكون شبيه بالماء حيث اخذت نصيحة ابو قصي حيث ذكر لي ان نعمل الشاي بسيط عندما تلاحظ ان الماء يبدأ بالغليان وهذا معناه انه اكتمل ولكن هذا اثبت غير صحيح ، اخيرأ وجدت لي عمل موزع رسائل السجناء، فيقوم الاخ عبد شنين استلام الرسائل من الاخ ناظم زنكنه ويضعها على صندوق في مثبت على الحائط ، عندما يسأل اي سجين حول رسالته اجيبه فتش تلك الرسائل ، هكذا الى ان غادرت سجن العمارة و انا لا استطيع عمل اي شيء، تدهورت صحتي جداً عند منتصف عام 67 ونقلت الى المستشفى ، بعد الفحوصات ورقودي في المستشفى اكثر من اسبوعين ،اوصت الدكتوره بوجود فقر دم حاد بسبب سوء الطعام، لذلك اوصت بتجهيز ثلاثة وجبات خاصة لي كل يوم وهكذا انتهت خمسة من السنوات بالكمال و التمام دخلتها بعمر 17 سنة و بضعة اشهر و كنت اصغر سجين سياسي
يشاركني في ذلك الاخ الشاعر ابو سرحان ، بشهادة من لجنة حقوق الانسان السويدية التي زارتنا ووثقت اعمارنا ونحن في سجن العمارة كتاباتي الادبية كتبت على ما اتذكر القصيدة الاولى في عام 1966 في ليلة راس السنة اذكر منها .....
هاهو العام الجديد
جاء يحبي نحونا
صرخه السجنان تمتزج
مع الناقوس و الجامع
مع الجرح الذي حزن حزُمعاصمنا
وامس اليوم صباحنا
ويرقد حيث ليلتنا
بلا خمرا بلا شمعاً
سوى افراحنا وهمناً
سوى الانجم تقابلنا
ساعيش رغم البعد رغم السجن رغم البادية
رغم المسافة التالية
و سأنتظر عند الصباح
رؤوى الحبيبة ناديا
كذلك كتبت قصيدة قوس قزح منى...
عيناك ماجت يامنى
عيناك اخضر سنبلة
عيناك لي غيثاً
وفي الغيص ضنى
عيناك ماذا فيهما
جسراً من الامال مرقد للهنى
اما في الشعر العامي الشعبي كتبت عدة قصائد غزلية منها على ما اتذكر:-
وين اظمك
اخاف اعليك من كلشي
احطك بالگلب اتفز
دگاته الك فدوه
ونته العز
اخاف اعليك
يبو شال الحبر
ياجوري ياطاريك
تسكن عيني اليمنى
واليسرى دفو تفديك
وهكذا انطوت من عمري خمسة من السنين لا اعرف بالضبط كيف انتهت وكيف ابتدأت لنصفق من اجل جياع سيارات المرسيدس المحصنة رافعي شعارات الميثاق المصون والجبهة سيئة الصيت والسمعة التي حملت سمفونية الموت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما


.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا




.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما


.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في




.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة