الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيرين وفرهاد: الفصل الأول 1

دلور ميقري

2018 / 10 / 18
الادب والفن


ها أنتَ في ألمانيا، مرة أخرى؛ في بلدٍ، موقعه في أوروبا شبيه بقلب امرأة جميلة. تشتاق إليه كل مرة، بما أنّ لديك فيه العديدَ من المعارف. آخر من تعرفت عليهم هنالك، كان " سيامند ". وإنك الآنَ في الطريق إلى لقائه، وفق موعد متفق عليه هاتفياً، وقد تعهّد أحدُ الأصدقاء إيصالك بسيارته. هذا الأخير، واسمه " آراس "، اعتاد فيما مضى استضافتك في منزله الجميل، المكوّن من دورَيْن، الكائن في ضاحية تبعد عن هامبورغ بحوالي نصف ساعة في السيارة. المرة الأخيرة، الشاهدة على حلولك في ضيافته، كانت قبل ما يقرب من خمس سنوات، وتحديداً قبيل شروعك في المغامرة المغربية.
في خلال الطريق، يتجدد الحديثُ حول أوضاع الوطن بعدَ ما يزيد عن عامين من ثورة شعبية شاملة. وكذلك، طرح العديد من التساؤلات حول ما جرى في تلك الفترة من تحوّلات: أما يزال جائزاً بعدُ إطلاقُ نعت " الربيع العربيّ " في ظل هيمنة جماعة الإسلام السياسيّ على بلدانه؟ وما مدى الخطر الجديّ، الذي في الوسع أن يشكّله على ثورة السوريين، تدفق أفواج الجهاديين السلفيين من كلّ مهبّ؟

***
هواجس مماثلة، سبقَ أن عبّرت عنها زوجةُ المضيف، حينَ تساءلت صباحاً على الفطور وهيَ تتابع الأخبارَ المرئية بملامح تلوح عليها علامات الكآبة: " أمنَ الممكن أن تقصَف دمشق، وأن يحل فيها الدمار كما شأن المدن الأخرى؟ "
" وهل تعتقدين، يا عزيزتي، أن دمشقَ على رأسها ريشة؟ "، أجابها رجلها. ثم أردفَ بنبرة حاول أن يخفف ما فيها من سخرية، تقديراً لما عاينه من عبوس امرأته: " لقد أُعطيَ النظامُ الضوءَ الأخضر غربياً، بالتأكيد على أنّ ما يجري إنما هوَ حربٌ أهلية ". قانطة، ألتفتت المرأة الملولة إلى الضيف لتعيد السؤال بصيغة أخرى يغلب عليها المرارة: " وأنتَ، يا دلير، ماذا تعتقد؟ أليسَ من الصواب أن تبقى دمشق خارج العمليات العسكرية، لحين أن يتضح مصير الصراع في المناطق الأخرى؟ ". قبل أن يبادر المُخاطَب للإجابة، ندّت عن الزوج زفرة تهكّم: " هه! ". وإذا بالمرأة تتجه إليه، مدمدمة وعلى فمها ابتسامة حانقة: " كأنما لديكم ثأر مع العاصمة، ولن ترتاح خواطركم الدفينة إلا بدكّها على رؤوس ساكنيها ". كون الضيف يُشاركها الانتماء، الكردي الشامي، فإنه ابتسمَ في شيء من الحرج. على أنّ جوابه، المعقّب ضحكة صاحبه الصاخبة، حاولَ إرجاع الحديث إلى مجراه الجديّ: " برلين نفسها، دمرت أثناء الحرب العالمية الثانية. ومن ثمّ صارت مدينة أخرى، هيَ عاصمة الشطر الغربيّ لألمانيا "
" على أيّ حال فإنّ مدينتنا، قامشلو، ستصبح قريباً عاصمة للجزء الكرديّ من البلاد. ومن يدري، فلعلها أيضاً تلعبُ دورَ مدينة بون على مستوى سورية ككل! "، علّق المضيفُ رامقاً زوجته بنظرة منتصرة. تنهّدت المرأة وهيَ تهز رأسها، فعل الأم مع طفل مشاغب: " رُح عنّا ياه! قال عاصمة وجزء كردي! كأنّ بروباغندا جماعة الإدارة الذاتية أثّرت فيك أنتَ الآخر، مثلما الأمر مع الكثير من رفاق حزبك؟ "، قالت له ساخطةً. ثم أردفت، متوجهة للضيف وكأنما تستمد منه العونَ على صديقه " كانوا دائماً يعتبرون الجماعةَ إحدى أدوات النظام، شأنها في ذلك شأن الميليشيات الشيعية، المستقدَمة من الدول المجاورة "
" المواقف السياسية تتغيّر، وبالطبع تماشياً مع ما يجري على أرض المعركة من تطورات. الغرب ربما يحبذ إزاحة النظام، ولكن بشرط إيجاد بديل مقبول. والنظام من ناحيته يفهم ذلك، بل ولقد أسسَ إستراتيجيته وفق هذا المفهوم حتى قبل اشتعال الثورة بزمن طويل. فلم يكن مفاجئاً للعالِم بطبيعة النظام، إطلاقه سراح رؤوس التشدد السلفي كي يعيدوا تعبئة صفوفهم. بل وأعطيَ هؤلاء لاحقاً حرية التحرك العسكريّ، تماماً كما جرى الأمر في العراق مؤخراً مع تنظيم الدولة الإسلامية. كون التنظيم سيطرَ أخيراً على مساحات شاسعة في كلا البلدين، ويتوعّد بنقل عملياته إلى أوروبا نفسها، فإنّ الأولوية عند الغربيين الآنَ، وبالأخص الإدارة الأمريكية، هيَ محاربة الإرهاب "
" وأنا أيضاً من هذا الرأي؛ والسؤال الأكثر أهمية: ما هوَ موقعنا ككرد في معادلة الصراع؟ "، قال المضيفُ ثم تعهّد الإجابة تواً: " واشنطن، لا تثق أصلاً بالمعارضة المسلحة. وبدَورها لن تجد بديلاً سوى التنظيم الكرديّ الأكثر فعالية وانضباطاً وخبرة، ضاربةً صفحاً عن وصمه بالإرهاب وأيضاً بالضد من إرادة الأتراك ". امتناع الضيف عن التعليق هذه المرة، جعل المرأة تنبذ للرد: " المعارضة المسلحة! أراك تتبنى توصيف أدوات النظام للجيش الحر؛ أنت من كنت، إلى الأمس القريب، الأكثر تأييداً له وتحمساً لانتصاراته؟ ". وبينما كان النقاشُ يتصاعد ويحتد، راحت أفكار " دلير " تنأى شيئاً فشيئاً: كان يتطلع ببعض القلق إلى اللقاء الموعود عند الظهيرة في مقهى بقلب هامبورغ المدينة، وكان يخشى أن يهيمن الجدل السياسيّ على أطرافه وبذلك يفوّت ثانيةً فرصةَ الحصول على المذكرات المراكشية، المطلوبة.

***
وبينما السيارة تتقدم فوق الطريق السريعة في سيرها المضطرد، المطمئن، سيكون علينا تعريفكم بهذا الضيف: إنه لم يكن سوى محقق سيرتنا المراكشية، ومَن ظهرَ الحرفُ الأول لكل من اسمه وكنيته ( دلير مازيداغي ) في ذيل مقدمة كتابها الثالث. ثم قرأنا اسمه الأول في كتابها هذا، الخامس، سواءً مذكوراً على لسان السيّدة السويدية أو في رسالة صديقها " سيامند ". ولن نضيفَ المزيد، طالما أنّ الرجلَ بنفسه هيئنا في مقدمة هذا الكتاب لتقبّله كأحد شخصيات السيرة، وذلك ضمنَ ظروفٍ سنعرفها في سياق المتن.

> مستهل الجزء الثالث/ الفصل الأول، من رواية " الصراطُ متساقطاً "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان


.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق