الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (134) التبادل المعلوماتي

بشير الوندي

2018 / 10 / 18
الارهاب, الحرب والسلام


مباحث في الاستخبارات (134)

التبادل المعلوماتي

بشير الوندي
-------------
مدخل
-------------
كان التبادل التجاري هو الشكل الاقدم للعلاقات بين الامم , إلا ان تطور العلاقات الدولية وتشابكها , ادى الى تنوع اشكال التعاون بين الدول فأصبح هنالك تبادل الكثير من الأمور بين الدول الصديقة والمتحالفة ودول الجوار مثل التبادل الدبلوماسي والضريبي والتجاري والعسكري والسياسي والثقافي والرياضي .
ومع تطور شكل التهديدات التي تجابهها الدول الى اشكال لها صفة الانتشار كالعصابات الدولية والتنظيمات الارهابية , صار للتبادل الامني والمعلوماتي الصدارة بين الدول , بل اصبح في بعض الاحيان معياراً للعلاقة بين الدول , فصرنا نسمع بالتبادل الامني والاستخباري وتبادل مطلوبين ومحكومين وتبادل معلومات , وبالرغم من سرية العمل الامني , الا ان بعض اشكال التعاون صارت رسمية وتشكلت لها منظمات دولية كالشرطة الدولية الانتربول وغيرها .
------------------------------------
التبادل بين السلم والحرب
------------------------------------
طيختلف نشاط تبادل المعلومات بين الدول في حالات السلم والحرب , ففي الظروف الاعتيادية يكون الهم الاكبر منصبّاً على مكافحة الجريمة التي تتطلب جهداً جماعياً واتفاقات بين دول الجوار , لاسيما تلك التي تتسم بالانتشار كتجارة المخدرات وخلايا الارهاب , فمن السذاجة بأن نقول اننا في مأمن مادام الخطر عند الدولة الجارة .
فهنالك انواع من الجرائم تنتشر كانتشار الفايروس والامراض المعدية وتتمدد في كل مكان وتحتاج جهد داخلي ومناطقي ودولي كالارهاب والمخدرات وتجارة السلاح والتهريب وغسيل الاموال وبيع الاعضاء البشرية وتجارة الجنس وغيرها .
وتسعى دول العالم للحد من هذه الجرائم ومطاردتها ومن خلال الانتربول والمحاكم الدولية والتبادل المعلوماتي , وتسعى للسيطرة عليها او الحد منها ومن اثارها واضرارها , فعندما اشتعل العراق عام ٢٠٠٤ بسبب الارهاب , لم تسلم دول الجوار منه, لذا لابد من تواصل وتبادل للمعلومات والتهديدات بين الحكومات والاجهزة الأمنية والاستخبارية.
وغالبا ما توجد بين دول الجوار اتفاقيات ثنائية في مجال الشرطة والكمارك ومكافحة التهريب والجرائم العابرة للحدود ويوضع مكتب اتصال بين وزارتي الداخلية للبلدين , كما تقوم الدول أحيانا بتعيين ضابط مكافحة ارهاب او مخدرات ضمن الملحقية العسكرية لتسهيل عملية الاتصال , كما في السفارة الامريكية في المكسيك.
اما في فترات الحروب فيعتبر التبادل احد ابرز الاتفاقيات اثناء الحرب بين الدول المتحالفة , ويتم غالباً من خلال منصب الملحق العسكري ودائرة الملحق العسكري ضمن سفارات وقنصليات الدول , حيث يعتبر منصب الملحق العسكري منصباً رسمياً ومعرّفاً بشكل علني , يوفد له غالباً ضباط من الاستخبارات العسكرية المرتبطة بوزارة الدفاع.
الا ان الدول تُبعد مدير محطتها للاستخبارات الخارجية المتواجد بالسفارة تحت غطاء مستشار السفير او القنصل عن اي ارتباط استخباري مع دوائر الدولة الاجنبية التي يعمل بها ويخول الملحق العسكري بواجب التبادل الاستخباري غالباً . انظر (مبحث ٥٣ المحطات الاستخبارية, ومبحث ٣٦ الاستخبارات والدبلوماسية , ومبحث ٧١ الخدمة الخارجية).
وعادة ما تشكل لجنة من دولتين او عدة دول لبناء مركز استخباري تبادلي مشترك وغالبا ما تسند المهمة ايضاً للاستخبارات العسكرية , وفي بعض الاحيان يتطلب الامر أكثر من مركز استخباري في حالات تباين العلاقات بين الدول المتعاونة .
ففي حالة العراق مثلاً , كان لابد من انشاء غرفتين منفصلتين عن البعض اثناء حرب داعش ٢٠١٤ _ ٢٠١٧ , ضمت الغرفة الاولى بالاضافة الى العراق كلاً من أمريكا ودول التحالف (بريطاتيا . كندا . فرنسا . المانيا . استراليا وغيرها) , بينما ضمت الغرفة الثانية المنفصلة عن الاولى بالاضافة الى العراق كل من (روسيا وسوريا وايران ) الذي عرف بالتحالف الرباعي او اللجنة الرباعية , وتم ذلك تجنباً للاحراج بين جميع الاطراف , وفعلا كان الجميع يبعث معلومات ويتبادل معلومات استخبارية ضد داعش.
----------------------------------------
المعلومات الاستخبارية كسلعة
----------------------------------------
لاشك ان التبادل المعلوماتي الاستخباري يشبه الميزان التجاري بين الدول حيث تسعى الدول الى موازنته او استمالته لصالحها , فالدول لاتعطي معلوماتها الاستخبارية والامنية بالمجان , بل ان شكل العلاقة هو مايحدد الثمن , الا انه في كل الاحوال لابد من وجود ثمن , فلايوجد في العلاقات الدولية شيء بالمجان , كما ان المعلومة ذاتها تشبه السلعة التي ان لم تبعها اليوم فقد لايكون لها ثمن غداً , وهو ما حصل في العراق للأسف الشديد , حيث انه لم يكتفِ بعدم قبض الثمن وانما افسد البضاعة التي كان من الممكن ان تدر عليه الكثير من الامن والاموال وتحقن له الكثير من الدماء .
فقد وفرت الحرب مع داعش للاستخبارات العراقية معلومات غزيرة كان لابد من مبادلتها والحصول على ثمنها أمناً ومالاً ودماءاً وحقوقاً , إذ كان على الاجهزة الاستخبارية ان تأخذ اسماء الدواعش الاجانب - حتى القتلى والمعدومين منهم - وتعطيها لبلدان جنسيتهم مقابل الحصول على تفاصيل وتعاون استخباري ودعم عسكري ومالي .
ولو كان لدينا استغلال أمثل لتلك البضاعة المعلوماتية في علاقاتنا مع كافة الدول العربية والاوروبية لزودونا بمعلومات وصور وتفاصيل عن مواطنيها الملتحقين بداعش او المشكوك بالتحاقهم الى العراق ولبادلنا تلك المعلومات بتعاون استخباري كبير وكان الامر سيصب في حقن الكثير من الدماء .
كما كان بالامكان مطالبة تلك الدول بالتعويض عن الخسائر وما سببه مواطنوها القتلة بالعراقيين الابرياء سواء بالاموال او بالذخيرة او بالسلع , وهو أمر ليس بالمستغرب , فاسرائيل لاتزال الى اليوم تبتز المانيا عما فعله هتلر مع اليهود وفق ادعاءآتها بالهولوكوست برغم ان الماني لاعلاقة لها بهتلر وتجرّم حتى افكاره , وحاكمت واعدمت قادته في محاكمات نورمبرغ , والكويت ابتزت هي الاخرى العراق ولم توقف او تتنازل عن مستحقاتها من العراق رغم ان صراعها كان مع عراق صدام , بل ان امريكا ذاتها لم تغلق ملف احداث سبتمبر منذ 18 عام ولم تعتبر ان الموضوع يخص الانتحاريين لذاتهم , واصدرت قانوناً يتيح لأهالي الضحايا برفع دعاوى قضاية ضد الدول التي ينتمي اليها الارهابيون المنفذون .
اما في العراق , فالآف العرب والاجانب الانتحاريين الفسلطينين والسعوديين والمصريين والمغاربة واليمنين والسوريين والتوانسة والالمان والبلجيكيين وغيرهم , قتلوا الابرياء ولكن بلا ملفات ولا أرقام ولاتوثيق ولامطالبة , فيما كنا نعوض العمال المصريين عن اضرارهم في زمن النظام السابق ونمنح الاردن نفطاً مخفضاً فيما اقيمت فواتح على روح المجرم الزرقاوي علانية وفيما يعامل العراقي بمنتهى التحقير في مطار الملكة عاليه .
بل ان التبادل المعلوماتي الاستخباري قد لايكون مع الحلفاء فقط وانما يتم حتى مع الاعداء , وحينها يكون ضمن صفقات محددة يكون التبادل ودفع الثمن فورياً . ففي وقت من الاوقات طلبت المخابرات الامريكية عبر وسطاء ان تتدخل ايران في حل مشكلة رهائن امريكان مختطفين في لبنان , ومن حقنا ان نتوقع ان الاستخبارات الايرانية قد طالبت بالثمن الفوري ربما بتسهيل اصطياد مطلوب لديها متخفي في دولة ما مثلاً أو بإطلاق أموال مجمدة لدى البنوك الامريكية او اي ثمن آخر , فكما قلنا لاشيء بالمجان لامع الحلفاء ولامع الاعداء الا في العراق.
------------------------------------
نوعية المعلومات المتبادلة
------------------------------------
في مبحث سابق حددنا نوعية المعلومات الاستخبارية (انظر مبحث ١٦ جمع المعلومات) وهي على عشرة انواع كما يلي :
١ معلومات اشارة .
٢ معلومات استكمال .
٣ معلومات معالجة .
٤ معلومات مهمة .
٥ معلومات وصفية .
٦. معلومات كمية .
٧. معلومات دورية.
٨. معلومات اعلامية .
٩. معلومات نقطوية .
١٠. معلومات اعتراضية.
وبحسب تصنيفات المعلومات الاستخبارية تلك فهناك اولوية في تبادل المعلومات , حيث تحدد عمليات التبادل المعلوماتي مع الحلفاء والاصدقاء بالانواع التالية غالباً , وكما يلي :
الاول : معلومات معالجة (معلومات طوارئ) ونعني بها الاهداف السريعة التي تهدد أمن الدولة الاخرى , والتي يكون في ايصالها في الوقت المناسب ما يُشعر تلك الدولة بالإمتنان وبالشكر ويجعلها جاهزة لدفع الثمن بالتعاون الاستخباري او اي شكل مفيد آخر , كما لو أخبرتهم بأن مجموعة ما ستنطلق غداً للهجوم على مكان كذا في توقيت كذا , او تبلغهم بتفاصيل تخطيط لأغتيال شخصية هامة , فحالما يتأكدون ويحبطون المخطط فأنهم سيتعاملون معك كحليف استخباري موثوق وقوي , وكما قلنا فلاشيء بالمجان ولابد ان تدرك قيمة بضاعتك وتحدد ثمنها .
الثاني : معلومات نقطوية عن العدو المشترك مثل (ارقام هواتف , عناوين , صور , معلومات شخصية , أرقام عجلات , احداثيات , مكالمات مسجلة , افلام , خرائط , وثائق , مثابات , اوكار , شبكات تجسس وغيرها ) , فأية معلومات تتحدث عن اشخاص واهداف تسمى نقطوية.
الثالث : معلومات استكمال : وهي معلومات تكميلية تستكمل المعلومات المرسلة سابقاً او انها تكون استجابة لطلب من تلك الدولة لاستكمال معلومة ما .
الرابع : معلومات اعتراضية , وهي الاخطر والادق حيث تشمل فقط ما يعرفه العدو المشترك عن البلد الذي يراد تبادل المعلومة معه وليس ما يعرفه عنا , اي ما تنقله شبكات تجسس العدو عن البلد الحليف لنا , وهنا لابد من توخي الدقة حتى لا تكشف مصادرنا.
بالطبع هنالك احياناً بعض الاستثناءآت حيث يذهب التعاون الى الانواع الاخرى من المعلومات ولكن في نطاقات محدودة وبشكل مفلتر لحفظ أمن المصادر, فتحديد شكل ونوع المعلومات مهم جداً لحفظ أمن الشبكات الاستخبارية , كما يجب ان يكون ميزان التبادل المعلوماتي متوازناً وفق محددات منها ان هنالك عدو مشترك وتهديد محتمل وعصابة عابرة للحدود ومطلوبين امنياً ومعلومات استخبارية مختلفة مورد اهتمام الطرفين , فهكذا يحدد اطار عام للتبادل من خلال تحديد العناوين التي يتم التبادل فيها .
-----------------------------------
حين يختل ميزان التبادل
------------------------------------
قلنا ان شكل التبادل المعلوماتي الاستخباري يتحدد بطبيعة العلاقة بين الدول , ونضيف له انه يتم وفق طبيعة ميزان القوى , لذا فإن هنالك دول تعتاش في بقائها مقابل حفظ امنها وحمايتها من اي عدوان , فيكون حينها الثمن غالياً .
ان الكثير من انظمة دول العالم الصغيرة الاوروبية والخليجية وبعض دول آسيا تتنازل عن سيادتها مقابل ضمان تدفق المعلومات الاستخبارية التي تضمن بقاء نظامها في الحكم , فهي تلتزم بتقديم خدمات لوجستية استخبارية وعسكرية وأمنية على اراضيها لصالح استخبارات دولة أخرى , وبالمقابل تقوم الاخيرة بتزويدها بأية معلومات تخص امنها , وهذا الاسلوب التبادلي يُعمل به ضمن اتفاقيات أمنية واستخبارية .
فمثلا تحصل الاستخبارات الامريكيه على خدمات لوجستية وحرية حركة في الاردن ( مواقع , معسكرات , منظومات اتصال , مجال جوي عسكري , مقرات امنة , معتقلات , سفر بلا فيزا , حركة طائرات خاصة ) وغيرها من الخدمات المخلّة بالسيادة , وبالمقابل تحصل استخبارات الاردن على معلومات تخص أمنها وتهديداتها وتزود بكافة التفاصيل التي تمكنها من احباط اي تهديد داخلي لحفظ النظام الحاكم .
كذلك الامر في دول الخليج , فان استخباراتها محلية , وتعمل بمستوى وكالات تابعة للاستخبارات الامريكية او البريطانية وهو نوع من انواع التبادل المعلوماتي باهض الثمن حيث يكون تبادل المعلومات مقابل خدمات متنوعة اقتصادية وسياسية في تبعية مطلقة يصعب الفكاك منها .
وغالباً ما توفر الدول تلك المعلومات المتبادلة حول رعايا الطرفين من عناصر ارهاب وعصابات ومجرمين ومطلوبين وحتى تبادل محكومين بين الطرفين , ومراقبة بعض رعايا الطرفين او وضع قيود عليهم مثل منع الحركة او السفر ومنع نقل اموال ووضع الهدف تحت اشارة حمراء وكشف الذمة المالية و مراقبة الاتصالات والعلاقات والاعتقال والحجز والتوقيف والتفتيش السري والعلني , وهي خدمات تقدم بين الاجهزة الأمنية والاستخبارية فيها خدش بالسيادة الوطنية لأحد الطرفين , فاجهزة استخبارات الدول الكبرى تكون لها في تلك الحالة اليد الطولى وتتصرف بلا قيود , ولا تخضع لسيادة البلد وضوابطه الادارية والقضائية والمالية والقانونية والدبلوماسية , وهذا حال دول الخليج التي تصرخ ليل نهار ضدنا بان العراق محتل فيما هي وكالات تابعة لأجهزة استخبارات عالمية .
--------------
خلاصة
--------------
التبادل المعلوماتي الاستخباري هو امريتم بين بلدين او اكثر , وله اصوله ومعاييره ومحدداته , فلاشيء فيه بلا ثمن , وكلما كانت المعلومات خطيرة وهامة ومستعجلة , كلما توقع الطرف الاخر بأنه مدين للدولة صاحبة المعلومة وعليه ان يسدد الدين , ولكن عندما يكون التبادل المعلوماتي متعلق بعدو مشترك للطرفين فان التعاون الاستخباري المعلوماتي يكون عملاً تكاملياً يعود بالنفع على الطرفين بلا ثمن وينتج عنه تقوية العلاقات الدولية في كافة المجالات , اما التبادل المعلوماتي بين الاعداء فهو تبادل اضطراري يكون الدفع فيه فورياً .
ولأن المعلومة الاستخبارية المتبادلة هي بمثابة السلعة , فان التفريط بثمنها او اتلافها هو امر لايحدث الا في اكثر الدول تخلفاً , والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي