الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلاسة في قصيدة -القدس أنت- محمد شهاب

رائد الحواري

2018 / 10 / 19
الادب والفن


السلاسة في قصيدة
"القدس أنت"
محمد شهاب
من الضروري أن تكون الفكرة منسجمة مع شكل تقديم المادة الأدبية، وأيضا أن تكون طريقة استخدام اللغة والألفاظ تخدم المضمون المراد تقديمه، موضوع القدس يشير إلى هشاشة الواقع العربي، فهل يعقل أن تكون دولة بحجم فلسطين ما زالت محتلة منذ اكثر من سبعين عاما ولا تتحرر حتى الآن!، أجزم أن البعض يريدها أن تزول، ويتمنى في قرارة نفسه لو أنها لم تذكر في سورة الاسراء ولم يصعد منها النبي العربي إلى السماء، لكفى الله الحكام شر التذكير بهذه الغصة.
الشاعر الفلسطيني "محمد شهاب" يقدم لنا قصيدة بلغة سلسة وسهلة عن زهرة المدائن، ويفتتح قصيدته قائلا:
"النور أنت، وأنت الشمس، والقمر
وليس إلاك، يرضى السمع والبصر" ص13، في صدر البيت نجد النور والإشعاع حاضرا، إن كان في النهار من خلال الشمس أم في الليل من خلال القمر، لكن عجز البيت نجد فيه "السمع والبصر" وكأن الشاعر حول النور الصادر من المدينة إلى حالة سمعية، وهذا التحول بحد ذاته يعطينا دلالة إلى مكانة المدينة والأثر الذي تخلقه على ناسها، على من يتوحد معها وبها.
إذن هناك حالة استثنائية تخلقها المدينة لمن يتوحدون بها، وهذا ما وجدناه عندما قال:
"ولو توهمت بعض الوهم، في صور
لأبهرني على أشكالها الصور" ص13، يتماثل جمال القدس مع الجنة، التي "لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر" فالشاعر يتحدث عن جمال لا يمكن أن يكون له مثيل في الكون، فقد حسم أمر جمالها ولا مجال للتشكيك فيه.
وإذا ما ربطنا البيت الأول بالثاني نجد أن الشاعر يركز على الشكل الجمالي أولا، والذي يتحول إلى أثر نفسي ووجداني ويخلق حالة السمع، رغم أن المنطق يقول العكس، حيث يعتبر السمع أهم وسابق على البصر.
أثر جمال المدينة لام يقتصر أثره على الصور الأخرى، بل نجده حاضرا في "قصيدة الشاعر" فهو يوحد بين جمالها وما تركه في القصيدة:
"وأجمل القول، أن يسمو الكلام إلى
مقام عرشك، وتخشى خطوة الحفر
يا أنت يا أغنيات الشعر، كم لغة
عرفت من قبل، إلا أنت ى أدر" ص14، أداة الشاعر القصيدة، وقد تحولت إلى إشعاع يبث الأنوار من خلال "يسمو الكلام، مقام عرشك، يا أنت، يا أغنيات الشعر" فيبدو لنا وكأن المدينة أصبحت هي القصيدة، وهي من تكتبها وليس الشاعر.
بعد هذا الجمال الرباني والإنساني يدخلنا الشاعر إلى الواقع، إلى ما يحصل لذاك الجمال، لتك المدينة وناسها:
"أتى الزمان على أهلي، وقصتهم
فشردتنا، على تشردنا التتر
أتى الحصار، وأكداس مكدسة
من التوابيت، والأقدار تقتدر" ص19، التحول من الجمال والبياض إلى السواد والألم والقسوة، ليس في المضمون فحسب بل في اللغة الألفاظ، فهو يستخدم "فشردتنا/تشردنا، وأكداس/مكدسة، والتوابيت" وكل هذا يجعل وقع الكلمة على المتلقي قاسيا، وكأن التكرار جاء ليدق رأس القارئ دقا، بحيث يتألم لسماعه الكلام بشكلها المجرد، فبما بالنا أن أخذنا الفكرة التي يحملها البيتين؟.
تستوقفنا فاتحة القصيدة وما تلالها، فالشاعر فتتحها بالجمال والنور، وهذا يقرب ويجذب القارئ إلى القصيدة وإلى المدينة، وعندما اتبع التفاصيل نجدها سوداء وقاتمة، وهذا يعطي القارئ شعورا بأن هناك خلال ما حدث، فالانقلاب العكسي بين الفاتحة وما تبعها يجعله يشعر بحجم المأساة/التشويه/السواد الذي حدث، وهذا يدفعه ـ في العقل الباطن ـ لينحاز إلى الجمال ويدافع عنه، وإذا ما اضفنا جمال لغة الفاتحة وقارناه بما تلاه من سواد في ألفاظها، يكون القارئ أمام محفزين اثنين يدفعانه ليتقدم من المدينة.
إذن أصبح هناك حالة غير سوية تعيشها المدينة وناسها، فكيف سيواجه الشاعر هذه الحالة؟:
"سبحان ربك في القدس التي وعدت
فأذن الصبح فيها وانتشى الحجر
سبحان ربك، والقرآن رددها
"مسرى النبي .. وفيها ساجد عمر" ص20، وهنا لا بد أن نتوقف عند الطريقة التي جاء فيها الإيمان، فكأن الشاعر ـ عند الشدائد ـ يستنجد بالله الواحد الأحد، وهذا يمثل حالة طبيعة الشدائد، ولكن استخدام البعد الديني الإسلامي فقط يحسب على الشاعر وليس له، فكان من الصواب أن يستخدم أيضا البعد المسيحي، أليس المسيح فلسطينيا؟، لكن يبدو أن المزاج العام أثر على الشاعر فستخدم البعد الديني الإسلامي المقبول والمطلوب شعبيا، لكي يستنهض الآخرين ليتقدموا من المدينة.
بعدها يحاول الشاعر أن يستنهض الهمم من خلال:
"تأبى المروءة، أن تبقى مضيعة
مكلومة الوجد، في الأحشاء تنفطر
تأبي الكرامة، أن تبقى مدنسة
والعار يهزمنا، وابغي ينتصر" ص22، يبدو أن الشاعر يميل إلى ما هو شعبي، لهذا نجده يخاطب العاطفة أكثر من العقل، فالحمية هي المحفز على التقدم إلى المدينة وناسها، وليس العقل والمنطق، لهذا نقول أن القصيدة أخذت تتجه إلى ما هو شعبي عام.
هناك صورة شعرية تستوقفنا:
"ماذا أدون في الوجدان من حزن
فالقلب صحراء، لا ماء ولا شجر
صحراء .. صحراء لا حل ولا سفر
ولا بحار، ولا نجم ولا سمر" ص23، أن يتحول القلب إلى صحراء، وأن يكرر لفظ صحراء ثلاث مرات، وأن يستخدم حرف "لا" أربع مرات كل هذا يشير إلى الحالة البائسة التي وصلت إليها المدينة وناسها.
بعدها يتجه الشاعر إلى البعد القومي فيخاطب الشام:
"يا شام، يا شام والأحلام مقعدة
وكل ذي وجع، في قلبه سقر
أين الفوارس من حمدان وأعجبها
وأين سيفك، سيف الدولة البتر" ص25، التقدم من التاريخ يعطي القارئ دفعة أكبر وأقوى على التقدم إلى الأمام، فالتاريخ هنا وسيلة التقدم وليس للعودة إلى الخلف، وهذا يحسب للشاعر الذي كان موفقا في الطريقة التي تناول فيها التاريخ.
ويخاطب العراق:
"يببن الفراتين" والأيام شاهدة
والنسر في شأوه يعلو وينحدر
"يا دجلة الخير" كل الخير فيك وقد
تقهقر الجحلان .. الكفر والغفر
أهل العرق خذوا من دهركم حذرا
تحالف البغي، والشيطان، والكبر" ص26، إذا ما قارنا طريقة الخطاب بين الشام والعراق نجد الفرق بينهما، في الشام يستنهض أهلها، فعندما كتبت القصيدة كانت في صحتها وعافيتها، بينما في حالة العراق الذي تعرض للاحتلال الاميركي خاطبه بما يتناسب وطبيعة الظرف الذي يمر به، وهذا ما يجعل للقصيدة بعد تاريخي، بمعنى أن القارئ بعد زمن سيعلم أن هناك حدث عظيم أدى إلى مجموعة انهيارات عربية متتابعة ومتتالية حدثت بعد احتلال العراق مباشرة.
ثم ينتقل إلى مصر مغنيا بما حققته:
"يا دار النيل، والأبطال قد عبروا
وسطروا آية التحرير، وانتصروا" ص29، وكأن الشاعر يستنهض المصريين من خلال عبور القناة الذي تم في حرب 73، ليتقدموا من القدس بعبور آخر.
ثم ينتقل إلى المغرب العربي واليمن والسودان ودول الخليج العربي، مرورا بمكة، مذكرا بالعلاقة التي تجمعها بالقدس، ويختم القصيدة بالدعاء لله لكي يخلصها مما لحق بها:
يا رب فأرحم عبادا في مصابهم
ودمر الرجس، من الرجس يأتزر" ص41،
طبعا وهذا يخدم البعد الديني الإسلامي الذي يركز عليه الشاعر، على العموم، نقول أن للغة القصيدة كانت موجهة للعامة وهي قصيدة تقرأ وتسمع معا، بمعنى أن المتلقي للقصيدة يمكنه أن يصل إلى الفكرة والسلاسة اللغة كحال القارئ لها، كما أنه يمكن أن تقدم للناشئة، لنا فيها من سلاسة ومعرفة تركز على أهمية ومكانة المدينة المقدسة، لكن النقص كان في تبيان اهميتها مسيحيا، ووطنيا فلسطينيا، واعتقد ان التركيز على اهمية المدينة دينيا فقط يجعل الخلل ظاهرا وواضحا من الناحية الوطنية والقومية، لأننا فعلا بحاجة إلى التركيز على مكانة المدينة الوطنية والقومية كما نركز على أهميتها الدينية.
القصيدة منشورة من منشورات دار شيماء بالتعاون مع اتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، فلسطين، رام الله، الطبعة الأولى 2010.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا