الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-دماء على كرسي الخلافة - كتاب جديد يرصد تاريخ الصراع الدموي على السلطة

علي مقلد

2018 / 10 / 20
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


صدر بالقاهرة:
"دماء على كرسي الخلافة " كتاب جديد يرصد تاريخ الصراع الدموي على السلطة

• حلم استعادة الخلافة الفكرة الرئيسية لكل الجماعات الإرهابية قديما وحديثا
• تحويل الحكم لقضية دينية ساهم في تعاطف عوام المسلمين مع دعوات المتطرفين
• القضاء على قدسية "الخلافة" في الفكر الإسلامي يقتلع البذور السامة للإرهاب
• المؤلف علي مقلد : نجاح الحرب على الإرهاب مرهون بتفكيك البنية الفكرية للتنظيمات الإسلامية




صدر بالقاهرة كتاب "دماء على كرسي الخلافة" للصحافي علي مقلد الباحث في شؤون الحركات الإسلامية ، وهو عبارة عن مقالات سبق نشرها على موقع "الحوار المتمدن ، ثم البوابة الاليكترونية لصحيفة روزاليوسف" ، والكتاب يرصد صراع المسلمين الأوائل على السلطة ، ومدى تأثير التاريخ القديم على الحاضر والمستقبل ، حيث يعمد البعض إلى اجتزاء وقائع تاريخية من سياقها ومحاولة فرضها قسرا على واقع مختلف وزمن مغاير ، ويوضح مقلد أن كرسي "الخلافة " يمثل جوهر الصراع بين الفرق والجماعات الإسلامية ، ليس في الوقت الراهن فقط بل حدث ذلك طيلة نحو ثلاثة عشر قرنًا من الزمان ، فمنذ مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان في يوم الجمعة الموافق 18 من ذي الحجة سنة 35 هـ، وحتى إطلاق مصطفى كمال أتاتورك رصاصة النهاية على الخلافة العثمانية في السابع والعشرين من شهر رجب لسنة 1342 هـ ، سُفكت دماء كثيرة، وقُطّعت رقاب، ورملت نساء، وانتهكت الحرمات والأعراض وخربت مساجد وبيوت ومدن كانت آمنة مطمئنة ، ولم تسلم حتى الكعبة قدس الأقداس عن عموم المسلمين من الأذى، كل هذا ليجلس أحد أمراء الحرب على عرش السلطة ويضع على رأسه تاج الخلافة، ويوضح مقلد أن الفترة التي تلت مقتل الإمام علي وحتى سقوط الخلافة العثمانية لم تكن الأمة الإسلامية تحت خليفة واحد إلا في فترات قليلة جدا ، بل كان دائما هناك أكثر من خليفة طامع في الحكم وبينه وبين آخرين صراعات طاحنة ودامية ، ثم تحولت الخلافة إلى شكل صوري وانقسمت إلى دويلات متناحرة وبدأت تتلاشى رويدا رويدا حتى جاءت نهايتها .
الكتاب يتضمن قراءة تاريخية في المعارك التي اندلعت منذ مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان وحتى ولاية الخليفة المأمون السلطة بعد مقتل أخيه الأمين ، وفي هذا الجزء الذي يصدر قريبا يتناول المؤلف الوقائع المؤثرة في التاريخ الإسلامي بالقراءة وتسليط الضوء ومقارنتها بحوادث مشابهة في الوقت الراهن ، لتوضيح أن معركة الخلافة لم تكن حتى في العصور الإسلامية الأولى قضية دينية ، كما تزعم الجماعات الإسلامية في العصر الحديث ، بل كانت معارك سياسية هدفها الوصول إلى السلطة بأي شكل وبأي ثمن ، ويحاول المؤلف كما ذكر في أكثر من موضع إزالة قدسية فكرة "الخلافة" من صدور الناس ، حتى لا ينقادوا وراء كل داع لاستعادة هذا الحلم وينخرطون في تخريب أوطانهم المستقرة تحت مزاعم استعادة دولة الخلافة .
يؤكد المؤلف من بداية الكتاب حتى خاتمته ، أن انتشار الإرهاب في العالم الإسلامي سببه الأساسي هو محاولة هذه الجماعات في القفز على السلطة ، فلا يوجد لدى أي جماعة من جماعات الإسلام السياسي قضية محورية ، سوى الوصول إلى السلطة تحت مزاعم إعادة الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة ، مشددا على أن "الخلافة" قضية سياسية فرعية لكنها للأسف نقلت عند بعض المذاهب الفقهية إلى قضية إيمانية داخلة في أصول العقائد ، واستغل الإرهابيون ذلك لكي يلبسوا الأمر على المسلمين ، ويصلوا إلى غايتهم الخبيثة ، ويوضح المؤلف أن أية حرب حالية أو مستقبلية على الجماعات الإسلامية المتطرفة ، في أية بقعة من الأرض لن تجدي نفعا كبيرا في حال نجاحها ، ما لم يتم تفكيك البنية الفكرية المؤسسة لتنظيمات الإرهاب المتأسلم ، فالملاحقات الأمنية مجرد مسكنات لأعراض مرض مستوطن في جسد التاريخ الإسلامي ، ينشط هذا المرض اللعين كلما وجد بيئة خصبة وظروف مواتية ، كما أن الحديث عن دوافع سياسية واقتصادية أو اجتماعية ، أو ما يشاع عن وجود عمليات تآمر خارجية أو داخلية، وراء انتشار الإرهاب ، فهو حديث مراوغ ، يخرجنا من أصل المشكلة إلى فروعها وجزئياتها ، خاصة أن صفوف الإرهابيين تكتظ بشباب متعلم في أعرق الجامعات العالمية ، ورجال أعمال أغنياء ، ومن جنسيات وأعراق مختلفة ، وعدد كبير منهم نشأ في ظروف وبيئات سياسية واجتماعية تكاد تكون مثالية ، لكنهم انخرطوا في جيوش الإرهاب ، وهم على أتم استعداد لبذل كل غال ونفيس وارتكاب كل الحماقات من أجل فكرتهم ، ويلفت المؤلف النظر إلى أن المشكلة أعمق من كل التحليلات التي ترجع الإرهاب للفقر والجهل والتخلف .
يتساءل المؤلف أين الخطأ ، ولماذا كلما قطعنا فرعا لشجرة الإرهاب ، نبت مكانه عشرات الفروع ؟ ، ولماذا انزلق مهندسون وأطباء وخبراء في الطاقة الذرية والكيمياء والفيزياء والحاسب الآلي وغيرهم في هوة الإرهاب ؟ وأسئلة أخرى تدور في هذا الفلك، والإجابة - من وجهة نظر المؤلف - تكمن في أننا لم نجرؤ على الأخذ بزمام المبادرة ، ونعمل على تفكيك النصوص المؤسسة للإرهاب ، ولم نواجه تاريخنا بما يستحق من نقد ونقض ، خاصة أن ذيول الإرهاب والتطرف والرجعية المنتشرة في كل مؤسساتنا ، تمثل حائط صد أمام مبادرات تفكيك النصوص والأفكار الداعمة والمنشأة للإرهاب ، ولعل أهم فكرة يتمحور حولها الفكر الإرهابي ، هي قضية "الخلافة" فالطمع في السلطة أغرى الكثيرين منذ العصور الأولى للمسلمين ، في التقاتل وسفك الدماء الحرام واستباحة المقدسات وانتهاك الأعراض ، طمعا في السلطة ، من وراء أقنعة الدين ، وظلت تلك الجماعات تتقاتل وتفني بعضها بعضا ، وكلما خرجت طائفة من الصراع ، حلت أخرى واتخذت مسميات مختلفة وشعارات براقة ، لكن هدف الجميع كان إقامة "الخلافة" ، والجميع كان يزعم أنه يسعى لذلك من أجل إقامة حدود الدين ونشر العدل ومحاربة الفساد والذود عن حياض الدين منذ الفتنة الكبرى وحتى داعش والإخوان وبوكو حرام والجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد والقاعدة ومن هم على شاكلتهم وما سوف يخرج من مسميات في المستقبل .
يقول المؤلف : قبل أقل من مائة عام من يومنا هذا ، سقطت الإمبراطورية العثمانية وتم إلغاء نظام الخلافة ، لكنه بقى حلما يراود الكثيرين من السلاطين والملوك ، وقادة الجماعات الدينية ، فكل منهم يرى نفسه الأحق بهذا المنصب الرفيع الذي يؤهله للنهب والسلب تحت راية "رياسة الدنيا والدين" ، ولعل ما يحدث في العالم من شرقه إلى غربه، من إرهاب إجرامي ، يرجع فيه السبب مباشرة إلى فكرة الخلافة ، فلو تخلصت الأمة من هذا الفيروس اللعين ، ربما عاشت في سلام دائم ، وأمنت على نفسها ، وأمن غيرها شرور أبنائها .. فنظرة واحدة إلى ما تتناقله وسائل الإعلام الدولية خلال ربع القرن الأخيرة ، تكشف لنا ، بشاعة وإجرام كل القائلين والمنادين بإقامة الخلافة ، وليس من باب المصادرة ولا إدعاء الحقيقة المطلقة ، القول بأن القضاء على الإرهاب مرهون بالقضاء على فكرة الخلافة نفسها في وعي المسلمين .
يوضح المؤلف أن غالبية أدبيات الجماعات المتأسلمة ترى أن الخلافة أصلٌ ، استقرت عليه قواعد الملة، وهي رئاسة تامة، وزعامة عامة، وخلافة للنبوة لحراسة الدين وإقامته، وحفظ الحوزة، وإقامة العدل، ورفع الظلم، والقضاء في الخصومات، وسياسة الرعية ورعاية شئونها، والقيام على مصالحها، وحمل الدعوة، وإقامة الميزان بالقسط، وسياسة الدنيا بتطبيق الشريعة، وإظهار شرائع الدين، وإقامة حدوده، والائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه، والتزام أحكامه، وتطبيق أنظمة الإسلام السياسية في الحكم والقضاء والإدارة، والاقتصاد، والتعليم، والاجتماع، والعقوبات"... بيد أن المتأمل في التاريخ الإسلامي ، يرى أن الخلفاء منذ اندلاع الصراع على السلطة لم يفعلوا ما تزعمه هذه الأدبيات ، وإن كان بعضهم فعل خيرا فقد خالطه بأفعال سوء كثيرة ، كما أن القارئ للتاريخ يعرف أن "كرسي الخلافة" تحول من رمز ديني إلى منصب دنيوي ، من أجله أريقت دماء الملايين من البشر طيلة الأربعة عشر قرنا الماضية ، واستحلت الحرمات وانتهكت الأعراض ، ولم تسلم حتى الكعبة ، ذاك الرمز الأكثر قدسية لدى المسلمين ، من وحشية المتقاتلين على السلطة ، فرميت بالمنجنيق ، وهدمت أركانها ، ولم يأمن من لاذ بها، مثل الخليفة عبد الله بن الزبير ، فقتل وصلب على ما تبقى من جدرانها ، وقطعت رقبته بيد الحجاج بن يوسف الثقفي ، وأرسلت إلى عبد الملك بن مروان حيث مقر الخلافة الأموية في الشام ، وهذا مثال واحد من آلاف الأمثلة ، ورقبة واحدة من ألاف الرقاب التي قطعت والأجساد ، التي صلبت في هوجة الصراع على "كرسي الخلافة" ، ومن وصل لذلك الكرسي على بحار الدم، لن يفكر بالطبع في إقامة دين أو نشر عدل أو محاربة فساد إلا بما يخدم سلطانه وملكه وجبروته ، ولعل نظرة سريعة في تاريخ الخلفاء ، توضح لنا أن أغلبهم كانوا ملوكا وجبابرة وأباطرة ، لم يتركوا خطيئة إلا ارتكبوها ، لكنهم وجدوا بعضا من الفقهاء والشعراء والمؤرخين المأجورين ، الذين سطروا ملاحم في فضلهم وكرمهم وعدالتهم وتناسوا عن قصد جرائم هؤلاء الخلفاء .
يستطرد المؤلف : إن تراكم الأكاذيب المروجة لعدالة الخلفاء وأهمية الخلافة ، أوحى للمسلمين خاصة غير المطلعين بشكل كاف على التاريخ و كأن الخلافة أصل الإسلام وركنه ، وسنام أمره ، مع أنه لا توجد نصوص صريحة قطعية الثبوت وقطعية الدلالة ، عن شكل الخلافة ولا طريقة اختيار الخليفة ، ولا مهامه الدينية والدنيوية ، ولعل غياب النص القطعي هو ما أوجد الحيرة لدى صحابة رسول الله ، منذ اللحظات الأولى لوفاة النبي عليه الصلاة والسلام ، وتنقل لنا كتب التاريخ ، الصراع الذي اندلع فجأة حول من الأحق بخلافة النبي ، هل المهاجرين أم الأنصار ؟ وإن كانت في المهاجرين فهل في الهاشميين خاصة أم في القرشيين عامة؟ ، وإن كانت في الأنصار فهل هي في الأوس أم في الخزرج؟ ، ولولا قوة وبأس عمر بن الخطاب ، وحكمة ومكانة أبو بكر ، وحالة الحب والود التي كانت لا تزال قائمة بين المسلمين الأوائل ، لتفرقوا من ساعتها ، لذلك كانت خلافة أبو بكر الصديق "فلتة وقى الله المسلمين شرها " كما قال عمر ، وأراح الصديق المسلمين بعد رحيله بالوصية لعمر بن الخطاب ، والذي أوصى بدوره لستة ليس فيهم أحد من الأنصار، بل ثلاثة من الهاشميين وثلاثة من الأمويين ولما خشي بن الخطاب أن يصطف كل ثلاثة في فريق فيتفرقوا وينشب بينهم الصراع ، أوصى بأن الغلبة عند تساوي الأصوات للفريق الذي فيه عبد الرحمن بن عوف ، فكان اختيار عثمان بن عفان بداية الشرر الكامن في النفوس ، حتى قتل في حادثة "يوم الدار" عندما خرج المسلمين على خليفتهم وقتلوه في عقر دار الخلافة ، وهو من هو في خدمة الدين ، وفي قربه من النبي ، ثم جاءت خلافة علي بن أبي طالب في وقت تفرق وفوضى وصراع مكتوم ، ظل يزداد يوما بعد يوم حتى قتل عليّ وهو في الصلاة ، لينهى اغتياله مرحلة مهمة في التاريخ الإسلامي ، وهي ما يعرف بالخلافة الراشدة ورغم مكانة الأربعة خلفاء الأوائل، إلا أن ثلاثة منهم تم اغتيالهم ، وما إن انتهى زمن تلك الخلافة الراشدة ، حتى فتح من بعده باب القتل والصلب والحرق على مصراعيه ، وارتوت الأرض من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب بدماء المتصارعين على السلطة ، وفي كل مكان يظهر شخص، قل وزنه أو كبر يدعي أنه الخليفة ، ويستل سيفه لقتال منافسيه ويزج بالمقهورين في حرب هو وحده من يجني ثمارها .
يتابع المؤلف : من هنا ظهرت ميليشيات القتل والإرهاب التي عاثت فسادا في الأرض ، تحت رايات وشعارات براقة ،ظاهرها إقامة الدين وباطنها البحث عن السلطة وامتلاك السيادة والقوة والمال ،وتحولت الخلافة إلى ملك عضوض جائر ، وتحول بيت الخليفة إلى مرتع تمارس فيه كل الموبقات في الداخل ، في حين أن الخليفة ومناصريه ، يظهرون للناس على أنهم حماة الدين ، وأن حاكمهم خليفة الله في الأرض ، وانتشرت الفتن وطالت نيرانها العلماء والفقهاء والأدباء وعامة الناس ، لكن رغم كل المساوئ التي ارتكبت تحت راية الخلافة ، لا يزال البعض يزعم أن استعادتها هو ما ينقذ الأمة من ضياعها ، ويعيد إليها هيبتها ، ويزيف الحقائق بذكر قشور التاريخ ، ليوهم الناس بأشياء لم تكن ، ووقائع لم تحدث أو حدثت في سياق معين ، ولأننا تعودنا على ثقافة السمع ، وأن نصدق من نثق فيه أو من استطاع أن يخدعنا ، وتغيب عن فضيلة تدقيق المعلومة والتأكد من مصداقيتها من مصادرها الأصلية ، لذلك تجد الغالبية العظمى يحلمون بعودة دولة الخلافة ، لكنهم لو يعلمون ما جرى من صراعات على ذلك الكرسي لأشمئزوا من ذكرها ، وتصدوا لمن دعا إليها ، لذلك يجب على المؤسسات الدينية خاصة الرسمية المنوط بها تجديد الخطاب الديني ، إن كانت راغبة بحق في تجديد خطابها أن تعمد إلى قضية الخلافة وتكشف للناس الحقائق دون تزوير أو تزييف ، ليميز الله بهم الخبيث من الطيب ، وإلا فسكوتهم عن ذلك ، يمهد كل يوم الأرض بحسن نية أو سوء قصد ، لجماعات الإرهاب التي تدفع بشبابنا كل يوم إلى آتون حروب لا متناهية بحثا عن وهم معسول اسمه "عودة الخلافة".
ويؤكد مقلد ، أن الغالبية العظمى من المسلمين ترفض الإرهاب وتمقته وتدينه وتراه وحشا كاسرا شوه صورة دينهم ، لكن شعار "إقامة خلافة على منهاج النبوة" ظل حلما يداعب مخيلاتهم ويسكرهم من النشوة ، كلما دعاهم داع لهذا الحلم ، فقد خلقت الآلة الدعائية للمؤسسات والجماعات الدينية الرسمية وغير الرسمية ، صورة زائفة عن الخلافة ، وكيف كان العدل ، وكيف كان الأمن يسود العالم ، حتى "أن الراعي يسير من اليمن إلى الشام ،لا يخاف سوى الله ، والذئب على غنمه"، وكيف كان خليفة المسلمين عادل ، مرهوب الجانب ، مجاهد يغزو الأرض ، ينظر إلى السماء ويقول للغيم أمطري حيث شئتي سيأتينني خراجك ، فهو يحكم نصف العالم ، ويخيف نصفه الآخر ، وكيف كان الآخرون يؤدون الجزية عن يد وهم صاغرون ، وكيف كان نداء وإسلاماااه يرج الأرض تحت أقدام الأعداء .. مثل هذه الدعاية جعلت المسلمين يعيشون وهما ، بأن خلاصهم في زمن الهزيمة والتردي والانحطاط السياسي وتكالب الأمم عليهم وعلى ثرواتهم يكمن في إقامة الخلافة وتوحيد رايتهم تحت راية خليفة واحد بدعوى أنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ويشيرون إلى نظام الخلافة وكأنه الخلاص .
ويستطرد المؤلف : بيد أن كل دعاة الخلافة ومناصريها أخفوا عن الشعوب الإسلامية – التي لا تقرأ كثيرا بطبيعتها – حقيقة الخلافة، وحقيقة ما جرى من معارك وصراعات وفتن دامية ، حتى من الصحابة أنفسهم بسبب هذه السلطة ، من هنا جاءت تلك المحاولة البسيطة لتسليط الضوء على تاريخ الخلافة الإسلامية ، والتركيز فقط على الحروب بين أمراء الحرب على السلطة ، وتتبع كيف وصل كل خليفة إلى منصبه ، وكيف استباح الدماء والأعراض والخديعة والكذب ، ليجلس جاثما فوق صدور الرعية ، مستبدا بالأمر ، لا يردع أكثرهم دين أو ضمير ، وبالطبع لم يعدم كل الخلفاء من وجود رجال دين وفقهاء وشعراء ، زينوا لهم كل سوء، وأقنعوا الناس بعكس ما يرونه من بطش وقهر وسلب ، فقد جعلوا "الخليفة" ظل الإله في الأرض ، فهو العادل وإن سرق المال وجلد الظهر ، وهو المؤمن ولو قتل وشرب الخمر واستباح المحرمات ، وهو حامي الدين وإن كان أبعد ما يكون عن الدين والأخلاق .
ويلفت مقلد ، النظر إلى أن الكتاب قراءة محايدة في أمهات الكتب الإسلامية ونقل أمين لما جاء فيها حول معارك المسلمين الأوائل على السلطة، ومشددا على أن ذلك ليس من قبيل نبش الماضي بقدر ما هو توضيح للناس أن الصراع على الخلافة كان صراعا سياسيا وليس دينيا وغالبية "خلفاء المسلمين " الذين جاءوا بعد الخلافة الراشدة - إلا القليل - ما هم إلا أمراء حرب كان هدفهم الأساسي السلطة ، ويأمل المؤلف أن تكون محاولته بداية لتفكيك أفكار أخرى ، يتخذها الإرهابيون ، وجماعات الإسلام السياسي تكأة لتجنيد الأنصار، وخلق بيئات حاضنة للعنف والتطرف لافتا إلى أن إلغاء نظام الخلافة لم يؤثر في الدين نفسه ، فالمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يقيمون دينهم بلا نقص ، فالشهادتين تملآن السماء والأرض ، والصلاة قائمة ، والزكاة مدفوعة ، والصيام باق ، والحج عامر ، وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقي ردا على دعاة الخلافة:
مضت الخلافة والإمام فهل مضى .. ما كان بين الله والعباد
والله ما نسى الشهادة حاضر .. في المسلمين ولا تردد شادي
والصوم باق والصلاة مقامة ...والحج ينشط في عناق الحادي
الكتاب يتكون من ثلاثين مقال ، يسرد المؤلف خلال هذه المقالات بعض الوقائع التاريخية ، خاصة المعارك الكبرى التي حدثت بين المسلمين في إطار صراعهم الدامي على السلطة مركزا على لحظات الصراع وعدد القتلى والجرحى في كل معركة لكشف فداحة الثمن الذي دفعه المسلمون ثمنا ليجلس أحد أمراء الحرب على كرسي السلطة.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: متى تنتهي الحرب المنسية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الولايات المتحدة: ما الذي يجري في الجامعات الأمريكية؟ • فران




.. بلينكن في الصين: قائمة التوترات من تايوان إلى -تيك توك-


.. انسحاب إيراني من سوريا.. لعبة خيانة أم تمويه؟ | #التاسعة




.. هل تنجح أميركا بلجم التقارب الصيني الروسي؟ | #التاسعة