الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفلسفة السياسية الأمريكية رهينة أوالياتها

محمد بوجنال

2018 / 10 / 20
مواضيع وابحاث سياسية




من الثابت أنه لا مجتمع بدون فلسفة سياسية معينة؛ ووفق القول ذاك، فتقدم وتخلف المجتمعات وبينهما التي تعيش إحدى المراحل الانتقالية، لها فلسفاتها السياسية المتباينة نوعا ودرجة ووعيا:إما المتقدمة حداثيا، أو المتخلفة ذاتيا وموضوعيا، أو الناهضة إرهاصيا. وباللزوم المنطقي، فلكل فلسفة سياسية من تلك الفلسفات مبادئها وبديهياتها ومسلماتها ومفاهيمها وقواعدها التي تختلف باختلاف نوعية الوعي بمعنى الوجود الذي هو امتلاك السيادة أو فقدانها أو محاولة استرجاعها .
هذا المدخل يبرز لنا أن الولايات المتحدة الأمريكية كدولة امبريالية يستحيل فهم معنى العلاقات بين مكوناتها الداخلية وتدخلاتها الخارجية التسلطية بدون استحضار فلسفتها السياسية وإلا يبقى الفهم إما مراهقيا أو غامضا أو متناقضا أو موضويا؛ وهو الوضع الذي يلعب، في كل هذه الحالات، لصالح الممارسات التسلطية والامبريالية للولايات المتحدة الأمريكية علما بأن هذا هو السائد بنسبة ملحوظة. لذلك آثرنا طرح أواليات فلسفتها السياسية تجنبا للبس والالتباس والغموض والمكر. فأوالياتها أو أرضيتها تتمثل في الثالوث التالي: المبدأ، والبديهية، والمسلمة، ثالوث انطلاقا منه وبناء عليه تحصل النتائج. فالمبدأ تحديدا هو الإقرار الإلهي بمسئولية الولايات المتحدة الأمريكية عن العالم: أمريكا ولا شيء ولا أحد غير أمريكا؛ أما البديهية فتتحدد في كون أن العرق الأمريكي الأبيض هو العرق الأسمى (الخير)؛ في حين أن المسلمة تعني سحق كل من يهدد أصولية الوجود الأمريكي وتقدمه. إنها أواليات مرجعية ومحددة ومنتجة لمعنى الفلسفة السياسية الأمريكية. والمتأمل لهذه الأواليات يرى أن كل الدول الغربية المتقدمة تدعي حقها في أنها الأولى والمفضلة إلهيا لتنفيذ أوامره حين تلحق الهزيمة بالقوة المتسلطة أو قل أنها ترى نفسها الأجدر طبيعيا وبيولوجيا على ترجمة هذه الأواليات على المستويين النظري والعملي وهو ما تدعيه خاصة بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
ومعلوم أن للتاريخ قوانينه وقواعده التي كلما تم استيعابها وتوظيفها بشكل سليم كلما حصل التطور والتقدم والإبداع على مختلف المستويات: اقتصاديا وعسكريا ومعرفيا وبالتالي اجتماعيا؛ وكلما حصل ذلك بشكل غير سليم أو بشكل تخللته هفوات أو التباس في التقدير كلما انعكس ذلك سلبا على تقدم وتطور وإبداع المجتمع وهو ما حصل للدول الغربية المتقدمة الراغبة في ربح ورقة الامتياز لتكون الناطق الرسمي باسم الذات الإلهية وبالتالي تبرير تسلطها واستعمارها – وهو ما فعلته إبانها - واستغلالها باقي الشعوب ماديا وبشريا. وهي في كل ذلك لا تختلف عن طموح وحقيقة نظيرتها الأمريكية التي لم تستثن الدول تلك من ممارسة التسلط عليها، مثلها في ذلك مثل باقي الدول وإن بدرجات. لقد التقطت الولايات المتحدة الأمريكية سوء تقدير الدول المتقدمة الأوربية لعامل العلاقات في الزمن الذي تمكنت من قراءته جيدا انطلاقا من تفعيل أواليات فلسفتها السياسية السابقة الذكر؛ أو بلغة أخرى،إن عاملي حسن التدبير والاستثمار الجيد لفلسفتها السياسية الداخلية والخارجية وفر لها شروط التحقيق الفعلي لإنجازات داخلية وخارجية مكنتها من بناء قوتها العسكرية والاقتصادية والمعرفية وهو ما حصن سيادتها وهيمنتها كما ينص على ذلك مضمون أواليات فلسفتها السياسية التي تقتضي وتوجب، وباللزوم، حماية العالم وغزو الأسواق الاقتصادية وتطوير القدرات العسكرية وهي إنجازات ونتائج يستحيل تحقيقها دون الاهتمام بالمجال المعرفي الذي أهمه المجال التعليمي. بهكذا وضعية، انضبطت باقي الدول المتقدمة الأوربية – خاصة بريطانيا وفرنسا وألمانيا – للفلسفة السياسية الأمريكية لعلة أنها دولا فوتت الفرصة حينها على نفسها بعد ما كانت دولا قوية؛ إلا أن عدم استثمارها البناء للوضع العالمي كعلاقات، ترك المجال واسعا لسيطرة ثم هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية وهو ما مكنها من التنزيل الفعلي لأواليات فلسفتها السياسية على أرض الواقع داخليا وخارجيا.
بهذا الوضع الفعلي، على المستويين النظري والعملي أصبح وضع الولايات المتحدة الأمريكية يعني، وبالكاد،أن فلسفتها السياسية هي تجسيدا لمسئولية الدفاع عن العالم حماية له من كل القوى الشريرة باعتبار ذلك بديهية لا يمكن لأحد مناقشتها لعلة أنها معطى إلهيا تجسد في العرق الأرقى الذي هو العرق الأمريكي الأبيض؛ بمعنى أن العالم تحكمه قوانين وقواعد مرجعياتها أواليات فلسفتها السياسية التي تحارب الشر دفاعا عن الخير الذي هو جوهر هذا العالم والقصد الإلهي من تأسيسه وهو ما تطلب البناء المعرفي والاقتصادي والعسكري لسحق كل القوى المدمرة لهذا "الخير"، قوى الشر.لذلك لا نندهش لما يحدث في العالم العربي- الإسلامي من تدمير أمريكي بأشكال وأدوات مختلفة لهذه المجتمعات المعتبرة كمجتمعات شريرة؛ أو قل أن الواجب الإلهي والبيولوجي ،في نظرها، يلزمها بتدمير هذه المجتمعات المهددة لسلامة العالم وإلا فستكون قد تخلت وخانت أواليات فلسفتها السياسية التي تفرض سحق القوى العربية- الإسلامية باعتبارها قوى شريرة. لذا، فالتدمير السائد في الشرق الأوسط هو تصريف لأواليات هذه الفلسفة السياسية الأمريكية الرامية سحق الأشرار. وهنا لابد من الإشارة إلى أن إسرائيل بدورها، في فلسفتها السياسية، تعتقد بأنها العرق الذي حملته الديانة اليهودية مسألة حماية أرض وموارد الشرق الأوسط من خطر الأشرار العرب – المسلمين وذلك بتدميرهم وسحقهم. وهنا نستحضر قولة المفكر شارل كراوتهامر القائل: " إما أن تقتل الشرير وإما أن يقتلك "؛ وقد تبنى رئيس أمريكا بوش الإبن(رمز الخير) الفكرة لإعدام صدام حسين وتدمير الشعب العراقي(رمز الشر)؛ وهي نفس الفكرة التي تبناها صديقه آرييل شارون(رمز الخير) فاقترف المجازر تلو المجازر في حق الفلسطينيين(رمز الشر). إنها القولة التي تعتبر من أهم أسس أواليات الفلسفة السياسية الأمريكية كما مورست في السابق وكما يمارسها اليوم الرئيس دونالد ترامب، وبالمثل كما يمارسها في السابق ويمارسها اليوم صديقه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو.
هكذا،وبناء على ما سبق، عملنا قدر الإمكان، على توضيح أواليات الفلسفة السياسية للولايات المتحدة الأمريكية تخليصا للكثيرين من عملية التغميض شعوريا أو لاشعوريا أو جهلا لطبيعتها السياسية، بمسرحياتها المحبوكة ومجازرها المدروسة وتدخلاتها الإمبراطورية تدميرا وقتالا وإرهابا. والهدف: التنزيل الفعلي لأواليات فلسفتها السياسية التي هي، وبالنتيجة: البناء القوي للإقتصاد والحرص على تحصين مكانة المؤسسة العسكرية، وإغناء المناعة السياسية، وتوفير شروط استسلام ساكنة العالم.بهذه الدلالة للفلسفة السياسية للولايات المتحدة الأمريكية والتي تدعمها بريطانيا وفرنسا انطلاقا من ضعفهما أمامها، يتم فهم أحداث العالم العربي- الإسلامي؛ وبالمحصلة،إنها فلسفة الهيمنة على العالم حماية له من القوى الشريرة في نظرها والمحددة علانية وخاصة في المجتمعات العربية- الإسلامية.
وتوضيحا لتلك الفلسفة الامبريالية أكثر، نرى أنه لابد من طرح التساؤلات التالية التي نطمح مقاربتها مستقبلا : ما علاقة المجتمع الأمريكي بهذه الأواليات؟ كيف تتعامل المؤسسات مع هذه الأواليات؟ هل منظور المجتمع المدني هو نفسه منظور المجتمع العسكري؟ هل اتخاذ القرار يتحكم فيه أسلوب التسلط؟ أم إقناع المجتمع، أم التحايل عليه، أم ممارسة الوصاية عليه بتوظيف نخب تدعي تمثيله؟ ما موقف النخب العسكرية من مقترحات سياسيي البيت الأبيض بمن فيهم الكونغرس وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي المنتخب؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرد الإسرئيلي على إيران .. النووي في دائرة التصعيد |#غرفة_ا


.. المملكة الأردنية تؤكد على عدم السماح بتحويلها إلى ساحة حرب ب




.. استغاثة لعلاج طفلة مهددة بالشلل لإصابتها بشظية برأسها في غزة


.. إحدى المتضررات من تدمير الأجنة بعد قصف مركز للإخصاب: -إسرائي




.. 10 أفراد من عائلة كينيدي يعلنون تأييدهم لبايدن في الانتخابات