الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيرين وفرهاد: الفصل الأول 2

دلور ميقري

2018 / 10 / 20
الادب والفن


هذا العام، كان صيف الشمال الأوروبيّ قد أفلت من نحس الطقس الكئيب، المتسم عادةً بالتقلّب على وقع الأمطار والرياح. إلا أنه داخلُ " دلير "، مَن كانت تسكنه الخيبة بسبب التطورات الأخيرة في الوطن. على خلاف ذلك، بدا صديقه خلال قيادته السيارة في الطريق إلى مركز مدينة هامبورغ. ولقد سبقَ أن عرفنا آراء " آراس " هذا، وسبب تفاؤله بسير الأحداث؛ فيما يخص المناطق الكردية، على الأقل. هكذا تابعَ المضيفُ حديثَ الفطور، وبنبرة أكثر تحفظاً من تلك، التي أثارت حفيظة امرأته: " منذ اجتياح المعارضة المسلحة لمناطقنا، في أواخر العام الماضي، فقدتُ أيّ أمل في قدرتها على قيادة تغيير ديمقراطيّ للبلاد. ولا أتمنى الآنَ سوى أن يتصارع طرفيّ النزاع إلى ما لا نهاية، حتى يفنيا معاً. وفي الأثناء، نتابع صون مناطقنا وتطويرها، مثلما كان الأمر في كردستان العراق بعيد انتهاء حرب الخليج ".
هنا، أدلى " دلير " بملاحظة عابرة: " الوضع شديد التعقيد، إن كان في الوطن عموماً أو في المناطق الكردية. فلن تتجاوز آراؤنا، والحالة هذه، حدودَ التكهنات.. أو الآمال، في أحسن الأحوال ". أبدى الآخرُ موافقته بهزة من رأسه، المشتعل بالشيب. ثم ما لبثَ أن عقّب بعد لحظة قصيرة: " والأمل أن يغرق دراكولا أكثر فأكثر في دماء جماعته، المسفوحة لأجل ديمومة عرشه، علّ الثورة تمتد إلى الساحل ". تبادل الصديقان الابتسام. ذلك أنّ صفة مصاص الدماء، ( أو الفامبير )، كانت قد ألصقت بالديكتاتور في مقال ساخر نشره الضيفُ مؤخراً في موقع إلكترونيّ معارض. وكادَ هذا الأخير يُذكّر صديقه، على سبيل الدعابة، بموقفه المتشدد حول ضرورة النأي بالمناطق الكردية عن الصراع السوريّ الأهليّ، بيْدَ أنه لحظ السيارةَ وهيَ تستهل شق طريقها عبرَ مدخل المدينة. وفكّرَ عندئذٍ بمخاوفه من نقل النقاش إلى المقهى؛ هنالك، أين من المفترض أن ينتظره " سيامند " وعلى الطاولة نسخة مذكراته المراكشية.

***
صاحبُ المذكرات، كانَ قد أولمَ في يوم مضى على شرف الضيف في شقته الأنيقة، القائمة في حي على طرف المدينة، يسكنه الأجانب بكثرة. ثم أصطحبه مساءً إلى بارٍ على شكل قبو، يقبع بأضوائه الخافتة تحت دعائم مساكنٍ خشبية ذات واجهات زجاجية منارة بمصابيح الشهوة الحمراء، حيث تنتصبُ خلف كلّ منها إحدى المومسات بملابس مكشوفة. وكان " سيامند " ما يفتأ أعزبَ، مع اقتراب عمره من منتصف الحلقة الرابعة.
" وإذاً، فإنك لا تزال محتفظاً بخصلة أيام الشباب؛ بالسعي خلفَ فتيات الشوارع والبارات، الموسكوفيات منهن والمراكشيات! "، قال لمضيفه باسماً. تأمل هذا صورتَهُ في المرآة العريضة، المتصدّرة الجدار وراء البارمان، قبل أن يبرطمَ مستاءً نوعاً: " حصيلة بحثك في كلا المدينتين، يبدو أنها كانت وفيرة ". ثم داعب كأسه، مستطرداً بنبرة ساخرة: " ولنقل أيضاً، أنّ تلك الخصلة هيَ حصيلةُ حياةِ مُحْدِثِ نعمة! حسناً، أنت سعيتَ لمعرفة تلك التفاصيل كي تحولها إلى مادة أدبية بوصفك كاتباً.. أليسَ كذلك؟ "
" لِمَ تلوحُ الآنَ منزعجاً، مع أنني كلمتك هاتفياً عن مشروع الكتاب المراكشيّ؟ "، استفهمَ بدَوره. وكان على " سيامند " تصنُّع الدهشة، تلقاء سؤالٍ يبدو أنه لم يكن قد توقعه: " لا، لا أراني منزعجاً بحال من الأحوال. أما بخصوص مكالمتنا الهاتفية، فإنني لم أخفِ عنك عدم تحمسي لمشروعٍ يجعل من الحياة الخصوصية مضغة في أفواه الآخرين "
" ولكن، أرجوك يا عزيزي! أنتَ بنفسك كاتبٌ، ومن المأمول أنك تعلمُ طبيعة الكتابة وأن الموضوعية هيَ شرطها الأساس؟ "
" أنا الآنَ معك في البار، وأعلمُ فقط شيئاً مؤكّداً؛ وهوَ أنّ هذه الفودكا من القوة بحيث جعلت رأسي غير صالح للتفكير بصورة جيدة "، قالها في لهجة مشاكسة دافعاً جسده إلى حافة سدّة البار. وتظاهرَ " دلير " بالمرح، حينَ رفع كأسه إلى أعلى على سبيل شرب نخب مضيفه. ثم رشفَ الشرابَ، هاتفاً بانشراح وحيوية: " فودكا جيّدة، فعلاً..! ". إلا أنه لم ييأس من محاولة إثارة الموضوع كرّةً أخرى، فعادَ للقول في وقار: " وأنا على ثقة أيضاً، بأنّ ما كتبته في سيرتك المراكشية لا يقل جودةً. وثمة شيء آخر، عليّ لفتَ نظرك إليه: أنّ زعيمكم لم يرفض البوحَ لصحفيّ أجنبيّ بحياته الشخصية، بما في ذلك طفولته وصباه وإشكالات علاقته مع عائلته ". أرادَ المضيفُ مقاطعته، ولكنه تابعَ الكلام: " وظنّي أنك قرأتَ ما كتبه ذلك الصحفيّ، لأنه نشرَ في كتاب وتم تداوله على نطاق واسع؟ "
" بلى قرأته، بالطبع، ولم يكن كتاباً سيئاً! مع ذلك، أتساءل عن علاقته بموضوع السيرة المراكشية، المأمولة؟ "، قالها ثم مضى يعبث يده في شعره الغزير والرماديّ. أدركَ الآخرُ أنّ مضيفه لن يستسلم بسهولة، وأنّ عليه طيّ الموضوع مؤقتاً. هكذا انتقل إلى الحديث عن تطورات الوضع في الوطن؛ ثمة أينَ يخوض المتصارعون معركة مصيرٍ، شبيهةٍ إلى هذا الحد أو ذاك، بمعركته في شأن الكتاب المراكشيّ!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و