الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في رواية -قصة قاتل -كي لاتنسى

عبد القادر أعمر

2018 / 10 / 20
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


" القطعة الأدبية لا تلمس القارئ إلا إذا تفجرت من ألم الكاتب ،فالكلمات التي تلمس القلوب هي كلمات تنبع من الام عميقة ،ولن تتحول إلى إبداعا إلا إذا لمسها الألم الراقي وصقلها لتصبح تحفة ثمينة في متحف الحياة "

بصدد قراءتنا لرواية "ذاكرة قاتل كي لا تنسى" للكاتبة سلمى الغزاوي الصادرة سنة 2018 عن دار اكتب النشر والتوزيع عدد صفحاتها 142 من الحجم الصغير ,بداية نلاحظ أن العنوان يوحي إلى ذاكرة مليئة بالحزن والإنتقام التي تما إستحضارها لكي لا تنسى هذه الذاكرة أو هذه القصة لتبقى رمزا من رموز الظلم والاضطهاد ,كما أن صورة الغلاف التي من إعداد أحمد فرج توحي لنا من خلال نظرتنا الأولى لرواية أن هناك فتاة بزيها الأحمر الدي يميل إلى ماهو رسمي وسط غلاف أسود يوحي بالظلمة التي تهرول هربا منها هذه السيدة الثلاثينية العمر على حد التقدير وتتضمن الصورة كدلك شخص اخر يظهر منه جانب يده الأيسر فقط ,يرتدي هو الأخر نفس اللون الأحمر ويحمل سكينا ,هذا ما قد يوحي لنا بأنها يد القاتل المقصود ,وباعتبارها تنتمي إلى جنس الرواية البوليسية وكما هو معروف من أكثر الأدب شيوعا في الغرب الدي نشأ مبكرا ربما في القرن السابع عشر أو الثامن عشر ،حيث يضع القارئ تحث وطأة نص تشويقي ومثير لايستطيع إلا أن يتتبع وقائعه ،وهذا مانجده في رواية سلمى الغزاوي حينما تكبلنا بقيود الفضول والسير خلف حروفها لكشف الغموض حول شخصية "القاتل الما لانهاية" على حد قولها ،محاولا استنتاج النهاية وكشف اللغز الذي يؤدي بهذا القاتل إلى إرتكاب الجرائم ،لكن كما هو معروف "الإبداع الحقيقي هو الذي تكون نهايته غير متوقعة وصدمة للقارئ وتجعله في الأخير شارد الذهن ".

نجد أن رواية "ذاكرة قاتل كي لا تنسى" ،تسرد قصتها صحفية تدعى عايدة ،اتخذت قرار دراسة الصحافة وامتهانها لإكمال ما بدأه والدها الذي كان صحفيا معروفا وشريفا في محاربة الفساد ،وعندما صرح في آخر مقال كتبه أنه يملك معلومات هامة وخطيرة في قضية من أكبر قضايا الفساد المادي ،قاموا بتصفيته وهو يغادر مقر الجريدة ،وبعد ذلك امتهنت عايدة الصحافة بقسم الحوادث وتكتب العديد من التحقيقات حول جرائم وحشية..إلتقت بعشيقها عمر الذي يشتغل في الشرطة القضائية بعدما راسلها عبر البريد الإلكتروني حيث أبدى عن إعجابه لكتابتها ونية مساعدتها في كتابة التحقيقات وكذلك تبادل التخمينات والإستنتاجات لتوصل إلى هوية القاتل المدعو المالانهاية الذي كان يقتل الضحايا المرتبطين بالبيدوفليا وتصفه عايدة بالشبح أو الشيطان الذي يتلذذ في نحر ضحاياه ويغيب بعد ذلك أثره ،وهذه القضية التي يشتغل عليها عمر من خلال مهنته من أجل إلقاء القبض على المجرم ،كذلك عايدة التي تحاول كتابة مقالات حول الجرائم لتنوير الرأي العام بالمستجدات وهو الأمر الذي أدى بعايدة إلى الوقوع في حب عمر ، بعدها توالت جرائم القاتل دون أن يترك أي دليل يثبت هويته حتى وصل إلى جريمته السابعة وهي الجريمة الأخيرة والأكثر بشاعة من كل جرائمه المتسلسلة لكن هذه المرة أخطأ القاتل حساباته وخلف بصماته وأثر حذائه في منزل الضحية ،مما مكن من تحديد هويته وهو المدعو سعيد والملقب بالسعدية لأنه معروف بشدوده الجنسي ،والضحية السابعة هو رجل سياسة يدعى منصف سراج الدين ،لكن سعيد فر إلى نزل بإحدى المدن الصغيرة وبعدما حددت الشرطة مكانه ،اقدم على الإنتحار عن طريق تناوله لمزيج قاتل من المواد الكيميائية الخطيرة ،مما أدى إلى وفاته على الفور.
بعد انتحار سعيد أغلقت القضية على إثر كل الدلائل التي تثبت تورطه في الجرائم السابقة لكن عايدة ظلت تفكر في أن هذه القضية تحمل في طياتها مفاجآت كبرى أبعد عن احتمالاتنا لأن لعنة السفاح المالانهاية لم تنتهي ولن تنتهي أبدا.
والمفاجأة الكبيرة التي تحملها الرواية هي أن هوية السفاح المالانهاية ليس هو سعيد بل هو الشخص المقرب لها هو عمر الشرطي القضائي الذي تعرض إلى الإستغلال الجنسي في سن السابعة مما أدى به إلى الإنتقام للأطفال المغتصبين ،وأقر على أن القوانين المجتمعية والقوانين الوضعية قاصرة لحقوق الأطفال المغتصبين ،وكان مغتصبه هو صديق والده "منصف سراج الدين" حيث اصطحبه معه في نزهة إلى إحدى الغابات ،أوقف سيارته وأغتصبه فوق مقعدها الخلفي ،هذا ما أدى الشرطي إلى تطبيق عدالته الخاصة في حق مغتصبه ومن أجل تطوير قدراته في القتل أخد عينات إجرامية وشرع في البحث عن ضحايا تجريبية وساعدته مهنته ليستعملها كوعاء لتنفيذ جرائمه بسهولة مطلقة.
في الليلة التي قطف فيها روح منصف ،تسلل إلى إقامته الثانوية البعيدة عن الأنظار التي كان يخصصها لممارسة اضطراباته الجنسية ،ارتدى عمر قفازتين وأجهز سكينه وجلس ينتظر في الظلام وعند انقضاضه على منصف دس يده في جيبه واتصل بعشيقه الشاد سعيد وطلب منه أن يلتحق به وبعد ذلك قطع العضو التناسلي لمنصف وألقاه في المدفأة وقصد غرفة النوم وحطم الخزينة من أجل إلقاء التهمة على سعيد وكما كان متوقعا دخل سعيد إلى البيت وتناول الطعام وأقدم على السرقة وبعد ذلك انطلق عمر إلى غرفة سعيد وزرع الأدلة بعناية وهي بعض من الأعضاء الجسدية التي كان يقتلعها من الضحايا وبعد ذلك فر سعيد وأقدم على الإنتحار ليكون الضحية الثامنة بشكل غير مباشر ،ويغلق معها البحث عن مجرم المالانهاية ،وتقرب عمر من عايدة لأنه يريد أن تكتب رواية عن إنجازاته الإجرامية وتكتب عن الصغار ضحايا البيدوفليا.

لكن هل استطاعت سلمى الغزاوي الدفاع عن الأطفال ضحايا الإعتداء الجنسي؟
هل يمكن أن تكون الكتابة طريقا لدق مسامر النسيان على أحداث مؤلمة مخزنة في الذاكرة؟
هل تحرر الذاكرة من الماضي رهين بكتابة ألم وإخفاقات الكاتب ؟
يقول علي شايع في مقاله المعنون ب "كتابة النسيان" ضرورة الكتابة هو أن نفعل ونعيش المقبول والمحدود منطلقا منه ،والكتابة عليها أن تكون بحجم الميزان قبل الوثوب عليه لأنها ستكون قفزة في جهة النسيان الأعمق.
وحسب جاك لاكان "الكتابة هذه العملية الزئبقية الضرورية الواقعة بين الذاكرة والنسيان في مقام برزخي بين الواقعي والخيالي والرمزي هو الضابط رغم تداخل الدوائر الثلاث" ،ومن هنا قد نفهم أن استرجاع الأحداث المخزنة في الذاكرة من الألم ضروري في كل كتابة ،لا بالمعنى الذاتي للكلمة بل بالمعنى الجمعي ،فالكاتبة سلمى الغزاوي هي النائب عن الأطفال ضحايا البيدوفليا ،تحمل آلامهم الصغيرة والكبيرة وهي ذاكرتهم الطفولية وذاكرتهم الحالية وهذا ما تجسده شخصيتها عايدة الكاتبة التي تحاول أن تسلط الضوء على هذه الظاهرة لكشف أسبابها ومخلفاتها في حياة الأطفال.
ولأن الكتابة هي لعبة نسيان تطوي الأحزان والمعاناة في النهاية لكنها لا تطوي قصص المظلومين الذين تجرعوا ألم الخذلان من المجتمع الذي تنكر لهم ،على لسان عايدة "مترددة أنا ،متأرجحة بين النسيان واللانسيان ،حتى انتهي منها ومنه وأغادر مغاور الذاكرة بأقل الذكريات الممكنة "هنا تحاول الكاتبة أن تبين أن استرجاع الأحداث المؤلمة من أجل تحويلها لحروف هو أمر مرهق يعيد أحداثا حزينة تجعلنا نتأرجح بين النسيان واللانسيان لكن ضرورة الكتابة تفرض العودة إلى هذه الأحداث من اجل الخروج منها بأقل الأضرار.
وتقول أيضا "يؤمن معظم الكتاب أننا ندين الجراح بالكثير ,فلولاها ما كنا لنطلب اللجوء الأدبي لنكتب ونشفى بعد أن تمكننا الكتابة من رتق جروحنا ،كثيرون هم الكتاب الذين يستشهدون على علاقة الجراح الغائرة بالكتابة بالقول الشهير لكافكا "الكتابة انفتاح جرح ما.."
هذا الجرح الذي تتحدث عنه الرواية هو حب عايدة لعمر الذي لا طلما غواها شغفه الجميل لكنه كشرعن أنيابه بعدما وصل عمر إلى مبتغاه ,فصعب عليها النسيان لأن طيف الحب أقوى من الإستسلام لنسيان... لكن هل استطاعت عايدة أن تنسى طيف عمر بعدما خطت أناملها رواية عمر السفاح المالانهاية ؟
على لسانها تقول "ماذا لو امتلكت الشجاعة الكافية لأول وأخر مرة في حياتي وأحرقت مسودة هذه الرواية الملعونة لأتحرر من طيف هذا الحب القاتل " وتعود للقول "لأول مرة أعي أن كل ما يشاع عن استحالة إصابة قلوبنا بداء النسيان مجرد ترهات نسجتها الروايات والأفلام الرومانسية لنبقى على قيد الأمل.."وهنا تقر الكاتبة أن الكتابة لا تستطيع ان تمسح الذاكرة القلبية للكاتب لأنه لا سبيل للنسيان عبر الأحرف لكن البحث في قبو الذاكرة والألم يفجر الإبداع.
وفي الشق الثاني نلاحظ أن الكاتبة استطاعت الدفاع عن الأطفال الصغار ضحايا الإعتداء الجنسي بعد سردها لقصة عمر أو السفاح المالانهاية وكشفها للأثار النفسية البعدية الانتقامية التي تستعمر ذاكرتهم والرافضة للنسيان جراء عدم استيعابهم الصدمة ،وهو الشيء الذي خلق اضطرابا في بنية شخصيتهم وكذلك أكدت على أن تخزين الطفل للحدث خلال تعرضه للإعتداء يقوم بنقل الذكريات والأحاسيس المريضة إلى منطقة اللاوعي إلى أن تتطور حالته وتصبح ذكرياته وأحاسيسه كيانا مستقلا قائما بذاته لتنتج اضطراب أخر يدعى بالسكيزوفرنيا تجسيدا للشخصية الانتقامية وترجع الكاتبة مشكلة تنامي هذه الشخصية الانتقامية لدى الأطفال إلى الأمهات والآباء لأنهم لم يلاحظوا تعرض أبنائهم للإعتداء الجنسي وحتى إذا تمت ملاحظة الأمر فيكون بعد فوات الأوان أي بعد تشوه شخصية الطفل الضحية إلى حد تعجز فيه المساعدة النفسية عن تجميلها ،لنصل في الأخير أن استحضار الكاتبة لعنوان قصة قاتل كي لا تنسى من أجل الوقوف على ظاهرة الأطفال ضحايا البيدوفليا كي لا تطغى عليهم النظرة التحقيرية من المجتمع ،وتقديم لهم المساعدة اللازمة لتجاوز الأزمات النفسية وكذلك معاقبة كل المجرمين المتورطين بالبيدوفليا بأقصى العقوبات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست