الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمريكا شيكا بيكا (5)

طارق المهدوي

2018 / 10 / 21
العولمة وتطورات العالم المعاصر


رغم أن دعاية الفندق ذي النجمتين الواقع في ولاية فرجينيا الملاصقة للعاصمة الأمريكية واشنطن دي سي ملأت الفضاء الإلكتروني حول تحصيله مبلغ خمسين دولار مقابل المبيت والإفطار، فإن موظفة الاستقبال وهي تتنصل من منشورات الفضاء الإلكتروني باعتبارها مجرد كلام في الهواء لا يعنيها طلبت مئة دولار مقابل مبيت ليلة واحدة مع إفطار جاف وبارد أي خبز وجبن ومربى وزبد وعصائر، الأمر الذي كنت مضطراً إلى قبوله على مضض بسبب احتياجي إلى النوم عقب إرهاق يوم كامل من السفر الشاق لاسيما وأنني في زيارة علاجية، لأستقبل صباح اليوم التالي مستشار السفارة المصرية بواشنطن وهو مرؤوس سابق لي في العمل حاول استدراجي إلى زيارة مبنى السفارة، بحجة مقابلة المستشار الطبي في مكتبه كي يمنحني إعفاء ضريبي لمعاملاتي العلاجية المتعلقة بعيوني موضحاً أن حصولي على هذا الإعفاء سوف يوفر لي ثلث تكاليف تلك المعاملات، فاستمهلتُه حتى هاتفتُ أحد أصدقائي الأطباء المصريين الذي فاجأني رده حول عدم وجود مستشار طبي في السفارة المصرية لدى واشنطن حالياً لذلك كان ردي هو مرحباً بالإعفاءات من أية جهة دون زيارات إلى أية جهة، مما يعني فشل الخطة الاستدراجية "أ" فتم الاتجاه نحو الخطة الاستدراجية "ب" عبر دعوتي للمشاركة في احتفال الملحقية العسكرية بعيد الجيش المصري الذي يوافق ذكرى الانتصار على العدو الصهيوني في السادس من أكتوبر، حتى أنني عندما اعتذرتُ بحجة عدم اصطحابي لأية أزياء رسمية معي وصلني سائق السفارة حاملاً طقم رسمي كامل على مقاسي يشمل البدلة السوداء والقميص الأبيض وربطة العنق الحمراء، إلا أنني وصلتني في اليوم ذاته عبر هاتف غرفتي الفندقية مكالمة لسيدة مجهولة قالت عن نفسها إنها صحفية كي تحذرني من الذهاب إلى الاحتفال الذي سيكون حسب قولها ذهاب بلا عودة، فكان انسحابي في اللحظة الأخيرة بحجة وعكة صحية مفاجئة أصابت جهازي الهضمي ليتم الاتجاه نحو الخطة الاستدراجية "ج" الأكثر تعقيداً على النحو الآتي، في اليوم التالي للاحتفال الذي لم أحضره أبلغتني إدارة الفندق بأنني يجب أن أدفع مبلغ مئتين اثنتين من الدولارات مقابل مبيت الليلة الواحدة في نفس الغرفة لو استمرت إقامتي لديهم مع إمكانية نقلي بمعرفتهم إلى فندق آخر في الجوار يحصل على مئة دولار فقط، فقبلتُ هذا الابتزاز المالي السافر الطارد خوفاً من المجهول لكن قبولي لم يكن مقبولاً لدى القائمين على وضع وتنفيذ الخطة الاستدراجية "ج"، فأبلغتني إدارة الفندق عقب ثلاثة أيام بأنني يجب أن أترك الغرفة والفندق كله فوراً حيث تم حجز كافة غرفه لمؤتمرين اثنين معاً أحدهما لمنتجي الأجبان والآخر لراكبي الدراجات فكان لابد من ذهابي إلى الفندق المجاور، غادرتُ الفندق الأصلي ظهراً نحو مستشفى جامعة جورج واشنطن ليضع الطبيب في عيوني عدة أنواع من القطرات الحارقة ثم يضعها تحت عدة أنواع من الأضواء الحارقة بهدف فحصها، حتى أنني وصلتُ للفندق الجديد ليلاً وأنا فاقد البصر بشكل شبه كلي فعقب مثل هذا الفحص تستعيد العيون وضعها السابق تدريجياً خلال مدى زمني يستغرق من يومين إلى ثلاثة أيام، وفي صباح اليوم التالي طرقت عاملة النظافة باب غرفتي عدة مرات كي تنظفها وهي تحدثني بلغتها الأسبانية التي لا أفهمها لتدخل في الغرفة فور فتحي الباب وهي لم تزل تحدثني بلغتها الأسبانية التي لا أفهمها، كان الموقف مربكاً فعاملة النظافة تعبث في أشيائي بينما أنا لا أراها ولا أفهم لغتها وزاد الارتباك عندما شرعت تبكي بكاءً شديداً وهي لم تزل تحدثني بلغتها الأسبانية التي لا أفهمها مما دفعني إلى التربيت على كتفها كنوع من التضامن الإنساني معها، غادرت عاملة النظافة ثم عادت في صحبة مديرة الفندق التي اتهمتني بأنني لمستها دون رضاها وخيرتني بين ترضيتها مالياً أو مغادرة الغرفة دون استردادي لأموالي المدفوعة مقدماً إلى الفندق، وهكذا ظننتُ أنني أمام عملية نصب بدائية ساذجة ومكشوفة فاتصلتُ بالسفارة لأسألهم حول مدى إمكانية وكيفية إبلاغ الشرطة عما حدث، فحذرني مستشار السفارة من أنني في حالة ذهابي إلى الشرطة كعربي سوف أتحول لمتهم حيث أنهم سيصدقون اتهام عاملة النظافة لي بالتحرش، ثم انتقل إلى لب القصيد وهو اتصاله مع مديرة الفندق كي تعيد لي أموالي المدفوعة مقدماً مقابل مغادرتي في هدوء، على أن تنقلني سيارة السفارة لأحد الفنادق التي تتبع السفارة وهناك حسب قوله لن أدفع سوى خمسين دولاراً فقط وسأكون تحت حماية السفارة، انتبهتُ للاستدراج فحصلتُ من مديرة الفندق على أموالي ثم استقليتُ سيارة أجرة نحو مطار دالاس، حيث توجهتُ إلى مكتب شركة الخطوط الجوية المغربية طالباً تغيير موعد عودتي ليكون على متن طائرة اليوم ذاته ولم أغادر المطار إلا نحو القاهرة عبر كازابلانكا، لكن الذي أثار تعجبي هو أن ما خشيتُ حدوثه معي افتراضياً كان يحدث في الوقت نفسه فعلياً وحرفياً مع صديقي السعودي جمال خاشقجي دون أن أعلم بذلك إلا عقب عودتي إلى القاهرة، حيث استدرجته سفارته في واشنطن التي كان قد لجأ إليها نحو الموقع المجهز لذبحه تحت سمع وبصر إن لم يكن تواطؤ الأجهزة الأمنية الأميريكية، فرددتُ لنفسي الأغنية القائلة باللهجة العامية المصرية "أمريكا شيكا بيكا ... حاتجيب عاليكا واطيكا ... وماحدش داري بيكا ... الله يرحم أبيكا"
طارق المهدوي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في


.. ماذا تضم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية؟




.. صواريخ إسرائيلية تضرب موقعًا في إيران.. هل بدأ الرد الإسرائي


.. ضربات إسرائيلية استهدفت موقعاً عسكرياً في جنوب سوريا




.. هل يستمر التعتيم دون تبني الضربات من الجانب الإسرائيلي؟