الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منجزات السلطان

توفيق أبو شومر

2018 / 10 / 21
كتابات ساخرة


سألني صديقٌ وهو يستمع إلى إحدى الحناجر السلطانية العربية الإعلامية، التي كانت تُردد إنجازات السلطان قال:
لماذا تتغنى كتائبُ إعلام السلطان ليل نهارٍ، بتأسيس المنتجعات، ودور الرعاية، والمصحات، والمستشفيات العامة، فهم يعددون إنجازات السلطان، عدد أَسِرَّةَ المرضى الجديدة، في كل نشرات الأخبار منذ ثلاثة أيام؟
قلتُ:
إن ذلك دليلٌ على مرض دولة السلطان!
فهم يكررون ما يسمونه إنجازات السلطان، لأنهم يفترضون بأن السلطنة تعيش في حالة اتهام، اتهام بالسرقة، والرشوة، والتدليس، وإنفاق مال السلطنة فيما وراء البحار، فليس هناك وسيلة للدفاع عن التهمة أنجع من سرد إنجازات الدولة طوال اليوم، لأن الاتهام يظل يطارد المتهم ليل نهار، وعليه أن يُثبت حسن نواياه، ووطنيته، وخدماته، أليست تلك فضيلة من فضائل السلطان؟!
قال صديقي :
أمن العدل والإنصاف أن نسمع أبواق السلطان تواظب على هذه الأغنية، أغنية الإنجازات العظيمة، ما إن نفتح التلفاز، حتى يظهر السلطان في كل نشرات الأخبار، حفظنا طلعته المهيبة، وصوته الأجش، ومنطقه السقيم، ألم يعلم بأن إدامة صوره، وتكرار مقولاته، يصيب الناس بالنفور، والانقباض، والتعاسة؟!
لماذا يطاردوننا في التلفاز، والمذياع بعرض صورته، وصوته، وحاشيته، أهناك فلسفة من وراء هذه المطاردة؟!:
نحن مطاردون للسلطان، فالسلطان القوي الجبَّار يطارد شعبه صباح مساء، أنتَ لا تستطيع أن تسير في الشارع العام بلا بطاقة من السلطان، أو ختمٍ لأحد أعوان السلطان، ولا تستطيع أن تسافر خارج بلدك إلا بموافقة السلطان، ولا تستطيع أن تشتري، أو تبيع، إلا بعد موافقة السلطان، ولا يمكنك أن تبني بيتا، أو تقتني رَكوبة، إلا بإذن من السلطان، فالسلطانُ ولي النعم، مانحها، ومانعها، قُل ما شئتَ عنه، ولكن قل رأيك سرا، أَخفِ جوهرك عن أقرب مقربيك،
أما إن أردت أن تعيش مرفها، فعليك التخلص من سريرتك الهدامة، وفكرِك المتطرف، وبغضك للسلطان، أو أن تفعل كما فعل أحدُ معارفي، الذي رافقته طويلا فخبرتُ قرارته، كنت أعلم أنَّهُ يكره السلطان، ويقول لي عنه: إنه الشيطان!
غير أنه عندما خرج من سجن السلطان، واجه التلفاز، وأصبح ضيفا من ضيوف مرآة السلطان، كنتُ في البداية خائفا عليه، أن يعود للسجن من جديد، خشيتُ أن يُخطئ فيقول ما في نفسه عن السلطان، أحسست بالرعب خوفا على صديقي الحميم، وأنا أستمع إليه، ولكنني حبستُ أنفاسي، وأنا أسمع كلماته في حضرة مرآة السلطان قال:
"السلطان أعدل حكام الزمان، يستمد مشورته من كتب الدين، هو في جرأته فارسٌ مغوار"!
ولما سئل عن إنجازات السلطان، لم يذكر السجون التي كان يقول عنها، إنها عبودية، واسترقاق، ووشمُ عارٍ على جبين السلطان ، بل قال:
"عجزت الأقلام عن إحصاء مآثره، فهو ما فتئ ليل نهار-أعانه الله – غارقا في مشاكل الناس، يُحارب الفقر، ويسعى في سبيل الله"!!
أخذ صديقي يعدد مآثره في مجال المشاريع الإنمائية، والغذائية، والصناعية، والثقافية، والتجارية، والفنية، التي كان قبل أن يجلس في مرآة السلطان يقول عنها:
" إنها فرقعاتٌ إعلامية، ومعلبات هوائية"!
لما رأى الدهشة في وجهي بعد الانتهاء من المقابلة، قال:
صدقني، لم أكن أنا الذي تحدث في مرآة السلطان، بل شخصٌ آخرُ غريبٌ، لا أعرفه، إنه أحد شياطين السلطان، عندما أدخلوني أستوديو التصوير، أحسست بأنني غِبتُ عن الوعي، فالأضواء قد نوَّمتني مغناطيسيا، ابتلعتُ أفكاري، ومبادئي، أو بعبارة أخرى أجبرتني الأضواء أن أبتلعها، وأنا أنظر إلى فوهات كاميرات التصوير، فقد كانت عدساتُ آلاتِ التصوير بالضبط كفوهة بندقية حارس سجن السلطان، الذي سجنني تسع سنوات، كانت مصوبة إلى رأسي مباشرة، فقد اغتالت منى كل مدخراتي من المبادئ والأفكار، لم أكن أنا الذي شاهدتَه على شاشة التلفاز، بل كان عدوي الذي يسكنني!
لم تكن تلك مقابلةً، سامحني، كنت أجلس في غرفة سجانٍ، أمام جلاّدٍ من محققي السلطان!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان


.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق