الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلمة حق عند سلطان جائر

عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري

2018 / 10 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


(عندي: إن قضاء شهر في جزيرة مهجورة مع طبيب بيطري أفضل من قضائه مع رئيس جمهورية)
الكاتب البريطاني سومرست موم
1
على دكَّة مرتفعة وسط الخباء العظيم تربع تيمور لنك حيث فُرشت أرض الخيمة بسجاد عجمي فاخر, انتشرت دنان الخمر في أرجاء الخباء الفسيح, في الخلف جلس أهل الموسيقى مع آلاتهم, عند قدمي السلطان جلست الحاشية والبطانة, كان أدناهم إلى السلطان الشاعر المشهور كرماني. التفت تيمور لنك إلى الشاعر قائلاً:
- بكم تشتريني يا كرماني لو عرضت للبيع غداً في بازار مدينة سمرقند؟
أجاب الشاعر:
-بخمسة وعشرين ديناراً يا حضرة السلطان.
دهش تيمور لنك , ثم ابتسم قائلاً:
- حزامي وحده يساوي أكثر من هذه القيمة.
أجاب الشاعر:
- إنما كنت أفكر بحزامك وحده, لأنك أنت نفسك لا تساوي ديناراً واحداً.
2
الحكاية بهذا التفصيل تحمل دلالات مغيبة بين السطور لأنني أتصور أن السلطان يمارس سلوكاً عنيفاً يصل إلى حد الغضب المستعر, بل يمارس الانتقام والتصفية الدموية الفعلية حين يتجرأ أحدهم على هيبة الدولة وسطوتها ممثلة بحضرة السلطان, فيكفيه في حالة الشاعر كرماني أن ينادي يا جلاد حتى يطير رأس الشاعر في الهواء. والسؤال هنا متى تبدي السلطة تسامحاً مُعلناً مع خطاب انتقادي يصل حد السخرية المرة كما في حالة الشاعر؟ وهل المثقف -ممثلاً بالشاعر- استعمل هذا النوع من الخطاب المستتر بالغفلة كي يخرج برأسه سالماً من محنة ألمت به؟ أم أن الأمر برمته كان ملحة في مجلس سمر السلطان؟
3
مهما كان الأمر فنحن لا يمكننا غض الطرف عن دلالة هذه الحكاية التاريخية دون النظر إليها من خلال الدور المنوط بالمثقف. ولا مانع عندي أن يتخذ المثقف في محنة كهذه دور المهرج ويستعمل هذا النوع من الخطاب المستتر بالغفلة و الذي يهمس به من وراء ظهر السلطان وهذه الحيلة تعود بنا إلى الحديث النبوي : أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر. و لخطورة الحديث نثبت سنده, فقد أخرجه أحمد في المسند وابن عساكر في تاريخ دمشق والنسائي والترمذي في السنن والخطيب في تاريخ بغداد. ورواياته تتفاوت في العبارة وتلتقي في المضمون. والحديث هنا لا يحدد سمت الكلمة ولبوسها. هل هي لينة أم غليظة؟ والمثل يقول: البس لكل عيشة لبوسها, والقرآن يخاطب النبي بآية هي في لفظها ومضمونها من ألطف ما سمع البشر على مر العصور "ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك". كان النبي لين العريكة كالعشب يميل مع الريح إن هبَّت. وهي خطوة ضرورية في تمكين مفهوم النبوة.
4
المثقف يرسم استراتيجية دفاعية مراوغة ناعمة منسوجة من خيوط حرير لا ينقطع, وعلى الرغم من ملمسها الناعم الرقيق تأتي أُكلها, وهذا هو المقصود من كلمة حق في الحديث. فهل أمعن الشاعر في تجريد السلطان من هيبته والتورط في فضاءاته الموحشة وهو ما يجعل الحضور داخلها مجازفة خطيرة قد يترتب عليها في كثير من الأحيان نتائج وخيمة تصل حد التصفية الفعلية مادياً ومعنوياً؟ على حد تعبير الدكتورة هالة أحمد فؤاد, أم أن الشاعر هنا يتمثل قول أفلاطون الذي نقله أبو حيان التوحيدي في كتابه الخطير مثالب الوزيرين "من يصحب السلطان فلا يجزع من قسوته وبطشه, كما لا يجزع الغواص من ملوحة البحر" على أي حال, مهما كانت دلالة هذه الحكاية فإنها تطرح علاقة ملتبسة مليئة بالتناقض ما بين المثقف والسلطان. والذي لا يكف -أي المثقف- عن مراوغة السلطة بشتى الوسائل مستجدياً عطفها ورضاها مضمراً احتقارها, جهلها وحماقتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - استاذ دحنون انت تكتب بحلاوة نادره وتغنينا معرفة وا
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2018 / 10 / 22 - 07:05 )
وتغنينا معرفة واستمتاعا -تحياتي وتقديري


2 - رد على الدكتور الفاضل صادق الكحلاوي
عبدالرزاق دحنون ( 2018 / 10 / 22 - 12:55 )
دكتورنا الفاضل صادق الكحلاوي ألف شكر لكلماتك النبيلة المُعبِّرة ولك مني التحية والسلام من مدينة أزمير على شاطئ بحر إيجة دمت بخير وصحة وعافية


3 - رد على الدكتور الفاضل صادق الكحلاوي
عبدالرزاق دحنون ( 2018 / 10 / 22 - 13:05 )
دكتورنا الفاضل صادق الكحلاوي ألف شكر لكلماتك النبيلة المُعبِّرة ولك مني التحية والسلام من مدينة أزمير على شاطئ بحر إيجة دمت بخير وصحة وعافية

اخر الافلام

.. مصادر: ضربة أصابت قاعدة عسكرية قرب أصفهان وسط إيران|#عاجل


.. القناة 12 الإسرائيلية: تقارير تفيد بأن إسرائيل أعلمت واشنطن




.. مشاهد تظهر اللحظات الأولى لقصف الاحتلال مخيم المغازي واستشها


.. ما دلالات الهجوم الذي استهدف أصفها وسط إيران؟




.. دراسة جديدة: اللحوم النباتية خطرة على الصحة