الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خاشقجي -ورأس المملوك جابر-

ميثم محمد علي موسى

2018 / 10 / 21
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


خاشقجي "ورأس المملوك جابر"
عام 1970 كتب المسرحي السوري الراحل ( سعد الله ونوس 1941-1997) مسرحية ( مغامرة رأس المملوك جابر) والتي يرويها على المسرح حكواتي لزبائن مقهى في بغداد القديمة . وللمسرحية إسقاطات فكرية عديدة وذكية تحث على التمعن فيها ، ويعتمد على القاريء أو المشاهد إلتقاطها . ولأهمية كل تلك الجوانب في المسرحية فقد تم تقديمها في العراق ومصر وبلدان عربية أخرى في فترات مختلفة .
وملخص الحكاية التي تجري في بغداد ان صراعاً ينشب بين الخليفة وكبير وزرائه ، ويفكر الوزير بالإستعانة بالأعداء العجم للإطاحة بغريمه الخليفة ، ولكن مايعيق إرسال رسالة إلى ملك العجم وجود إجراءت تفتيش مشددة للغاية حول المدينة على كل خارج منها وحتى الهواء.
كان للوزير مملوكاً مخلصاً و طموحاً يعشق جارية إسمها زمرّد ويحلم بالزواج منها بعد ان يمتلك وإياها الحرية والمال . يتفتق ذهن المملوك جابر عن فكرة ويقترحها على الوزير وهو أن يتم حلق شعره وكتابة الرسالة على رأسه ، ثم الإنتظار حتى ينمو الشعر ، فيخرج حاملاً الرسالة ، ولايمكن العثور عليها ، على أن يمنحه الوزير الخائن مقابل ذلك مكافأة الحرية الجاه والجارية زمرّد.
يُحلق شعر رأس جابر وتكتب الرسالة ويمضي الوقت ، وينمو الشعر ، فينطلق المملوك مسابقاً الريح لينقل رسالة سيده الوزير إلى ملك العجم . لكن شيئاً من أحلامه لم يتحقق على الإطلاق ، فحين يتم حلق شعر رأس المملوك جابر ، يكون الوزير قد كتب حاشية صغيرة في نهاية الرسالة أن إقطع رأس حامل الرسالة كي يبقى الأمر سراً. فلا ينال جابر المجد ولا الحرية ولا معشوقته زمرّد ولاتتحقق أحلامه ، ويطير رأسه ثمناً لفعلته !
هذه الإسقاطة تُعرض علينا اليوم في قضية خاشقجي . فرغم ان خاشقجي هو أحد أعمدة الإعلام والسياسة السعودية لسنوات طويلة ، وحلقة الوصل بين النظام والعديد من الحركات الإرهابية في العالم ، لكنه لم يفلت من غضب أسياده في المملكة عندما إختلف معهم.
ماطلت السعودية 18 يوماً بعد قتلها مواطنها الصحفي خاشقجي ببشاعة في أروقة قنصليتها في تركيا ، وادعت ان خاشقجي غادر القنصلية ، ولم تستطع أن تقدم أدنى إثبات لمغادرته بناية القنصلية المحروسة بكاميرات مراقبة عديدة في نفس يوم دخوله وهو 2 أكتوبر . وأنكرت السعودية في البداية بشدة و رسمياً وفي وسائل إعلامها ما نشرته الصحف التركية في 7 أكتوبر عن ان جثة خاشقجي تم تقطيعها ونقلها في صناديق خارج القنصلية . وكالعادة بالنسبة لهذه الأنظمة فقد جندت وسائل إعلام وشخصيات سياسية عربية وأجنبية لدعم روايتها في انها حقاً لاتعلم ما الذي جرى لخاشقجي ( بعد مغادرته القنصلية!) . واحتارت السعودية في اختيار رواية مقنعة ومقبولة لدى الحكومات الصديقة والعدوة والمؤسسات الدولية ، ولكنها حين حوصرت وأثبتت التحقيقات التركية بالأدلة ان خاشقجي قد تم قتله وتقطيعه ، خرجت على العالم ( برأس المملوك جابر ) حيث إدعت ان عدد من مواطنيها ( 18 من موظفيها ! ) قد قتلوا خاشقجي في شجار داخل القنصلية ، وقامت بإقالة أحمد عسيري من منصبه كنائب لرئيس الإستخبارات السعودية والمتحدث الرسمي بإسم مايسمى القوات المشتركة التي تقصف اليمن . والعسيري أشبه مايكون برأس المملوك جابر ، الذي نفذ ما أراده له أسياده ، لكن خاتمة الرسالة ( تنفيذ الجريمة في هذه الحالة ) مأساوية بالنسبة له ، بل ولرؤوس أخرى تنتظر ان يتم التضحية بها لإنقاذ ماء وجه النظام السعودي وولي العهد محمد بن سلمان .
هكذا كان يفعل كل طغاة العرب في كل الأزمان ، يقتلون من ينفذ أوامرهم فيما بعد بحجة أنهم لايعلمون بأفعالهم . الطاغية صدام حسين كان يفعل ذلك ، فيطيح برؤوس منفذي أوامره حين تنتهي مهمتهم ، وهكذا كان يفعل القذافي أيضاً ، ففي 15 أبريل 1986 إنطلقت ، بأمر من الرئيس الأمريكي الأسبق ريغان ، طائرات أمريكية من قواعد بريطانية وقامت بقصف أهداف في العاصمة طرابلس منها بيت العقيد القذافي ومدينة بنغازي. على إثرها وحين شعر القذافي برخو الأرض تحت قدميه وأراد ان يكسب ود شعبه ، خطب في مديرية الجوازات في طرابلس وإدعى أنه لم يكن يعلم ان هناك من هو ممنوع من السفر من المعارضين ، وحمل حفنة من جوازات الممنوعين بيده ورماها إلى المواطنين مدعياً انهم يستطيعون السفر والحركة دون عوائق ، وألبس القضية المسؤلين ( موظفيه أنفسهم ) ، ليبدو نقياً وديموقراطياً.
هكذا هو سيناريو السعودية اليوم ، كما هو سيناريو كل حكام العرب على مر الزمن ، حيث يكون واحداً من ضحاياهم ، من يقوم بخدمتهم وتنفيذ أوامرهم ، ولكن ماكان يتم إخفاء آثاره في الماضي لم يعد ممكناً اليوم في هذا العالم المتطور تكنولوجياً وزمن وسائل التواصل الإعلامي والإجتماعي الأسرع.
والحكمة ان الأذكياء ينؤون بأنفسهم ولايمنحون رؤوسهم كالمملوك جابر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را


.. قيادي في حماس: الوساطة القطرية نجحت بالإفراج عن 115 أسير من




.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام