الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميزانية مرتجلة ولا وطنية : ميزانية لا -أب- لها !!

محمد نجيب وهيبي
(Ouhibi Med Najib)

2018 / 10 / 22
الادارة و الاقتصاد


ميزانية مرتجلة ولا وطنية : ميزانية لا "أب" لها !!
مشروع قانون المالية ل2019 يشير صراحة في كل مناحيه الى عزم "الحكومة" إتخاذ سياسة إنعاش إقتصادي relance économique لإخراجه من حالة الركود ، وهذه والحق يُقال خطوة معقولة وحميدة ، ولكن حكومتنا الموقرّة تستغبينا تماما بأفراد عنوان غبي في مشروع نفس الميزانية ( أطلقت عليه عنوان relance economique) وأفردت له تقريبا 6 آلاف مليون دينار تونسي فقط من جملة أكثر من 40 ألف مليون دينار تونسي المفترضة في جملة الميزانية التونسية لسنة 2019 ، طيب لنفترض أن نية حكومتنا و "صحبها " طيبة ! الم يدرِّسوهم أن إنعاش الاقتصاد يفترض أولا وقبل شيء خلق أسواق لإستهلاك ما يتم إنتاجه !! الم يلاحضوا حتى بالعين المجردة ( دون الحاجة لريكاردو وسميث وكاينز وحتى سويزي وبرتران و سان سيمون و ماركس... الخ) أن أزمتنا من أزمة العالم هي أزمة طلب هيكلية دائمة ! هي أزمة شاملة في نمط الإنتاج بكل علاقاته القائمة ! ، الم يَعْقِلوا أنهم لتجاوز هذه الأزمة ضرفيا أن عليهم رفع الاستهلاك السلعي والراسمالي على حد السواء ( اي استهلاك البضائع و الاستثمار معا ) وان هذا يفترض ترفيع الدخل و التحكم في ارتفاع الأسعار في نفس الوقت ، وهو ما يعني توسعة إنفاق الدولة بوصفها الفاعل الاساسي في الاقتصاد و المحرك الاول للاستهلاك و الإنتاج! خاصة في ظل تراجع الاستثمارات الخاصة الأجنبية والمحلية ومعها التكوين الصافي الرأسمال الثابت بشكل مفزع في العشرية الاخيرة ! الا تتطلب هذه الفرضية سياسة اقتصادية توسعية وميزانية توسعية تشجع الانفاق العمومي ! مع خفض للفائدة وتحكم صارم في الاسعار وتخفيض الضغط الجبائي على الاجراء ( تخفيض النسب وتعديل الأداء على القيمة المضافة مع تعويض نقص مداخيل الجباية الناتج عن خفض النسب برفع قاعدة احتسابه اي رفع الأجور ) للضغط على نسب التضخم المرتفعة ومنها تعديل قيمة الدينار .
إن سعي حكومتنا الغير مفهوم للتخفيض من نسبة عجز الميزانية ( الى حدود 4%) والمديونية ( الى حدود 70%) بالنسبة للناتج المحلي الخام ( اي جملة الثروة الوطنية المخلوقة في سنة ) دفعها إلى اتخاذ إجراءات غير معقولة ستؤدي بالتأكيد إلى الخفض المحاسبي لنسبة المديونية ولكنها في المقابل ستعطّل مجمل النشاط الاقتصادي و ستقلص الاستهلاك ومنه الإنتاج والاستثمار ... الخ وستعمق أكثر حالة الركود ! إن حكومتنا وهي ترتجل في إعداد قانون المالية وصلت إلى حد وضع فرضيات كاذبة عمدا ( تفترض سعر برميل النفط 75 دولار لسنة 2019 بينما هو الان حتى حقيقة 80 دولار ومن المرجح ارتفاعه ) تقلص بشكل وهمي من نسب العجز و المديونية حسابيا فقط !
في مشروع قانون المالية للانعاش المغشوش الذي تقدموا به ، سعوا جاهدين لتخفيض الجهد الجبائي على الشركات ( الرساميل) و تكفل الدولة حتى بالمخصصات التقاعدية لأجرائهم رغم العجز المزمن والخطير في الموازنات المالية للصناديق الاجتماعية التي يدعمها الأجراء غصبا عنهم بإقتطاع إجباري ( 1%) في شكل دعم لا يحتسب في قاعدة مدخراتهم التقاعدية ، ( تخفيض الضريبة على بعض الشركات من 25 إلى 13 وهو اقل من المعدل العالمي ب 9%!) فيما يعتبر رشوة سياسية/اقتصادية لامعنى ولا قيمة لها لمجمل النشاط الاقتصادي الوطني طالما لا تحتضنها سياسة توسعية لرفع الاستهلاك ومعه رفع الارباح ومنه رفع نسق الادخار و الإنتاج و الاستثمار ...الخ وفي نفس الوقت تسعى لخفض الضغط الجبائي من عائدات ميزانيتها ( من قبيل تخفيض بعض الضرائب على قطاعات تزويد السيارات والصناعات المعملية ... الخ ) !!
حكومتنا بكل بساطة تتخبط في مشروع ميزانيتها وقانون المالية الحاضن لها وهي تخبط خبطا عشواء ، بحيث لم تصغها ضمن افق مشروع تنموي وطني شامل قصير ، متوسط وبعيد المدى ، لا يضع ضمن أولوياته هذا السعي المحموم لخفض المديونية شكليا اقل من المستويات والمعدلات العالمية ! بقدر ما يتوجه رأسا إلى رسم خطة لإنعاش حقيقي للاقتصاد وإخراجه من حالة الركود إلى حالة تسارع تنمية الثروة الوطنية وما ينتج عنها من خفض للعجز على المدى البعيد ، مع ما يستوجبه ذلك من سياسة نقدية وجبائية تفترض تشجيع الإنفاق العمومي والخاص وتوفير السيولة الآنية و المؤجلة وتسهيل الاقتراض وتخفيض الفائدة و التوجه للاقتراض العمومي الداخلي بنسب مخفضة لتقليص خدمة الدين ، وإفراد المنشآت العمومية بمشروع إصلاح سريع ،عبر تمكينها من آليات تصرف القطاع الخاص بوصفها مؤسسات إنتاج وخدمات رأسمالية لرفع نجاعتها الاقتصادية والاجتماعية ولكونها أهم روافع السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة ! .
فإما أنها (اي حكومتنا) لم تنجز ميزانيتها بنفسها أو أنها لم تصغ قانون المالية بنفسها !! لأن الاول ترجمة للثاني ولا يمكن بأي حال في أوضاعنا الحالية تحقيق الإنعاش الاقتصادي دون توسيع للنفقات العمومية ودون دعم صريح للاستثمار العمومي وإسناد الاستهلاك ، وهو الأمر الذي ترفضه ميزانية الدولة التي ترفض الترفيع في الأجور و ترفض الدعم وتقييد الأسعار!! ... الصراحة شي يكوخر ميزانية تقشفية وقانون مالية توسعي ؟؟؟ فأين البنك المركزي من كل هذا ؟ وأين بقية هياكل الدولة ؟ هل تصوغ كل مؤسسة سياسات خاصة بالدولة دون تنسيق مع المؤسسات الأخرى!! خاصة وان الميزانية تستبطن تخفيضات خطيرة في الأنفاق على خدمات الصحة و قطاع الفلاحة ! زمن الأزمة التي يعيشانها مع المعرفة المطلقة أن اغلب صادراتنا فلاحية بامتياز ام تراه سعي للتدمير الممنهج للبقية الباقية من فلاحتنا العاجزة ( القطاع الاهم الذي تمكن من الافلات من اتفاقية الشراكة الاوروبية لسنة 95) تمهيدا لالحاقه والقضاء عليه عبر إتفاقية "الأليكا" !!! وأن الصحة من أهم عناصر تكلفة إنتاج وإعادة إنتاج أهم عنصر في كل عملية إنتاج الثروة اي الإنسان !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيادة حد السحب من البنوك لـ250 ألف جنيه و30 ألفا من ATM يومي


.. كلمة أخيرة - لميس الحديدي: عملنا الإصلاح الاقتصادي النقدي عا




.. البنك المركزي رفع حدود السحب اليومي إلى 250 ألف جنيه، وإزاي


.. وصل لـ 250 ألف .. قرار هام من البنك المركزي بخصوص حدود السح




.. زيادة حد السحب النقدى اليومى من فروع البنوك إلى 250 ألف جنيه