الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور المظاهر الإلهية في نشوء الحضارات و نهضتها – حضرة المسيح (4-5)

راندا شوقى الحمامصى

2018 / 10 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حضرة المسيح
يقول حضرة عبد البهاء:
فلما بانت مرة أخرى علائم تشتت طائفة بني إسرائيل و ذلتها و انعدامها و باتت مقهورة، فاحت نفحات روح الله الطيبة القدسية على شواطئ نهر الأردن و إقليم الجليل، و ارتفع غمام الرحمة و هطلت على هذه الديار أمطار الروحانية الكبرى، و تعطرت برية القدس من رشحات البحر الأعظم و طفحاته برياحين معرفة الله، و ارتفعت جوامع ألحان الإنجيل الجليل إلى مسامع أهل صوامع الملكوت، و قامت النفوس الميتة من قبر الغفلة و الجهالة بنفس المسيح، و فازوا بالحياة الأبدية، و نهض ذلك النير الساطع من أوج الكمال لينتقل في صحاري فلسطين و براري أورشليم مدة ثلاث سنوات، و يهدي فيها الناس جميعا إلى صبح الهداية، و يربيهم بالأخلاق الروحانية و الصفات المرضية، و إذا كان بنو إسرائيل قد أقبلوا على ذلك الجمال النوراني و شدوا إزار الخدمة في طاعته لنالوا روحا جديدة، و فتح لهم فتحا مبينا. و لكن ما الجدوى و قد أعرضوا جميعا و قاموا على إيذاء معدن العلم اللدني و مهبط الوحي الإلهي إلا نفرا قليلا تقدسوا عن شؤون العالم الظلمانية و عرجوا متوجهين إلى الله من المكان الفاني إلى اللامكان الباقي.
و خلاصة القول لقد ورد من البلايا الشديدة على مشرق الألطاف الآلهية هذا ما جعل إقامته و استقراره في قرية من القرى أمرا مستحيلا. و رغم هذا ارتفع علم الهداية الكبرى، و تأسس تمدن الأخلاق الإنسانية الذي هو أصل المدنية الجامعة، فهو ينصح في الإصحاح الخامس بالآية السابعة و الثلاثين من إنجيل متى حيث يقول:" و أما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا." و كذلك يقول في الآية الثالثة و الأربعين:" سمعتم أنه قيل تحب قريبك و تبغض عدوك،و أما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم،أحسنوا إلى مبغضيكم و صلوا لأجل الذين يسيؤون إليكم و يطردونكم، كي تكونوا أناء أبيكم الذي في السموات، فإنه يشرق شمسه على الأشرار و الصالحين و يمطر على الأبرار و الظالمين، لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم فأي أجر لكم، أليس العشارون أيضا يفعلون ذلك؟"
و تعاليم هذا القبيل لمطلع الحكمة الإلهية هذا كثيرة، و الواقع أن الذين اتصفوا بهذه الصفات المقدسة هم جواهر الوجود و مطالع التمدن الحقيقي. و خلاصة القول أنه أسس الشريعة المقدسة على الروحانية الصرفة و الأخلاق الحسنة، و جعل للمؤمنين منهجا و مسلكا خاصا يعتبر جوهرا لحياة العالم، و بالرغم من أن أولئك المهتدين ابتلوا في الظاهر بأشد نقمة الناقمين و ظلم الظالمين، إلا أنهم نجوا في الحقيقة من ظلمات خذلان اليهود و لاحوا و أشرقوا في صبح الوجود بأنوار العزة السرمدية، و اضمحلت تلك الأمة اليهودية الكبيرة و انعدمت. و لكن لما كانت هذه الأنفس المعدودات قد استظلوا في ظل الشجرة العيسوية المباركة فقد بدلوا هيئة العالم بصورة عامة، و في ذلك الوقت كان جميع أهل أقاليم العالم في منتهى درجة التعصب و الغفلة و حمية الجاهلية و الشرك بالله، و لم يكن أحد يؤمن بوحدانية الله إلا شرذمة قليلة من اليهود الذين هم كانوا أيضا مخذولين و منكوبين، و لقد قامت هذه الأنفس المباركة بترويج أمر كان مختلفا و مناقضا للآراء جميع الهيئة البشرية، و قام ملوك القارات الأربع من بين قارات العالم الخمس على اضمحلال ملة عيسى بأتم عزم، و مع ذلك نهض الكثيرون بالروح و الفؤاد إلى ترويج الدين الإلهي آخر الأمر، و اجتمعت أمم أوروبا و كثير من طوائف آسيا و أفريقيا و بعض القاطنين في جزائر البحر المحيط في ظل كلمة التوحيد.
(الرسالة المدنية ص 50)

قال حضرة عبد البهاء في الرسالة المدنية ص52و 53 عن دور المسيحية وازدهارها ما يلي:
انظروا إلى الذين ارتشفوا سلسبيل الهداية من يد ألطاف روح الله (المسيح) و استضلوا بظل الإنجيل، أية درجة من الأخلاق بلغوا حتى كتب جالينوس الحكيم المشهور في مدح المؤمنين بالله- رغم أنه لم يكن من ملة عيسى عليه السلام-و ذلك في شرحه لجوامع كتاب أفلاطون الذي ألفه في سياسة المدن، قال ما ترجمته نصا و حرفا:"إن جمهور الناس عاجزون عن إدراك سياق الأقوال البرهانية، فهم لهذا بحاجة إلى كلمات رمزية تشير إلى أخبار الثواب و العقاب في دار الآخرة. و الدليل على صحة هذا المطلب هو أننا اليوم الذين يسمون بالنصارى يعتقدون بثواب الآخرة و عقابها و يؤمنون بهما، و تصدر من هذه الطائفة أفعال حسنة كالتي تصدر من الفيلسوف الحقيقي، كما أننا جميعا نراهم لا يخافون من الموت، و هم لكثرة حرصهم على العدل و شوقهم إلى الإنصاف يعدون من الفلاسفة الحقيقيين." و كان مقام الفيلسوف في ذلك الزمان و عقيدة جالينوس مقاما لا يمكن تصور مقام أعظم منه في الوجود. فانظروا كيف أن القوة النورانية الروحانية للأديان الإلهية تسمو بجمهور المتدينيين إلى درجات من الكمال تدفع حكيما مثل جالينوس إلى أن يشهد بهذه الشهادة رغم أنه لم يكن من أفراد تلك الأمة. و كان من آثار هذه الأخلاق الحسنة أن تعلق أهل الإنجيل في تلك الأزمنة و العصور بالخيرات و الصالحات و بنوا المستشفيات و المصحات و المؤسسات الخيرية، كما أن أول شخص شيد في ممالك الرومان الأبنية العامة لعلاج المساكين و الجرحى الذين لا عائل لهم كان الملك قسطنطين، و كان ها الملك العظيم أول ملك من الملوك الرومان قام لنصرة دين روح الله، و بذل في سبيل ترويج أسس الإنجيل الغالي و الرخيص، و حول الحكم الروماني الذي كان قائما على الاعتساف المحض إلى مركز العدل و الإنصاف، و صار اسمه المبارك بمثابة نجم السحر الدري ساطعا من فجر كتب التاريخ، و أصبح صيت عظمته في عالم المدنية و الجاه ما تردده ألسنة الفرق المسيحية جمعاء. (الرسالة المدنية ص52و 53)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية


.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في




.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك




.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر