الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيرين وفرهاد: الفصل الأول 5

دلور ميقري

2018 / 10 / 23
الادب والفن


كان ما يفتأ يتصاعد موالُ " الأم " الحزين، المترافق مع لحن الناي الشجيّ، آنَ اقتحمت الفكرةُ رأسَ الضيف. فلما انفردَ مع " سيامند " في حجرة المطعم الخلفية، فإنه بادرَ فوراً إلى طرحها: " أليسَ أمراً عجباً، ينتمي للخيال أكثر منه للواقع، أن تجمعَ مراكشُ أسلافَ السلالة البوطانية؟ "
" لقد فكرتُ في الأمر، ولا شك، مع أنني لم أعدّ ذلك من الأشياء الخارقة "، أجابَ المضيف بنبرة حذرة. كان واضحاً أنه لا يرغب الانزلاق من جديد إلى وهدة ماضيه في المدينة الحمراء، إلى ذكرياتٍ أليمة حاول دوماً دفنها في أعماقه. إلا أنّ الآخرَ، المعتبر نفسه في مهمّة، اندفعَ كالعادة وراء أيّ شاردة أمل: " أعلم أنك لا تؤمن بالخوارق، وإلا لكانت الكراسات الشعبية، الخاصّة بالشعوذة، مصطفّة على هذه الرفوف وليسَ الكتب الأدبية والفكرية "، قالها مُشيراً إلى خزانة خشبية منصوبة في صدر الحجرة. لم يخدع الإطراءُ المضيفَ. وكان هذا شرعَ في صبّ النبيذ الأحمر في كأسين موضوعين على الطاولة الواطئة، التي تفصله عن مجلس صاحبه. ردّ أخيراً بالقول، بينما يناول الضيفَ كأسه: " أعلمُ أيضاً، أنك تبغي من هذه المقدمة الوصول إلى مخطوطة مذكراتي ". أطلق الآخرُ ضحكة مرتبكة، مثلما عبّر عنه تعبيرُ الدهشة في عينيه: " لقد خانك علمك هذه المرة، يا صديقي! إلا إذا كنتَ تعتقد، حقاً، أن مذكراتك أضحت مركز ثقل الأرض أو جاذبيتها "
" حقاً! دعك من اللف والدوران، فإنك لم تكف منذ الأمس عن دفع الحديث باتجاهٍ معيّن "
" أنت تعني، ذكري لسكرتيرتك على سبيل المثال؟ ولكن هل يُمكن ألا تُذكَرَ، وهيَ من ضمن أولئك الأسلاف؟ ". بقيَ " سيامند " ساكتاً، يتطلع في هدوء إلى كأسه. فأردف الضيف وقد شعت ابتسامته: " لاحظ بشكل خاص، أنّ عدداً محدداً كان يجمعُ قسمتكم: شيرين وشقيقيها؛ زين وشقيقيها.. ". أوقفه الضيفُ مقاطعاً، مبتسماً في سخرية: " شيرين أختي غير الشقيقة، يا أستاذ! ". ثم شاء إمساك دفّة الحديث، بالتساؤل: " كما أنه كان عليك ألا تنسى حقيقة أخرى أكثر أهمية، وهيَ أن أخي لم ينظر إلى زين أكثر من كونها زميلة عمل "
" وهل محضَ المعلّمُ سكرتيرته نفس النظرة؟ "، طرحَ الضيفُ سؤاله ثم سرعان ما أستدرك: " المعذرة، يبدو أنني عبّرتُ عن فكرتي بطريقة غير مهذبة ". وكانت سحنة " سيامند " كساها العبوسُ، تلقاء ذلك السؤال. ولكنه لم يجب بشيء. اتكأ حَسْب إلى مسند الأريكة، نافثاً دخان سيجاره.

***
كل ذلك تذكّره " دلير "، بينما يقلّب صفحاتِ مخطوط المذكرات، المرفَق مع ايميل صاحبها. إنه الآنَ في المدينة الحمراء مجدداً، في منزل حميه المحتضَن من لدُن زقاق عتيق، ضيّق وطويل، يتصل بين باب الحيّ العريق ومقام أحد أشراف السلالة العلوية. عامٌ كامل تقريباً، مضى على لقائه صاحب المذكرات، ثمة في هامبورغ الألمانية. قبل ذلك، كانت مذكرات أخرى قد وصلته؛ وهذه المرة من وطنه الثاني. لقد أمضى جانباً من الصيف في قراءة أوراق صديقته السويدية، وأصطحبها معه أحياناً إلى نزهاته الأثيرة في حدائق المدينة أو جلساته الحميمة في مقاهيها. ولم يكن ثمة مكان أكثر مناسبة من مراكش، لقراءة انطباعات مَن كانوا يوماً أبطالاً لحكايتها المغرقة في الخيال بقدَر واقعيتها.. لمن جازوها لبضعة أشهر أو لبضع سنين، عبروا الدروبَ المرصوفة بالأحجار النحيتة، المتراصفة على جانبيها محلاتٌ تتجر بكل ما يخطر لخيال أنثى، ودائماً تحتَ سماءٍ يسيل دمها اللازورد بفعل طعنات منائر المساجد وريشات أجنحة الحمام سواءً بسواء.
مع تسلمه تذكرة مواطنه، بالوسع أن يستهل تسجيله شهادته الشخصية في إطار الحكاية نفسها. ولقد واجه بشجاعة إشكالَ كونه محقق هذه السيرة المراكشية، وفي آنٍ معاً، أحد أبطالها المفترض أنهم مختلقون بوحيٍ من خيال كاتبها. الغريب، أن المادة الجديدة، التي تضمّنتها التذكرة القادمة من ألمانيا على أجنحة إلكترونية، هذه المادة أعطت بدَورها مفهوماً آخر لصفة " محقق ": إنها مسألة جريمة قتل الرجل العراقيّ، وكانت ما تزال لغزاً لناحية هوية مرتكبها أو الدافع إليها. لقد كان على " دلير "، في آخر المطاف، أن يتعهّدَ البحث والتقصي في معميات الحادثة وعلى الرغم من مضي دزينة من السنين على حصولها. وهذا كان بدأ فيه فعلاً، وذلك في خلال العام المنصرم السابق على تسلّمه مخطوطة المذكرات.
إن نتيجة تحقيقاته في الجريمة، وكانت لا تعدو عن الفضول والاستطلاع، ستقوده إلى لغز آخر رأينا كيفَ شغلَ السيّدة السويدية في فترة وجودها في المدينة الحمراء.. لغز المرأة ذات الثوب الأحمر، المتعقّبة خطى " سيامند " بإصرار أقربَ لخرافة كينونتها هيَ.. هيَ، المكتسبة حظوة كونها رمزاً للمدينة الحمراء بكل ما فيها من فتنة وتشوّه، أصالة وزيف، فضيلة ورذيلة، رصانة وخلاعة، خير وشر.. بكل ما في شخصيتها من إيحاء للشهوة والانتماء معاً، ممثلٍ حتى في اللون الواحد!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81


.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد




.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه