الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجنس ودوره في حياة الإنسان ج4

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2018 / 10 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الأشكالية الأولى


في الرواية الدينية هناك حكاية تدور في عالم أخر تكشف للقاري ما يعتبر أول تجربة جنسية خاضها المخلوق البشري، حكاية آدم وزوجه والشجرة والشيطان، هذه الحكاية من ورائها فلسفة رمزية تقوم على ثلاث أسس تتعلق جميعها بفكرة الجنس، الأولى الخلود، والثانية الضرورة، والثالثة القانون وأكتشاف حقيقة هذا الكائن، أيضا في الأدب الديني يصور لنا أن ما تسرده النصوص الدينية عن تلك الحكاية هي مجرد لعنة وخطيئة وأنحراف عن خطة الرب ومشروعه الذي عزم على أن ينفذ في الأرض وليس في مكان أخر.
الحقيقة أن مجريات الحدث كماهو في النص لا تنبئ عن خطيئة ولا لعنة بقدر ما هو أستحكام لصيرورة حدث لا بد منه، عندما قال الرب أني جاعل في الأرض خليفة كان ذلك وعد مؤجل بأنتظار تبلور أسبابه مع أن المشروعكاملا كان يسكن الجنة كما هو في الرواية، لا بد من سببوعلة منطقية تحقق قيام المشروع والبداية كانت من الجنس، من تدقيق النظر في حيثيات النصوص وما هو تحت المعاني أن الجنس بشكله الذينعرفه كبشر لم يكن متاحا ولا معروفا في المسكن الأول (بل أن النص يكشف أن تناول ما كان في شجرة الحقيقة التي أكلا منها هو السبب الرئيس في أكتشاف آدم وزوجه لذاتهما الطبيعية)، هنا كانت بداية المشروع الذي يمثل الخلد لآدم عبر بنيه (الإنسان)، فلولا تلك اللحظة المفصلية بما أوجت لهما ما هو سر وجودهما الخالد، لم يكن مشروع الرب قادر على الصيرورة والتصور لذا فالقراءة الفلسفية للحدث تؤشر معنى أن يكون الإنسان جنسيا ليكون طبيعيا لأرتباط الجنس بالإكتشاف والصيرورة والخلد لتكون الضرورة الحتمية لوجوده الطبيعي.
من هنا تحولت تلك اللحظة اللا منتظرة تأريخيا إلى قانون محفز للبقاء والتطور نحو كمالات الوجود، ومن خلال الإكتشاف وتحقيق الفكرة الأولى عن أستعمار الوجود نلتمس حاجتنا للجنس واللذة المرافقة له، ليس لأنها لذة لذاتها وإنما لذة للتعود وعدم المفارقة ونبذ القانون، إذن الأمر لم يكن خطيئة ولم يكن لعنة كما جاء في الفكر الديني الواصل إلينا، إنها الحتمية التي ستسير مع وجود الإنسان حيث بقي مستوطنا وجوده الطبيعي، اللعنة والخطيئة أن نجعل من الطبيعي إشكالية ومن القانون مخالفة ومن الضرورة ترف.
نعود للقصة الدينية حينما أكتشف آدم أن الوجود الحقيقي كان في الجزء المثير منه مغيب عنه أصبح الآن مصرا على أن يخوض التجربة بكاملها بعد أن أكتشف (سوأتهما)، هذا القرار ليس متاحا للتطبيق في المكان الذي هو فيه مع أنه قدم الأعتذار والأستغفار للرب ليس على الخطيئة التي تزعم حيثيات الفكر الديني، بل لأنه خرق قانون الجنة الذي يحرم أو على الأقل لا يبيح الإثارة الجنسية بين الزوجين، ومع قبول العذر والأعتذار كان على الرب كما في الأدب الديني أن يتجاوز موضوعية الخطأ، لكن الرب حتى يتماهى مع مشروعه ويحقق لآدم بشريته كان لا بد من الخروج من الجنة ليس عقابا ولا جزاء بقدر ما كان إكمالا وصيرورة للمشروع الأدمي الذي سيلد من الممارسة الجنسية المنتظرة مشروع الإنسان.
إذن الفكرة الجنسية جزء أساسي ورئيسي من صيرورة الإنسان وتطور وجوده الخاص ضمن الفصيلة الحيوانية الي يشترك معها في ممارسة الجنس، وفي وجوده العام ضمن نظرية شمولية مبنية عل تفاعل الأضداد وتكامل المتناقضات، هذا يقودنا لنتيجة أن الجنس ليس خيارا وليس ممارسة ناشئة عن واجب وجودي بقدر ما هي قانون حتمي يجسد كونيته بأعتباره الكائن الذي أكتشف وجوده من خلالها.
هذه الفلسفة العلمية الواقعية لم يدركها الفكر الديني الذي حاول أن يشوه الظاهرة الجنسية ويضفي عليها طابع التقنين الشرعي حتى تكون ضمن مقدسات الدين، هنا ضاع الديني بين فكرة التنجيس والتدنيس حينما فسر أكتشاف السوأة من قبل آدم وزوجه على أنها جزء من عملية تدنيس وتنجيس الكائن البشري بفعل الشيطان، وأرجع الأسباب إلى غير مجريات الحدث وحقيقتها، ولو تأملنا الموضوع بحيادية من غير أن ندخل فعل الشيطان التدنيسي، هل يمكن لنا أن نتصور حل أخر لخروج آدم من الجنة لإكمال المشروع القديم الموعود به، وكم سيبقى من زمن حتى تتحقق إرادة الله في الخلافة الأرضية.
لقد برر الفكر الديني الأمر وسوقه على أنه عصيان وخطيئة وغضب وووو غيرها من الصفات محملا آدم كامل المسؤولية لأنه أطاع الشيطان بغباءه وتمرده، دون أن يدرك أن الموضوع لم يخرج أصلا عن المخطط والمسيطر من قبل القوة التي أرادت النتيجة وساقت الفاعلين له للوصول إليها، كما أن المقارنة العقلية بين فعل إبليس مع الرب وفعل آدم المزعوم معه كلاهما على نفس القدر من العصيان لو صحت الفكرة، في الوقت الذي قل تبرير آدم وهو تبرير ساذج فكريا لم يقبل بتبرير إبليس وهو الأرقى في مقدار ما يحمله من قوة محاججة، الموضوع الجنسي هذا لا علاقة له بالتدنيس ولا بالتنجس الذي سوقه الفكر الديني، بدليل أن الرب ذاته وعد من يطيعه أن يمنحه حدودا مطلقة في ممارسة الجنس مع كائنات لا تخضع في قدرتها الجنسية لما تخضع له إناث البشر دليلا على تكريمه لهذه الطاعة.


















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن