الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (137) تحليل الشخصية

بشير الوندي

2018 / 10 / 24
الارهاب, الحرب والسلام


مباحث في الاستخبارات (137)

تحليل الشخصية

بشير الوندي
---------------
مدخل
---------------
يعتمد الجهاز الاستخباري المحترف على مباديء علم النفس في مجالات لاحصر لها , ذلك ان الاستخبارات تتعامل بدرجات متفاوتة مع مختلف الشخصيات لاسيما في بيئة العدو , مما يجعلها في حاجة مستمرة لتحليل شخصية الافراد الذين تتعامل معهم لتحقيق اغراض واهداف مختلفة وبأساليب تتناسب مع كل منهم .
فالاستخبارات كيان غير محدد بسلوك ثابت وانما يسلك في كل مرة اسلوباً معيناً مختلفاً مع كل شخصية بما يضمن تحقيق اغراضه , لذا لابد من ان تحوي سجلات الاجهزة الاستخبارية ملاحظات كاملة كمفاتيح لكل شخصية يتم التعامل معها او سيتم التعامل معها , وهو صلب موضوعنا .
-------------------------
تحليل الشخصية
-------------------------
علم نفس الشخصية هو فرع من فروع علم النفس الذي يدرس الشخصية والفروق الفردية والجوانب السلوكيه للإنسان بشكل عام ويدرس المؤثرات الداخلية والخارجية عليه , فشخصية الإنسان تتكون من مزيج من: الدوافع – العادات – الميول – العقل – العواطف – الآراء والعقائد والأفكار – الاستعدادات – القدرات – المشاعر والاحاسيس – السمات - الادوار - كل هذه المكونات أو أغلبها تمتزج لتكون شخصية الإنسان الطبيعية.
ويتعامل اي جهاز استخباري محترف على مدار الساعة مع مختلف الشخصيات سواء بشكل مباشر او غير مباشر , وتشمل قائمة من يتعامل معهم من الأفّاقين الى العلماء ومن الصديق الى العدو .
ويختلف غرض التعامل وفق كل حالة , الا ان المهم في ذلك التعامل ان لايكون بلا معرفة بطبيعة شخصية الشخص الذي يجري التعامل معه , ذلك ان فهم مفاتيح شخصيته يتيح للاجهزة الاستخبارية ان تنال منه ماتريد .
فمفاتيح الشخصية هي بمثابة الاكواد التي تفتح بها الخزائن , وبدونها تحتاج الى وقت وجهد لتفتح الخزنة وقد تحتاج الى نسفها كي تفتحها , اما لو كنت تعرف الرقم السري للخزنة , فستحتاج لبضع ثوانٍ لتفتحها وتحصل منها على ما تريد , وهو ذات الحال مع معرفة شخصية الفرد الذي تتعامل معه الاجهزة الاستخبارية , حيث تستفيد من معرفة تحليل شخصيته ان تحصل منه على نتائج باهرة .
ولايقتصر تحليل الشخصيات استخبارياً مع الاشخاص الذين يتم التعامل معهم مباشرة , بل يتعداه الى اولئك الذين يُراد التعامل معهم , او حتى الاشخاص الذين من الصعب الوصول اليهم والذين تسعى الاجهزة الاستخبارية الى معرفة سلوكياتهم كي تتمكن من توقع افعالهم وكذلك معرفة الطرق الكفيلة بتوجيههم من خلال معرفة العوامل التي تحفزهم على فعل ما .
وغالبا مايطلب من الاستخبارات تحليل شخصيات وزعامات الارهاب والعصابات و القادة السياسيين والعسكريين والزعماء والسفراء سواء كانوا من الدول الصديقة او العدوة , وتكلف إحدى شعب مركز التحليل بالتخصص في هذا الشان .
حيث يتم جمع كافة المعلومات الخاصة بأية شخصية بما يشمل سلوكه وماضيه وطبائعه وغرائزه وتعاملاته وتصريحاته وقراراته وعائلته وكل شاردة وواردة عنه , لتتم غربلة تلك المعلومات عنه ودراستها وفق اصول علم النفس لمعرفة عقده ومفاتيح شخصيته وافضل السبل التي يتم بها تحقيق النتائج المرجوة منه سواء في المحادثات المباشرة او في التأثير عليه عن بعد او لتوقع ردود افعاله.
----------------------------------
اغراض تحليل الشخصية
----------------------------------
ان تحليل الشخصية عمل فني وعلمي تهتم به الاجهزة الاستخبارية في مجالات عدة منها :
1- التجنيد : فمعرفة كوامن شخصية ما ونقاط ضعفه او اسراره او شغفه وشهواته تكون كفيلة في معظم الحالات للسيطرة عليه وتجنيده .
2- التأثير عن بعد : ان معرفة كوامن شخصية ما ونقاط ضعفها ونقاط قوتها كفيلة بتوفير فرص كبيرة للسيطرة على افعالها عن بعد من خلال سلبها نقاط قوتها واستفزاز نقاط ضعفها ومن ثم توجيهها نفسياً كما حصل مع صدام , فمعرفة الاجهزة الاستخبارية الامريكية بطبيعة صدام جعلتهم يتمكنون من التوصل الى انه يتأثر جداً بالاستفزاز والتحدي , فكان يكفيهم ان ارادوا منه ان ينزلق بمنزلق ما ان يهددوه بالعواقب ان اقدم على فعل العمل الفلاني فيسارع الى فعله.
3- قياس الفعل ورد الفعل : ان تحليل الشخصية العدو القيادية استخبارياً يتيح لجهة القرار توقع الفعل الذي ستقوم به قيادة الدولة العدوة في مرحلة ما , او توقع رد فعلها على قرار نتخذه ضدها .
4- تحقيق متطلبات الحرب النفسية : لانعني هنا الحرب النفسية الجماعية الموجهة لمجتمع ما , وانما الحرب النفسية الموجهة الى شخصية معادية سواء كان ارهابي معتقل يراد التحقيق معه , او كان لتأجيج صراع بين اثنين من قادة العدو المتنافسين , او لتحطيم سمعة شخصية ما من شخصيات العدو .
5- متطلبات المباحثات : في اية مباحثات هامة بين دولتين , هنالك تواجد استخباري من الطرفين مهمته توفير كافة البيانات عن تحليل شخصية الطرف الاخر , كما تتم الاستعانة بالمحلل النفسي الاستخباري خلال المباحثات لتحليل شخصية الطرف المفاوض .
وفي قصة ذات مغزى , حدثنا احد القادة العراقيين العسكريين الهامين قائلاً : في اوائل سنوات الاحتلال الامريكي للعراق كانت الاستخبارات البريطانية تعمل مع الاستخبارات الامريكية في بغداد , وكان البريطانيون اكثر انضباطا من الامريكيين , وفي زيارة مشتركة قام بها الطرفان لمنزلي , كان هنالك ثلاثة من عناصر الاستخبارات البريطانيين يكتبون كل مايدور ولايتكلمون , كان قائدهم هو الذي يتكلم فقط , فالتفتُّ الى عقيد الاستخبارات الامريكي (جونسون) وقلت له ماذا يكتب هؤلاء الانكليز الثلاثة , فاجاب مبتسماً : انهم الانكليز !!!وهم يكتبون دون كلل منذ الحرب العالمية الثانية سواء في اجتماعاتهم معكم او معنا , ثم اردف : انهم ثلاثة دوماً , الاول يكتب نص المحادثة , والثاني يكتب وصفاً وملاحظات وانطباعات حول مساعديك وحول وصف مكان الاجتماع , والثالث مهمته ان يكتب ملاحظاته عنك وعن حركاتك وسكناتك ووصفك .
---------------------------------
وسائل تحليل الشخصية
---------------------------------
ان ضابط الاستخبارات في الدول المتقدمة هو ضابط يتميز بالذكاء والفطنة والفراسة , لذا يُكلف ضمن مهامه بتحليل الشخصيات العدوة والصديقة والمنافسة لغرض استكمال ملفاتهم , وبعض الدول الكبيرة لديها مؤسسات خاصة لتحليل الشخصيات المؤثرة السياسية والدينية والشعبية والعسكرية والارهابية ضمن استخباراتها , وقد كثر استخدام تحليل الشخصية في الاستخبارات الاروبية بعد انتشار ظاهرة الذئاب المنفردة لتشكيل صورة عن المشتبه بهم المحتملين.
وتجمع المعلومات عن الشخصية (الهدف ) من خلال جميع الاذرع الاستخبارية التي ذكرناها في مباحث سابقة , وفق مايلي :
1- العلنية : وتشمل لقاءاته ومحاضراته وخطبه وسيرته الشخصية ودراساته وابحاثه .
2- الفنية :من خلال التنصت على هاتفه او مراقبته الفنية بالكاميرات.
3- السرية :من خلال المصادر القريبه منه واصدقائه وعائلته وذويه ومرافقيه.
4- التبادلية :من خلال اجهزة الاستخبارات الحليفة والصديقة.
5- العكسية :من خلال ملفاته التحقيقية او الجنائية.
6- التواصلية :من خلال ملاحظات من التقوه والمخبرين عنه.
بل حتى توقيعه او كتبه وطريقة عيشه وحياته الشخصية واسراره فانها مهمة لتحليل شخصيته , وكلما ازدادت المعلومات ازدادت معها دقة تحليل الشخصية.
ان ما يتم جمعه من معلومات عن الشخصية المراد معرفتها تدخل في خانة المعلومات الوصفية وهي احد انواع المعلومات في ذراع الجمع , وحالما تجتمع المعلومات عن الشخصية ومعها الانطباعات العامة عنها , تبدأ بحوث عن تحليل الشخصية على يد متخصصين في علم النفس من اجل تحديد نوازع تلك الشخصية وعيوبها وصلاحيتها للتعامل ومدى موثوقيتها والقرارات المتوقعة منها وردود افعالها .
--------------------------
السجل السري العام
--------------------------
تعمد الاجهزة الاستخبارية المحترفة الى انشاء داتا معلومات مركزية عن كل شخصية بشكل مبوب وابجدي وفق الدولة والمنطقة والجنسية . وهو مافعلته اجهزة الاستخبارات البريطانية منذ اكثر من قرن , وحذت حذوها اجهزة الاستخبارات العالمية الاخرى لاسيما في الدول الكولنيالية الاستعمارية كفرنسا وامريكا والمانيا .
ويمتاز هذا السجل العام بالاختصار والوصف الدقيق والمبستر الذي يحدد مفاتيح الشخصية , وهو لذلك من السجلات السرية الخطيرة محدود الاطلاع ولايمكن النقل منه او تغيير مفرداته الا ضمن محددات كبيرة , وهو يختلف عن الملفات الفردية لكل شخصية والذي يحوي كافة التفاصيل , فالسجل العام سجل مختصر يستفيد منه كل من يتطلب عمله التعامل مع شخصية ما او شخصيات بلد ما .
ولاشك من ان في كل دولة كبرى هنالك سجل للشخصيات العراقية مثلاً يحتوي صفاتهم ونقاط ضعفهم وسلوكهم وفضائحهم ونقاط قوتهم ومدى تأثيرهم ومدى امكانية الثقة بهم والاعتماد عليهم .
وتشمل مثل تلك السجلات عادة الزعامات السياسية ورجال الدين ورجال العشائر والقادة العسكريين والامنيين والشخصيات الاقتصادية والادبية والفنية والوجهاء الاجتماعيين وذوو التأثير والاشخاص الخطرين واسماء الشخصيات التي تصلح للتجنيد وكذلك المتعاملين مع الجهاز الاستخباري والجواسيس لدول اخرى , ويجري تحديث السجل دوماً حيث يتم تعديل المعلومات بشكل مركزي .
ويمنع الاطلاع على السجل العام الا لعدد محدود للغاية وضمن طلب محدد ومسبب حيث يزود ضابط الاستخبارات الذي يطلب معلومة ما عن اشخاص معينين , يزود بما يخصهم فقط ضمن نطاق مهمته .
وتمتاز تلك الملاحظات عن الشخصيات في السجل العام بأنها عصارة عشرات التقارير واللقاءآت والمنشورات والاهم من ذلك التحليل النفسي للشخصية , وهي ملاحظات فيها مصداقية كبيرة وفق وجهة نظر الجهاز الاستخباري بشكل محايد لان السجل ليس للنشر لذا لايخضع للمجاملات ولا للاحقاد الشخصية , فتراهم يكتبون عن شخص ما الصفات الجيدة والقبيحة في وقت واحد , مثاله : (من عشيرة كذا . يسكن في كذا .مجرم خطير . شجاع . صادق عندما يعد . له تأثير محدود . جشع .هنالك شكوك غير مؤكدة تربطه بجريمة كذا . اعداءه من العشيرة الفلانية فلان وفلان . تربطه علاقة قوية مع فلان . عمره كذا . يعرف الانكليزية ويدعي الجهل بها . يمكن الاستفادة منه )وهكذا .
--------------
خلاصة
--------------
الاجهزة الاستخبارية تتعامل مع بشر سواء بشكل مباشر او غير مباشر وسواء كانوا متعاونين او اعداء او منافسين , وسواء كانوا من حثالة المجتمعات او من صفوة المجتمع , ومن هنا فان الاستخبارات لاتتعامل مع الشخصيات تلك لابروح الانتقام ولابالمجاملة وانما بالواقعية والبراغماتية الشديدة , فقد تحتاج لمجرم او سارق في مهمة ما لاينفع معها ذو السجل النظيف , وقد تحتاج لشخص خامل من عشيرة ما ولاينفع لمهمتها تلك رئيس العشيرة رغم تعاونه .
وفي كل الاحوال فان التعامل المعقد مع تلك الشخصيات لأغراض مختلفة , يحتاج الى تحليل نفسي لتلك الشخصيات للتمكن من السيطرة عليها او على قراراتها او الى فهم طبيعة تفكيرها وردود افعالها , وهي المهمة الاساسية التي يقوم بها التحليل النفسي الاستخباري استناداً الى المعلومات عن الشخصية لاسيما الوصفية منها , وهو امر يضيء الكثير من طرق العمليات الاستخبارية ويحقق نجاحاتها , والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم