الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فليحاكم قتلة خاشقجي ..بتهمة الغباء !!

محمد القصبي

2018 / 10 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


ليس هناك مستنقع أكثر فسادا ونتانة من الغرف السرية التي تدار منها العلاقات الدولية ..فرغم براميل البرفانات التي يصبها السياسيون في هذه الدولة أو تلك على أبواقهم الإعلامية لتعبق سياساتهم الخارجية بالنزعات الأخلاقية.. فلا شيء سوى رائحة المصالح ! ..
وسذج من يكيلون المديح لهذا الطرف أو ذاك من منطلقات يوتوبية ..فلا يوتوبيا في السياسة .. ..والدولة الجديرة بالمديح لأسباب أخلاقية ..تلك التي تسعى إلى مصالحها دون أن تجور على سيادة ومصالح الآخرين ..
من هذا المنطلق يمكن أن نطل على غرفة إعدام جمال خاشقجي في القنصلية السعودية باستانبول .. إن كانت المعلومات المتداولة صحيحة .
المملكة العربية السعودية فعلت ما تفعله غالبية الدول –بغض النظر عن مدى أخلاقية مافعلت -..تصفية معارض رأته مزعجا !
ولقد وجدت بعض القوى الإقليمية في مأساة خاشقجي فرصة سانحة لاصطياد الرياض ..إما للنيل من مصداقيتها ..والدفع بها لتغيير سياستها في المنطقة المناوئة لمصالحها ..
فساسة طهران المحمومون بحلم استعادة أمجاد الامبراطورية الفارسية - ومن السذاجة تصديق إدعاءاتهم أن نشاطهم يأتي في إطار مشروعهم النضالي لمقاومة الوجود الصهيو أمريكي - يرون أن سياسات الرياض في اليمن والبحرين وسوريا ولبنان عائقا أمام تحقيق حلمهم الامبراطوري ،
والدوحة التي جيشت مرتزقة فضائياتها لتوجيه الضربات إلى السعودية.,تأمل أن تنجح في تقويض جدار الحصار الخماسي الصارم حولها ..
وأردوغان كالعادة يصيغ بياناته حول القضية بذكاء براجماتي ،وكأن تلك البيانات رسائل ابتزاز مبطنة لتضخ الرياض في الخزائن التركية مليارات البترودولار.
أما دوليا ..خاصة ما يتعلق ب"حماة" حقوق الانسان عبر ضفتي الأطلنطي" ..تتباين المواقف المثيرة للسخرية .. ما بين من يذرف الدموع على مقتل خاشقجي ، ومن يصرخ منددا ومطالبا بمعاقبة الرياض ، وفي الحقيقة ..الكل عينه على خزائن المملكة ، تماما مثل أردوغان .
ومن المشاهد المضحكة ،هذا الذي جرى في كل من واشنطن والرياض يوم 23 أكتوبر الحالي ،ففي الوقت الذي صاح فيه ترامب بأن الرواية السعودية عن مقتل خاشقجي .. هي الأسوأ ..كان وزير خزانته يساوم المسئولين في الرياض : كم ستدفعون ؟!
أتابع كل هذا دون أن تنجح براميل العطور التي يصبها هذا الطرف أو ذاك على تصريحاته وبياناته لتفوح برائحة الأخلاقيات ..في أن تهز اعتقادي الراسخ ومنذ عقود ..أنه لاأخلاقيات في السياسة .
وأن السراديب السرية للكثير من أجهزة الاستخبارات العالمية تفوح برائحة دماءالمئات ..بل الآلاف من أمثال جمال خاشقجي !
لذا ..ومنذ البدء ..لم أتوقف كثيرا أمام أسئلة حول مدى " أخلاقية " التصرف السعودي ..بل ما استوقفني آليات تنفيذ تصفية خاشقجي سواء كان مخططا له من قبل أو جاء كرد فعل عفوي خلال مشاجرة ! !!
..ذلك أن الأمر كله ومنذ الوهلة الأولى .ومن منظور أي بائع فول سوداني متجول لايتفق مع المنطق ..حتى أنني شرعت في كتابة مقال يوم 16 أكتوبر الحالي ، أي قبل الإعلان رسميا من قبل الرياض عن مقتل جمال خاشقجي ..
كان عنوانه "فليحاكم الفاعل بتهمة الغباء الاستخباراتي " ..
وما كنت أظن أن أحدا من السعوديين حتى لوكان ذلك بدون علم قيادته السياسية يمكن أن يلوذ بذلك الأسلوب الصبياني في تصفية معارض ..
استدراجه إلى قنصلية بلاده في دولة أخرى ، وإرسال كتيبة لتصفيته !
هل قتل خاشقجي في مشاجرة ؟
الأمر أيضا لايبدو منطقيا ..القتل قد يحدث في مشاجرات الشارع ..حيث لايستطيع الفرقاء السيطرة على أعصابهم المنفلتة ..
أما أن يتم في غرفة مغلقة بين15أو 18 كادرا أمنيا يفترض أن يكونوا على حنكة عميقة بكيفية التعامل مع شخص أعزل لاحول له ولاقوة ،فمهما بلغ به الغضب ..فشتم وسب أو حتى تطاول باليد فهو في موقف ضعيف للغاية ، أي تصرف منه لن يمثل خطرا على مستجوبيه ، وبالتالي ليس ثمة مبررا يدفعهم إلى الرد بعنف يصل إلى حد القتل ..
فإن كانت المشاجرة تمت عبر ال"سكايب " مع المستشار الملكي سعود القحطاني والمقرب من ولي العهد محمد بن سليمان كما أشيع ..فمن الطبيعي ألا يكون رد فعله وهو يشغل هذا المنصب بالغ الحساسية انفعاليا ، فيأمر بقتل الصحفي السعودي ، حتى لو بصق خاشقجي في وجهه خلال حوارهما ..!
وهل هذا بالنهج الذكي لأي جهاز مخابرات إن أراد تصفية أحد الخصوم .. استدراجه إلى إحدى قنصليات أو سفارات الدولة ؟ ألايقوي هذا طوق الشبهات ، حيث الداخل والخارج مرصود بعشرات الكاميرات ليس من قبل السفارة فقط ، بل من الدولة المستضيفة ؟أما كان من الأصوب قتله في المريخ لو كان ذلك ممكنا تحاشيا للشبهات ؟!
إن أسئلتي تلك طرح ذاكرة معبأة بعشرات العمليات الاستخباراتية الناجحة ، قرأت عنها في الصحف والكتب، لتصفية خصوم أو تفجير أهداف ،وظل الأمر طي الغموض لعقود .
نموذجا ..عملية تصفية المنشق البلغاري الروائي جورجي ماركوف ، والذي اتهمته موسكو بالتخابر لحساب المخابرات البريطانية ،كان ماركوف يسير على جسر واترلو في لندن صباح 11 سبتمبر 1978متجها نحو موقف للحافلات في طريقه إلى عمله في هيئة الإذاعة البريطانية ، فجأة شعر بألم حاد في فخذه الأيمن من الخلف كأنما لسعته حشرة ،نظر إلى الوراء فرأى رجلا يلتقط مظلة من على الأرض ليجتاز نهر الطريق إلى الجانب الآخر ويستقل سيارة أجرة .
مساء أصيب ماركوف بحمى شديدة نقل على أثرها إلى مستشفى سانت جيمس في لندن ،ليلفظ أنفاسه بعد 4أيام ، وعقب انهيار الاتحاد السوفييتي اعترف أوليج كالوجين ..أحد كبار المسئولين السابقين في جهاز"كي جي بي " بأن “مختبر إكس” في روسيا زوده بسم "الريسن " الذي غمس فيه المظلة ، بهدف قتل ماركوف .
وكما نرى عملية تصفية " ماركوف تمت في الشارع ومن قبل شخص واحد فقط وليس كتيبة !!
..وفي السجل الاستخباراتي العربي ثمة عملية ناجحة لتصفية مخطط إسرائيلي لكسر كبرياء مصرعقب هزيمة يونيو 67 ، أعني بها عملية تفجيرالحفار " كينتينج " الذي استأجرته إسرائيل للتنقيب عن البترول في خليج السويس وأمام أعين المصريين بهدف إذلالهم.. ،فإن سعى الطيران المصري إلى قصف الحفار ، وهو يمارس عمله في خليج السويس ..تنتهز إسرائيل الفرصة وتقصف حقل مرجان ، وربما تشعل حربا شاملة لم تستعد لها مصر بعد بمباركة من الغرب " ذلك أن شركة ميدبار التي استأجرت الحفار من شركة إيني الإيطالية تضم شركاء انجليز وأمريكان ،كما أن القاطرة التي تجر الحفار هولندية مسجلة في كندا ، وبالتالي أي هجوم للقوات المصرية على الحفار سيفسر بأنه اعتداء على 6 دول ، ايطاليا ، هولندا ، كندا ،بريطانيا ، الولايات المتحدة ، إسرائيل "
لذا كانت أوامر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر للمخابرات المصرية أن يكون الخيار الأول تدمير الحفار في عملية سرية خارج البحر الأحمر ،! ودون ترك أي أثر ينم على أن المصريين هم من فعلوا ذلك .
وبالفعل تم تنفيذ العملية التي أطلق عليها الحاج بنجاح مساء 8 مارس 1970 من قبل 4 أفراد من الضفادع البشرية هم : رائد خليفة جودت قائداً لمجموعة الضفادع الموكل إليها تنفيذ تدمير الحفار
ملازم أول حُسني الشراكي ضابط عمليات
مُلازم أول محمود سعد ضابط عمليات
ضابط صف أحمد المصري مُساعد عمليات .
وتحت إشراف محمد نسيم الملقب ب" قلب الأسد " كقائد ميداني ، و رغم الصعوبات التي واجهوها في تنفيذ العملية في ميناء أبيدجان على ساحل المحيط الأطلنطي ، من أبرزها رسو الحفار على بعد أمتار من قصر الرئيس العاجي ..إلا أن النجاح كان فائقا..حيث تم تفجير الحفار ،بدون أية تداعيات سلبية أو خسائر في الجانب المصري ، وقد بيع الحفار بعد ذلك خردة في غانا !
وما عمليتا الحفار و ماركوف سوى نموذجين لألاف المهام المخابراتية التي كان نجاحها بغض النظر عن نبل أو قذارة الهدف نتاج طبيعي للتخطيط الجيد والتنفيذ الدقيق .
لذا لاأبالغ إن دعوت إلى محاكمة منفذي مقتل خاشقجي بتهمة الغباء . إ
مع التشديد على أن دعوتي تلك تنبثق من قلب وعقل مواطن عربي ، يكن كل تقدير للقيادة السعودية لتصديها للمحاولات الإيرانية لابتلاع الجغرافية العربية ..
ويبارك سعي ولي العهد محمد بن سليمان لإعادة هيكلة المؤسسة الدينية التي لايرى كثر من رموزها الوجود الانساني إلا من منظور بدوي شديد الضيق والتخلف ، ولايمت ليس فقط للعصر ، بل للفطرة الانسانية بصلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد