الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إرث ((الخلافة)) وصراعات ايتامها!!

خلف الناصر
(Khalaf Anasser)

2018 / 10 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


عندما ألغى مصطفى كمال(أتاتورك) الخلافة أو السلطنة العثمانية عام 1926، متسلحاً بمرارة الشعب التركي من الهزيمة العسكرية الكبرى التي لحقته في الحرب العالمية الأولى، ومحملاً العرب مسؤولية تلك الهزيمة الماحقة، لقيامهم بــ "الثورة العربية الكبرى" على الأتراك في الحجاز عام 1916 .
وتحت هذا الشعور بالمرارة وما ولده من جو نفسي، وما كانت عليه الظروف المعيشية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية الصعبة للشعب التركي، كانت جميعها عوامل رئيسية ساعدت وهيأت لأتاتورك الفرصة المناسبة جداً، لإلغاء الخلافة العثمانية ومعاداة العرب وإعلانه القطيعة الكاملة مع الإسلام والمسلمين، وتبنيه لعلمانية متطرفة على النهج العلماني الفرنسي في محاربة الدين والمتدينين وجميع المظاهر الدينية، حتى أن عدنان مندريس الذي خلف أتاتورك قد أعدم لميوله الدينية!
وهذه الإجراءات العنيفة، وإن حظيت بقبول غالبية الشعب التركي تحت وطئه ثقل الهزيمة العسكرية، إلا أن كثيرين من الأتراك كانوا ضد تلك الإجراءات المتطرفة.

أما المسلمون خارج تركيا، فقد كان إلغاء الخلافة بمثابة صدمة شديدة ومروعة لغالبيتهم، وخاصة لأولئك الذين يؤمنون بصحة خلافة آل عثمان للمسلمين!
وبتأثير من تلك الصدمة نشأت وتشكلت أفكار وجماعات وحركات سياسية، تعمل جميعها على إعادة الخلافة العثمانية لسابق عهدها، أو لقيام خلافة جديدة غيرها .
فزرعت فكرة الخلافة في ذلك الوقت المبكر، البذرة الأولى لما نطلق عليه اليوم اسم " الإسلام السياسي" ، وكان " الإخوان المسلمون " أول ثمار تلك البذرة السياسية.. كما أنها كانت أول وأهم الحركات السياسية التي تشكلت، واستمرت موجودة إلى اليوم تعمل لإعادة الخلافة الإسلامية إلى الوجود ثانيةً، وتبعتها معظم حركات الإسلام السياسي التي تشكلت فيما بعد، وبشقيه: العنيف والأقل عنفاً، بما فيها داعش والقاعدة وحزب التحرير وبوكو حرام.................الخ

لقد ألغيت الخلافة أو السلطنة العثمانية في عام 1926 وعلى إثرها تشكلت حلقات وخلايا كثيرة في مصر، ثم تجمعت كلها بقيادة "حسن البنا" وشكلت حركة " الإخوان المسلمين " في الإسماعيلية عام ..1928 أي أنها كانت رده فعل مباشرة لإلغاء خلافة بني عثمان، حدثت بعد بسنتين (فقط) من إلغائها!
***
بعد اليأس من تركيا الكمالية في إعادة الخلافة إليها، توجهت الأنظار إلى أقطار إسلامية أخرى، كانت أهمها مصر والحجاز لحمل تاج الخلافة الإسلامية.. فحدثت منافسات حادة على منصب الخلافة بين زعماء هذه الأقطار العربية .

ففي مصر أطلق ملكها لحيته وبدت عليه ملامح الورع والتقوى، ويقوم بزيارة الجوامع والأولياء والأضرحة والتكايا، لكي يبدو في نظر العامة مؤهلاً لخلافة المسلمين .
أما في الحجاز فقد كانت هناك ثلاثة زعامات تتنافس على لقب الخلافة.. هم :
ـ الشريف على أبن الحسين شريف مكة!
ـ عبد العزيز آل سعود أمير نجد!
ـ أمير حائل من آل رشيد!
لكن حسم موضوع (خلافة المسلمين!) لم يكن بأيدي أي من هئولاء الثلاثة ولا حتى بأيدي عموم الملمين، إنما كان بيد بريطانيا (العظمى سابقاً!!) والتي كانت تتحكم برقاب هئولاء، وبمقدرات المنطقة العربية بكاملها أنذك.. وكانت مصالحها هي التي تقرر أي من هئولاء الثلاثة سيكون صالحاً لخلافة المسلمين!

فاستبعدت مصر من المنافسة لثقلها الحضاري والسكاني، ولتجربة محمد علي باشا وثورة أحمد عرابي، اللتين ما زالتا ماثلتان للعيان وللعقل الاستراتيجي البريطاني، الذي تصور إمكانيه إعادة تجربة الرجلين في مصر ثانية، إذا ما حاز ملك مصر على لقب خليفة المسلمين، لتشكل خطراً مميتاً على مصالحها.. وفعلاً شكلت مصر تحت قيادة جمال عبد الناصر فما بعد، ذلك الخطر المميت على مصالح البريطانية والغربية عموماً!

واستبعد الشريف حسين من المنافسة أيضاً بسبب طموحه بإنشاء " مملكة عربية " تضم المشرق العربي بأكمله تحت تاجه! وكما تعهدت له بريطانيا من قبل، وكثمن لقيامه بــ "الثورة العربية الكبرى" على العثمانيين، ودوره الفعال في تحرير الجزيرة العربية وبلاد الشام التي تضم (سورية ، لبنان ،فلسطين ، الأردن) وهزيمته للأتراك في المنطقة، ولقاء مشاركته الفعالة في المجهود الحربي للحلفاء.. لكن بريطانيا نكثت بعهودها معه كما هي عادتها دائماً!

وعلى هذا لم يتبق في حلبة المنافسة على (منصب الخليفة) إلا (عبد العزيز آل سعود) وحده، والذي وثق به البريطانيون بعد ما أثبت لهم قوله: ((إني لا أخرج عن طاعة بريطانيا حتى قيام الساعة)) فعلياً.. فساعدته بريطانيا على (تصفيه أمير حائل) وجميع منافسيه الآخرين عسكرياً بما فيهم (الشريف حسين)، وأنعمت عليه بلقب ((حامي الحرميين الشريفيين)) الذي يتلقب به ملوك السعودية إلى اليوم، كمقدمة لحمل لقب ((خــلــيــــفــة الــمــســلـمــيــن))!!
وكان فعلاً هو الأصلح لحمل هذا اللقب، لأنه أصلح الآخرين وأقدرهم على حماية مصالح بريطانيا ومصالح الغرب كله في منطقتنا العربية، منذ ذلك التاريخ إلى اليوم.. وخلفاء وأبناء عبد العزيز آل سعود فعلاً وصدقاً (لم يخرجوا على طاعه بريطانيا ـ ووارثتها أميركا إلى اليوم ـ وحتى قيام الساعة)!!
***
وعلى المستوى الشعبي والاجتماعي، فقد انحازت بعض الشخصيات والجمعيات والجماعات والقطاعات الشعبية إلى هذا المرشح أو ذك من المرشحين الثلاث لمنصب الخلافة.. ولأسباب عديدة:
فالإخوان المسلمون وبسبب علاقتهم الوطيدة ببريطانيا، وبسبب دعمها ومساعداتها المادية ومساندتها الدائمة لهم منذ نشأتهم، فقد انحازوا لموقفها في مسألة (الخلافة) وحسب مصالحهم المشتركة، وربما بإيعاز من بريطانيا أيدوا عبد العزيز آل سعود بقوة ليكون (خليفة المسلمين).. فنشأت عن هذا الموقف، ومنذ ذلك الوقت المبكر تلك العلاقة التاريخية المميزة بين الإخوان المسلمين والسعودية، التي أصبحت السعودية منذ ذلك التاريخ ممولاً وحامياً وملاذاً آمناً لهم، ونشأت في الوقت نفسه علاقة ملتبسة مع الحكومات المصرية المتعاقبة، وحتى مع الشعب المصري نفسه في بعض الأحيان.. ونشأت قبل علاقاتهم بالاثنين علاقة تاريخية أكثر رسوخاً بين الإخوان المسلمين وبريطانيا العظمى، ومن بعدها مع وريثتها أميركا وعموم الغرب!.
وهذا هو الذي يفسر لنا أسباب تأييد الغرب الدائم للإخوان المسلمين في كل أزماتهم ، وحتى في أزمتهم الحالية مع أغلبية الشعب المصري ومع الحكومات المصرية المتعاقبة لأسباب مختلفة!.
فقد كانت للإخوان المسلمين أزمات مستمرة مع أغلب الحكومات والعهود المصرية المختلفة:
فمع المملكة المصرية: كان الخلاف بسبب عدم تأيّيد الاخوان لملك مصر لمنصب الخلافة، وتأييدهم لمنافسه عبد العزيز آل سعود لهذا المنصب!
ومع نظام عبد الناصر: بسبب معاداته للاستعمار الغربي وبالأخص لحبيبتهم ووالدتهم بريطانيا، وبسبب اجراءاته الاشتراكية ونهجه القومي التقدمي وتوجهاته الاستقلالية!

لكن مع نظام السادات وخليفته مبارك: كانت علاقتهم علاقة حب ومصالح مشتركة، لأن السادات ومبارك كانا على النقيض من نظام عبد الناصر، في التوجهات السياسية والاختيارات الاجتماعية والإجراءات الاقتصادية والتحالفات الدولية!

أما مع النظام السيسي الحالي: فقد دخلوا معه في معركة كسر عظم مصيرية، رغم أنه لا يختلف في توجهاته السياسية والاجتماعية وتحالفاته الدولية عن نظام السادات ومبارك ـ وهو أسوأ منهم في هذ المجالات ـ إنما لوقوفه مع الإرادة الشعبية وجعله من حلم الإخوان الإمبراطوري الأممي كابوساً رهيباً لهم، رغم أن السيسي قد استغل هذه (الإرادة الشعبية) وتسلقها لصالحه الشخصي، وليصبح "رئيس جمهورية مصر العربية" معيداً مصر بهذا المنصب إلى حضن العسكر من جديد.. لأن في مصر [الجيش هو الذي يمتلك الدولة.. وليست مصر دولة تملك جيشاً!!]

وكما نشأت هذه العلاقة الملتبسة بين الإخوان المسلمين والأنظمة المصرية المختلفة، نشأت في الوقت نفسة علاقة أكثر التباساً مع الشعب المصري نفسه.. لأن نشأة الإخوان وجميع نشاطاتهم لم تكن تفرضها ضرورات وطنية مصرية ومصالح الشعب المصري ولا حتى مصالح عربية، بل حلم ذاتي وهمي تؤطره مصالح دولية وأجنبية .
***
وإذا عدنا إلى تركيا، فإننا نجد فيها حركات إسلاموية أخرى نشأت للسبب نفسه، أي، لإعادة الخلافة لبني عثمان، وكانت بعضها متأثرة بإخوان مصر، ثم أصبحت فرعاً لهم، وبعدها تجمعت كل فروع الإخوان في العالم وأسست لنفسها ما يعرف بــ ((التنظيم الدولي للإخوان المسلمين)) .
وبعد وصول الإخوان المسلمين الأتراك إلى سدة الحكم في تركيا بقيادة (رجب طيب أردوغان) مطلع هذا القرن تبدلت الأدوار، وأصبحت جميع فروع الإخوان المسلمين في العالم التابعة للفرع التركي وقياده أردوغان وتأتمر بإمرتهما، بما فيها الفرع المصري، وتبع هذا التحول تبدل ولاءات الإخوان من السعودية إلى تركيا!
وهذا يفسر لنا سبب العداء الشديد الحالي الذي نراه بين السعودية والإخوان المسلمين، رغم ولائهم التاريخي المعروف للسعودية منذ نشأتهم إلى وقت قريب!

فقد كان صعود إخوان تركيا إلى سدة الحكم، إيذاناً ببدء جوله جديده من الصراع على منصب "خلافة المسلمين" بين السعودية وتركيا هذه المرة، شبيه بالصراع الذي جرى بين مصر والسعودية على نفس المنصب، في أواخر الثلث الأول من القرن العشرين الماضي.. حتى وإن لم يأخذ هذا الخلاف اسم (منصب الخلافة) الصريح وأخذ صيغاً عصرية أخرى، لكنه في جوهره نوعاً من التنافس والصراع على منصب قيادة المسلمين، الشبيه بمنصب خليفة المسلمين!

فرجب طيب أردوغان ذو عقيدة عثمانية صبغ بها إخوان تركيا، واصطبغت بها جميع فروع الإخوان المسلمين في العالم، كما أنه قد وضع حلمه الامبراطوري العثماني موضع التنفيذ، مستغلاً محنه العراق ومحنه سوريا وقام باحتلال أجزاءً واسعة من شمال العراق وشمال سوريا بذريعة مكافحة الإرهاب.. في حين أن ادعاءات تركيا بعائديه حلب السورية ونينوى العراقية ومناطق أخرى لتركيا، علنية ومعروفة!

فاردوغان على العكس من قياده السعودية، حاول تحقيق حلمه الإمبراطوري العثماني من خلال المال القطري وفروع الإخوان المسلمين المنتشرين في أغلب الدول الإسلامية، ومن خلال بعض المنظمات المسلحة في سورية كـ "الحزب التركستاني".. بينما السعودية أرادت أن تقود المسلمين أو تكون وصية عليهم، من خلال مالها الوفير ووجود الحرميين المقدسين عند المسلمين في أراضيها، ومن خلال مذهبها الوهابي المتطرف ذو النزعة العنيفة، وما تولد عنه من منظمات إرهابيه كالقاعدة وداعش والنصرة ومئات المسميات الأخرى، التي اشاعت الرعب والدماء والخراب والدمار في أغلب البلدان العربية وبعض البلدان الإسلامية، وخصوصاً في العراق وسوريا وليبيا ومناطق عربيه وإسلاميه كثيره غيرها!
فتولدت عن هذه السياسة السعودية وعن منظماتها الإرهابية رده فعل شاملة لدى أغلبيه المسلمين، فقبرت حلم السعودية في قياده المسلمين أو الوصاية عليهم، مما جعلها تتراجع بشخص (ولي العهد محمد بن سلمان وسياسته) عن تلك السياسة الدمويه تدريجياً، وتخسر معركتها مع تركيا في وراثه لقب ومركز ومنصب "خليفه المسلمين" أو ـ على الأقل ـ قائدهم الأعلى!!

وكان مقتل جمال خاشقجي على الأراضي التركية "القشة التي قصمت ظهر البعير" السعودي، وواحداً من المسامير الأخيرة التي دقت في نعش حلم قيادتها لعموم المسلمين!.
ولولا التدخل الأمريكي والإغواء المالي السعودي لتركيا، لاستغل أردوغان مقتل خاشقجي إلى أبعد حدود الاستغلال.. لكنه كان رجلاً عملياً وبرغماتياً ويعرف حدود القوه جيداً.. فاكتفى بما أشاعه عنها من بروبغندا لصالحه وبما حصل عليه سراً، من فوائد ماليه وسياسيه واقتصاديه، وعده بها الأمريكان!!
وفي كل الأحوال كان مقتل خاشقجي، نقطه مهمه لأروغان في مجال المنافسة على وراثه آل عثمان وامبراطوريتهم!!

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا