الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاتحاد الاوروبي يتضرر من العقوبات الاميركية ضد روسيا

جورج حداد

2018 / 10 / 27
السياسة والعلاقات الدولية


إعداد: جورج حداد*


تواصل اميركا سياسة "تصدير" ازمتها الداخلية الخانقة الى الخارج، بتعميق وتوسيع سياسة فرض العقوبات الاقتصادية ضد روسيا والصين وايران وغيرها. ويتسابق الرئيس ترامب والكونغرس الاميركي، كما يتسابق السيناتورات واعضاء الكونغرس فيما بينهم على اقتراح مزيد من "قوانين" العقوبات.
وفي هذه السياسة العقوباتية تنتهج اميركا خطا عدوانيا انانيا لا يقيم اي اعتبار لمصالح الحلفاء التقليديين لاميركا وعلى رأسهم دول الاتحاد الاوروبي.
وتتفق غالبية الخبراء ان العقوبات ولكي يكون لها نتيجة ملحوظة ينبغي ان تنضم اليها مختلف الدول الى جانب اميركا. ولهذه الغاية فإن الادارة الاميركية لم تتورع عن ان تقرر تطبيق العقوبات ايضا على الدول والشركات التي لا تلتزم بالعقوبات الاميركية ضد الدول المغضوب عليها اميركيا، وعلى رأسها روسيا التي استطاعت حتى الان بنجاح ان تتكيف مع العقوبات وان تخفض الى الحد الادنى من اضرارها عليها.
وعلى هذه الخلفية كان من المهم جدا لاميركا ان تحظى بدعم سياستها العقوباتية المتصاعدة، من قبل حلفائها وعلى رأسهم الاتحاد الاوروبي.
ولكن على هذا الصعيد بالذات اصطدمت اميركا بعقبات تضع كل سياستها العقوباتية ضد موسكو تحت خطر الفشل.
ويقول العديد من الخبراء ان الانعكاسات السلبية لسياسة العقوبات الاميركية تضر بالدول الحليفة لاميركا 10 و20 مرة اكثر مما تضر باميركا ذاتها. وهذا يمس بشكل خاص الدول الاوروبية التي لها مصالح وعلاقات اقتصادية مع روسيا اكثر بكثير مما لاميركا.
وهذه السياسة تلحق الضرر مباشرة بالمصالح الاقتصادية للعديد من الدول الاوروبية الرئيسية.
وابرز مثال على ذلك هو المحاولات الدؤوبة لاميركا لمنع تنفيذ مشروع انبوب الغاز الروسي المسمى "السيل الشمالي ـ 2" الذي يصل الى المانيا (عبر بحر البلطيق) ومنها يتم التوزيع الى مختلف الدول الاوروبية الاخرى.
ونشير هنا الى مقالة كتبها كلاوس ستراتمان وموريس كوخ في Handelsblatt الالمانية جاء فيها: "ان الحيرة والحذر اللذين يبديانهما السياسيون الالمان حيال الاجراءات الاميركية، ينموان باستمرار، لان القوانين العقوباتية الاميركية تضرب ليس فقط خصوم اميركا بل واصدقاءها ايضا... وهي تريد ان تجبر الاوروبيين ان يلتزموا بالخط الذي تضعه".
ويتخوف الاقتصاد الالماني اكثر ما يتخوف على البيزنس مع روسيا، لانه ترتهن بها ليس فقط آفاق تطور هذا الاقتصاد، وانما ايضا وجوده بحد ذاته.
ومن المعلوم ان قطاع الطاقة الالماني هو موجه نحو روسيا، بوصفها المورد الاول لحاملات الطاقة، والضغط الاميركي انما يهدد المشروع الرئيسي لالمانيا الذي تبلغ قيمته مليارات الدولارات ونعني به مشروع "السيل الشمالي ـ 2".
ومن حيث المبدأ تمتلك برلين رأيا سلبيا حيال السياسة العقوباتية الاميركية، لانها ترى ان اميركا تضع اشكالا من الحصارات التي ينبغي ان يدفع ثمنها الالمان.
وحسب رأي المحللين في جريدة Handelsblatt سالفة الذكر "ففي وزارة الخارجية الالمانية يؤكدون بقلق ان السياسة الخارجية الاميركية تقوم على اللامأسسة وتفتقد الى الكوادر، وترتبط بنزوات الرئيس الاميركي ترامب".
وفي الواقع لا يمكن الان الحديث عن سياسة اميركية حيال روسيا، بالمعنى الكلاسيكي لهذا المفهوم. وعلى الاقل بسبب وجود سياستين على هذا الصعيد، احداها للرئيس ترامب، والاخرى للكونغرس. وهناك تناقض بين الاثنتين. وهذا يعني ان السياسة الالمانية، وكذلك مختلف دول الاتحاد الاوروبي، تصبح ضحية لتناقضات السياسة الداخلية الاميركية.
ويعترف الخبراء الاقتصاديون الالمان ان المخاوف تجاه الضغوطات الاميركية لاجل مشروع "السيل الشمالي ـ 2" تزداد، ولكن هؤلاء الخبراء مقتنعون ان الحكومة الالمانية لن تتراجع بتاتا عن موقفها حيال هذا المشروع.
وتجدر الاشارة الى ان الدول الاوروبية هي مقتنعة انها تتضرر اكثر من الاميركيين ليس بسبب سياسة العقوبات ضد روسيا فقط، بل وضد ايران ايضا. هذا بالاضافة الى الفرص الضائعة في احتمالات انضمام الدول الاوروبية الى المشاركة في اعادة اعمار سوريا، فيما لو انضمت الدول الاوروبية الى سياسة العقوبات الاميركية.
والسؤال الكبير امام الدول الاوروبية الان هو: هل ان فوائد الرفض المحتمل لسياسة العقوبات الاميركية ضد دول رئيسية كروسيا والصين وايران هي اكثر او اقل من خسائر الانضمام الى تلك السياسة.
ولكن منذ الان يمكن التأكيد ان اليورو يقف امام احتمال خسارة امكانية التحول الى عملة رئيسية تحل محل الدولار في الفضاء الاقتصادي والمالي الاوراسي الواسع الذي يقوم على كاهل دول كبرى كروسيا والصين والهند، والتي تنضم اليها ايران، وهذه الدول اخذت تنتهج طريقة التعامل بالعملات الوطنية بدلا عن الدولار، في العلاقات الاقتصادية والمالية والتجارية الضخمة فيما بينها.
لم يفت الوقت بعد لامكانية حلول اليورو محل الدولار. ولكن هذا يتطلب من الدول الاوروبية ان تتخلى نهائيا عن سياسة العقوبات الاميركية.
مما تقدم يمكن ان نستنتج ان حبل العقوبات ضد روسيا والصين وايران، الذي تريد اميركا ان يلتف حول عنق الدول الاوروبية، يمكن ان يرتد ليلتف حول عنق اميركا بالذات التي تزداد عزلة يوما بعد يوم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست