الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا تكن مجهول الهُوية!

توفيق أبو شومر

2018 / 10 / 28
كتابات ساخرة


سألني أحدهم:
لماذا لا يعفو السلطان عن منتقديه حتى بعد موتهم؟
قد يُخطئ المرء في حقِّ الله، ثم يندم، فيغفر له اللهُ ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر، إلا السلطان، فمَن يخطئ في حقه، مرةً واحدةً، لا يغفر له السلطانُ أبدا، مهما كفّر عن ذنوبه، حتى لو أعلن التوبة، وطلب الغفران عن أخطائه في حق السلطان!
كيف يغفرُ ربُّ العالمين، ولا يغفرُ سلطان الأكرمين؟!
قلتُ مُجيبا:
لا يرتاح السلطان إلا بعد أن يُصنِّفَ رعيته. فمن أي الأصناف أنت؟
قال:
"والله ما شهرتُ عليه سلاحا، ولم أدعُ إلى انقلابٍ عسكري، وما دعوت عليه بالويل، والثبور، وعظائم الأمور، وما طعنتُ في شرفه وعرضه!!
ولكنني أُصادقُ شخصا، انتقد السلطان، وذمَّ أفعاله، وأقواله، كنتُ جالسا أسمعُ وأبتسمُ، ولم أعلق، فسُجنتُ وعُذبتُ لأنني ابتسمتُ وصمتُ!!
بعدها أصبح اسمي في كل دوائر الحكومة مُتابعا مرصودا، في دفاتر رجال الأمن، فأنا ممنوع من السفر، والعمل، مطاردٌ صباح مساء!!
والله، لو كنتُ قادرا على الرحيل من بلدي لرحلت، ولو كنتُ قادرا على تغيير اسمي لفعلت، فأنا لست من أعداء السلطان، ولكنني عدوٌ لحاشيته الفاسدة، وبطانته الظالمة!"
قلتُ:
الرعيةُ يا صديقي ثلاثة أقسام؛ قسمٌ مع السلطان، وقسمُ ضد السلطان ، وثالثٌ مجهول الهوية، وأنت من القسم الثالث ،إذن أنتَ من أخطر الأقسام!!
فالسلطان في بلادنا يكره مجهولي الهوية، لأن مجهول الهوية يُحيِّر أعوان السلطان، ويجعلهم في حالة استنفار دائم، لكي يصنفوك! لذلك، فأنت مُطارد حتى الممات!
سألني:
أليستْ طائفةُ أعداء السلطان، هم الأخطر؟
قلتُ:
أنت مخطئ، لأن أعداء السلطان معروفون، ومتابعون، ومراقبون، في الصباح والمساء، وحتى في المنام، كما أن معظم أعداء السلطان، هم من أعوان السلطان أيضا!
أما مجهولو الهوية أمثالك، هم أغلبية الشعب، يتوالدون بسرعة، فيعجز المراقبون عن متابعتهم، وكثيرٌ منهم يُفلتون من وشم السلطان، ويحتاج كل فردٍ فيهم إلى عينٍ ترصده، وتتابع خطواتِه!!
مجهولو الهويات عند السلطان هم بذور الشر المستقبلي، فهم براكين الثورات، هم عند السلطان رُّعاع مزعجون، فإذا رفع السلطانُ سيفَه عن رقابهم لحظة من اللحظات، امتشقوا في وجهه سيوفهم، وحرابهم، وبنادقهم!
فالسلطان يظن بأن الرعاع أمثالك، أغنياء، يدَّعون الفقر، لا يشبعون ما أكلوا!
هم يحكمون في سرهم على كل سلاطين العالم بالإعدام، ويبصقون في وجه السلطان وهم نائمون، وهم أيضا، يفرحون، ويزغردون إذا أصاب السلطانَ مكروه، أو حلت النكبةُ بأهله وذويه، وهم أيضا يفرحون بنكبة أعداء السلطان، فهم يشمتون في الفريقين.
إذن، ما عليك أيها المجهول الهوية إلا أن تنضم لأعداء السلطان، فإنك حينئذٍ تنجو من مطاردته، عندما تفرزك أنوفُ كلاب السلطان، وعيونُ صقوره، وتضعك في خانة الأعداء، فالأمر يصبح جدَّ بسيط ، لأن السلطان يعرف بالتمام والكمال خطة الأعداء، ويعلم عددهم، وعتادهم، وموعد تنفيذ خطتهم، فيصبح التخلص منك ومن أمثالك سهلا ميسورا!
أما رأيتَ بأن وجودك في خانة أعداء السلطان أفضل لكَ وللسلطان، من أن تكون مجهول الهوية محايدا.
أما إذا أصررتَ على البقاء عقبة وسط طريق السلطان، بأن تظلَّ مجهولَ الهوية، أي شوكةً في حلق السلطان وحاشيته، فنصيحتي الأخيرة لك وردتْ على لسان زوجة النبي أيوب، عندما يئست من صبره على الآلام، فقالت له بيأس:
" بارك الله ومُــــتْ "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | على الهواء.. الفنان يزن رزق يرسم صورة باستخدا


.. صباح العربية | من العالم العربي إلى هوليوود.. كوميديا عربية




.. -صباح العربية- يلتقي نجوم الفيلم السعودي -شباب البومب- في عر


.. فنان يرسم صورة مذيعة -صباح العربية- بالفراولة




.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان