الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كوندرسيه... كيف تتطور البشرية؟!

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2018 / 10 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ربما يبدو هذا السؤال كبيرًا وتتطلب إجابته البحث والاستقصاء. لكن هناك من قدم إجابة بسيطة للغاية عن السؤال؛ وهي العقل؛ فالبشرية تتطور بمقدار تطور العقل الإنساني.
صاحب هذه الإجابة البسيطة هو الفيلسوف الفرنسي "ماري جان انطوان نيكولا" المعروف بماركيز دي كوندرسيه؛ أحد أبرز الشخصيات في فترة الثورة الفرنسية، والتي دفع حياته ثمنا للدفاع عن مبادئها في الحرية والإخاء والمساواة. وليست السطور التالية محاولة لإلقاء الضوء على حياة الفيلسوف غير الشهير نسبيًّا؛ فالموسوعات يمكن أن تؤدي هذا الدور بكفاءة. كذلك ليست محاولة لتحليل أفكاره ورؤاه فهذا عمل موسوعي أيضًا يتجاوز منشورًا إلكترونيًّا. إنما هذه السطور هي محاولة لإلقاء لمحة خاطفة على أفكاره فيما يخص العقل وتطوره.

لماذا قال ما قال؟!
كانت الفترة التي ظهر فيها كوندرسيه فترة شديدة التقلب والاضطراب من عمر الثورة الفرنسية؛ حيث شهدت سيطرة الجناح المتطرف من الثورة الفرنسية ممثلًا في اليعاقبة على التشريعات الأمر الذي أدخل الفيلسوف في صراع معهم انتهى بوفاته في ظروف يمكن وصفها بالغامضة؛ حيث قُبِضَ عليه، وعثروا عليه في الصباح التالي ميتًا في محسبه ويقال إنه انتحر بتناول سم كان في خاتمه، كذلك يقال إنه مات بسبب مشكلة في القلب. لكن أيًّا ما كان الأمر فقد مات في محبسه بعد مطاردة واختفاء داما تسعة أشهر.
كان كوندرسيه محل شك من اليعاقبة المتطرفين؛ لأنه كان ينتمي إلى الطبقة الوسطى. كذلك كان محل شك من المحافظين أو من يُطلق عليهم الجيرونديين؛ لأنه كان مؤيدًا للثورة. من هذا نفهم أن كوندرسيه لم يكن أيديولوجيًّا، ولكنه كان توفيقيًّا يحاول تبني وجهة نظر عقلانية تراعي مطالب الأطراف كافة وطموحاتها وتطلعاتها؛ ومن ثم فكان محل كراهية متطرفي اليمين واليسار على حد سواءٍ!
إذن العقل كان الأساس الذي استند عليه كوندرسيه في صياغة فلسفته وأفكاره التي أكد في ثناياها أن تطور البشرية هو مسار تقدم العقل الإنساني. ومن هذه الرؤية نبعت رؤيته للتاريخ؛ حيث قال إن التاريخ يسير في طريق مستقيم، وأنه في حالة مستمرة من التقدم؛ لأن العقل الإنساني يسير في مسار التقدم دومًا، وكذلك لا يكف عن التقدم.

كيف يتقدم العقل؟!
السؤال الذي يبرز بعد ذلك هو: كيف يتقدم العقل؟! للإجابة عن السؤال يتعين الإجابة عن سؤال آخر وهو: كيف تتكون الأفكار؟!
يرى كوندرسيه أن الإدراك هو أساس تكون الأفكار؛ حيث يستقبل الإنسان المعلومات من خلال الحواس؛ فتتكون أحاسيس مؤقتة. هذه الأحاسيس المؤقتة تتحول إلى أحاسيس دائمة. وانطلاقًا من هذه الأحاسيس الدائمة، تتكون المبادئ العقلية العامة التي على أساسها تتكون الأفكار، ويحدث الإبداع الإنساني.
إذن يقول كوندرسيه إنه لا توجد مبادئ عقلية عامة في ذهن الإنسان يقيس عليها المعلومات، ولكن انطلاقًا من الحواس تتكون هذه المبادئ العقلية العامة، وتتطور مع تطور الخبرة الإنسانية مع ممارسة وتفاعل مع الآخرين وغير ذلك من وسائل صقل الأفكار.
تقف هذه النظرية على النقيض من نظرية ديكارت التي يقول فيها إن هناك مبادئ عقلية عامة وعلى أساسها يقيس الإنسان ما يتلقاه عبر حواسه.
تنقلنا هذه المقارنة بين نظريتي كوندرسيه وديكارت إلى مقارنة أخرى قد تبدو بعيدة، ولكنها في نهاية الأمر تتعلق بمسألة المبادئ العامة. قال هيجل إن هناك مثلًا في ذهن الإنسان يقيس على أساسها الوقائع المجردة، بينما قال ماركس بعكس ذلك؛ حيث قال ما يُفْهَمُ منه إن الإنسان يستخلص من الوقائع المجرد أطرًا يقيس عليها. لذلك قيل إن ماركس قلب فلسفة هيجل الجدلية رأسًا على عقب.
هل يمكن إذن القول إن نظرية ديكارت تشابه نظرية هيجل في وجود مبادئ عامة داخل الإنسان يقيس عليها ما يتلقاه بحواسه، بينما نظرية كوندرسيه تشبه نظرية ماركس في قولها إن الواقع هو ما يخلق الأطر والمبادئ العامة؟
ربما يمكن قول ذلك.

ماذا بقي من كوندرسيه؟!
على الرغم من عدم نيل كوندرسيه شهرة واسعة بين المفكرين والفلاسفة، يمكن أن يقال بكل اطمئنان إنه أحد الفلاسفة التنويريين الذين أعلوا مبادئ العقلانية والحرية الفردية والمسئولية الجماعية. كذلك من بين ميراث كوندرسيه الوحدة الإنسانية في وحدة العقل الإنساني؛ ومن ثم وحدة التاريخ البشري باعتباره مسارًا لتطور العقل الإنساني الواحد.
كان كوندرسيه فيلسوفًا مخلصًا شديد التفاؤل، ضحى بحياته من أجل مبادئه. فهل كان الأمر يستحق؟! وهل أدت تضحيته هذه إلى المردود المناسب؟! أم أن التاريخ تجاوزها في مساره دائم التقدم كما قال كوندرسيه؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير